الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مرضى الثلاسيميا حياة بدم «متكسر»

مرضى الثلاسيميا حياة بدم «متكسر»
17 مايو 2010 21:22
حين تحسست أم عبير جسد طفلتها الشاحب، راحت تقلبها باحثة عن سبب خمولها واصفرارها، قالت في نفسها: إنها لا تشرب الحليب وتنام كثيرا، وربما يكون هذا أمرا عاديا ، لكن لاتستطيع الحبوّ مع أنها في الشهر التاسع من عمرها، هناك إذا مرض ما، تلك اللحظة فقط قررت أخذ طفلتها إلى الطبيب. لم تكن أم عبير تدري أن مشوار الطبيب الأول ذاك سيتحول إلى مشوار أبدي طوال العمر لابنتها عبير، ثم لأخواتها العنود وآمنة، إنه الثلاسيميا، تكسر كريات الدم الحمراء. تقول أم عبير: مضى على اكتشاف المرض في ابنتي عبير خمسة وعشرون عاماً، تجرعت فيها الأسى كل شهر، كانت طرية العود حين غرست في جسدها أبر أكياس الدم لأول مرة، واستمرت تعيش بنفس الطريقة طوال عمرها. تعرف الدكتورة فاطمة سجواني أخصائية أمراض الدم بمستشفى القاسمي بالشارقة مرض الثلاسيميا بقولها: هذا المرض من الأمراض الوراثية واسعة الانتشار في الدولة، يعبر عنه أحيانا بإسم «تكسر كريات الدم الحمراء»، هناك أربع فئات مختلفة منه أخطرها الثلاسيميا الكبرى، يتعرض له الانسان المولود من شخصين حاملين للثلاسيميا الصغرى (وهي وجود العوامل المسببة للمرض دون ظهور أعراضه على الشخص) . آلام أم تكمل أم عبير: قبل خمسة وعشرين عاماً، لم يكن هناك وعي كاف بهذا المرض، لم يكن هناك فحوصات ما قبل الزواج، ربما لو عرفت بأن أبنائي سيعرضون لنقل دم شهري طوال أعمارهم لكنت تداركت الأمر، حين أخبرني الطبيب لأول مرة أن ابنتي تحتاج لنقل دم، ظننت الأمر لمرة واحدة، وكانت صدمتي كبيرة حين عرفت أنه نقل شهري للدوم طوال عمر صغيرتي. تتابع أم عبير قصة بناتها المصابات بالثلاسيميا: في حملي الثاني والثالث كانوا أبنائي طبيعين، لم تظهر عليهم أعراض المرض ولم أرغب في عرضهم على المستشفيات، كان خوفي من تعريضهم للفحوصات كبيرا، ولأنهم بدوا بصحة جيدة كان اطمئناني كبيرا، إلى أن جاءت أصغر البنات (آمنة) كانت مصابة بالمرض، لكني لم أرغب في أخذها للمستشفى! رأيت الأعراض وقررت اللجوء للطب الشعبي، بدأت رحلتي مع المداويين الشعبيين من «وسم» ( الكيّ) و»المسح» ( نوع من المساج العلاجي التقليدي) ومع تدهور حالتها أخذتها للمستشفى وحين أخبروني بضرورة نقل دم لها أردت إخراجها من المستشفى مرة أخرى، لكن الطبيب لم يرض وأقنعني بعلاجها في مستشفى الوصل بدبي. في هذا الصدد تقول الدكتورة فاطمة سجواني: ينتشر مرض الثلاسيميا في الإمارات بمعدل مرعب بسبب زواج الأقارب، أو زواج حاملي المرض حتى لو لم يكونوا أقارب، المشكلة أن فحص الثلاسيميا قبل الزواج لم يكن إجباريا إلا منذ عام فقط، وهناك اتجاه حاليا لفرضه مع فحوصات الثانوية العامة لأن فرضه مع فحوصات الزواج لا يبدو مجدياً، خاصة وأن معظم المتقدمين لفحص الزواج لا يتراجعون عن قرار الزواج برغم معرفتهم إمكانية إصابة أبنائهم بالثلاسيميا الكبرى، قد يكون السبب غالبا أن استعدادات الزواج تكون قد أقيمت، وتمت عملية المصاهرة فعلا قبل إجراء الفحص الذي لا يغير في معظم الأحيان قرار الزواج. جهود للتوعية أم عبير اليوم تقود مع بناتها الثلاث عبير والعنود وآمنة حملات للتعريف بالثلاسيميا، ومحاولة نشر الوعي بالمرض بين طالبات المدارس والكليات، تقول: إن جهودي التطوعية للتعريف بالثلاسيميا ليست إلا محاولة للحد من انتشار المرض، أنا أم لخمسة أبناء ثلاثة منهم مرضى بالثلاسيميا الكبرى واثنان حاملان للمرض، ليست لدي فرصة لعلاج أولادي بزرع النخاع، لأنهم كبروا في العمر ولعدم وجود متبرع يناسبهم بالأنسجة حتى من إخوتهم، يكفي أني أراقب حالتهم شهريا حين تتجه بناتي الثلاث للمستشفى بقلب حزين، ولا أريد أن تذوق أم ما عانيته طوال هذه السنين. جمعية الثلاسيميا من جهتها تقول خالدة خماس، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للثلاسيميا: تقوم جهات كثيرة في الدولة بجهود جبارة لنشر الوعي بمرض الثلاسيميا، من بينها جمعية الإمارات للثلاسيميا التي تأسست في 1997. تقوم الجمعية بمساعدة الأشخاص المصابين بمرض الثلاسيميا الوراثي معنوياً واجتماعياً وتقديم المشورة لهم، وتبادل المعلومات والخبرات مع الجهات العالمية للثلاسيميا، وكذلك تشجيع ومتابعة الأبحاث الطبية والعلاجية المتعلقة بمرض الثلاسيميا. تملك الجمعية قاعدة بيانات للعديد من المتطوعين من مرضى الثلاسيميا وأسرهم يقومون مع الجمعية بإعداد برامج للتوعية والتثقيف الصحي في المجتمع، للحد من انتشار المرض والتعرف على كيفية الوقاية منه وذلك من خلال المحاضرات وأفلام الفيديو ونشر الكتيبات التوضيحية بالتعاون مع الجهات المعنية، وتوعية وتوجيه المقبلين على الزواج لإجراء الفحوصات الطبية المسبقة. كفاح فتاة عن قصة مرضها تقول عبير عبدالله خلف: فتحت عيني على الدنيا ومنظر الأسلاك المحملة بالدم يلاحقني، كنت دائما ما أدخل المستشفى لنقل الدم، اعتدت هذا الإجراء واعتاده أهلي الذين أخبروني بأنهم لم يدركوا مرضي من البداية ولولا شحوبي وكسلي الدائم لما عرفوا. تتابع عبير: يفقد دمي قدرة الاحتفاظ بكريات الدم الحمراء لثلاثة أشهر كما يفعل الجسم الطبيعي، أفقد كرياتي في ثلاثة أسابيع الأمر الذي يجعلني أسرع للمستشفى لرفع مستوى الكريات في دمي إلى 12. طبيا لا يحتاج مريض الثلاسيميا إلا لكريات الدم الحمراء، تقول الدكتورة فاطمة سجواني أخصائية أمراض الدم في مستشفى القاسمي: يتكون الدم من الكثير من كريات الدم الحمراء إلى جانب سائل ( البلازما) والكريات البيضاء التي تقاوم الأمراض والصفائح للمساعدة في وقف النزيف. وعادة تعيش كل الكريات الحمراء حوالي 4 أشهر ثم تموت وتتكسر، بينما لا تعيش هذه الكرات عند مريض الثلاسيميا الكبرى إلا 28 يوما بحد أقصى، ما يضطره للتزود بها عبر عمليات نقل الدم. نقل دم تتابع د.فاطمة: تكمن أهمية الكرات الحمراء بكونها تحمل الهيموجولبين الذي يحتوي على الكثير من الحديد. وعندما تموت كريات الدم الحمراء وتتكسر يستعمل الحديد الموجود بها في صنع كريات دم حمراء جديدة بواسطة النخاع الذي ينتج الحديد كل 120 يوما، ولكن الكرات تموت قبل أوانها يفقد النخاع هذه القدرة على إنتاج الحديد بشكل جيد، ما يجعل المريض بحاجة لنقل دوري للدم كل 3-4 أسابيع للمحافظة على نسبه عالية من الهيموجلوبين لكي ينموا الجسم بشكل صحي. تقول مريضة الثلاسيميا عبير: أبحث دائما عن أي علاج ممكن للمرض، لكني أعرف ألا أمل سوى زراعة النخاع الذي تحفه المخاطر أيضا، لقد أنهيت دراستي الجامعية من جامعة زايد بدبي، وكان أساتذتي طوال فترة المدرسة والجامعة يقدرون مرضي ويتقبلون مسألة تغييري للدم بشكل شهري، وما يصاحب ذلك من تعب وإرهاق وتأخر على المحاضرات، ولأني أسكن في مسافي برأس الخيمة كان من الأشياء التي تضايقني كثيرا نقص الرعاية الصحية بمرضى الثلاسيميا في رأس الخيمة والفجيرة، الأدوية والأجهزة هنا قديمة، بينما الوضع مختلف في دبي حيث كنت أدرس وأتعالج في مستشفى الوصل، أعتقد أن مريض الثلاسيميا يجب أن يحظى بفرص جيدة للعلاج. لقد تحمل أهلي خاصة والدي الكثير من التعب في سبيل إيصالنا شهريا لمستشفى يقدم خدمات علاجية جيدة، أعتقد أن من حق أخوتي مرضى الثلاسيميا في كل الإمارات الحصول على رعاية طبية ملائمة. تكثف جهود تقول الدكتورة فاطمة سجواني: تقع الإشكالية في عدم وجود إحصائيات واحدة عن مرضى الثلاسيميا في الإمارات، هناك ثلاث جهات مختلفة تعنى بالمرضى، الهيئات في أبوظبي ودبي، ووزارة الصحة في باقي الإمارات. وتتابع: لا يعلم الكثيرون أن مرضى الثلاسيميا يحصلون على الكريات الحمراء اللازمة لهم من دم المتبرعين، وبرغم الاقبال الجيد من الناس على التبرع إلا أننا نعاني من قلة الدم قياسا لعدد المرضى، نحتاج دائمًا دماً «طازجاً» لم يتعد الخمسة أيام منذ التبرع، تفصل مكوناته لنحصل على الكريات الحمراء فقط، وهي التي يحتاجها مرضى الثلاسيميا في عمليات تبديل الدم، وهناك بعض الفئات التي تعتبر «صعبة» في الحصول عليها مثل -A ، O- ، و -B وتقول خالدة خماس نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للثلاسيميا: تتركز جهود الجمعية على التوعية بمرض الثلاسيميا، ويمثل التوعية بالتبرع بالدم إحدى ركائز التعايش مع المرض، تكثف جمعية الإمارات للثلاسيميا جهودها من أجل نشر الوعي بمرض الثلاسيميا بين مختلف فئات المجتمع. وتتابع خالدة: أسهمت إصدار برشورات وكتيبات وبوسترات توعوية، والمشاركة في الفعاليات والمعارض المختلفة مع المدارس ، وكذلك إقامة معارض توعوية وإلقاء محاضرات لنشر الوعي الصحي في المستشفيات بالتعاون مع دائرة الصحة والخدمات الطبية. كما أن الاحتفال باليوم العالمي للثلاسيميا الذي تمر ذكراه هذا الشهر مناسبة جيدة للتعريف بالمرض وإخبار الناس الجوانب الخفية عنه. تقوم الجمعية أيضا التعاون مع المناطق الطبية من خلال محاضرات تثقيفية لجهاز التمريض في المدارس ودعوتهم للمشاركة في أنشطة جمعية الثلاسيميا من خلال الأنشطة الصيفية والمدرسية، وتنظيم حملات التبرع بالدم مع الجمعيات المختلفة والمؤسسات ووضع برنامج خاص بالتوعية من خلال كتيب تعريفي عن المرض ومحاضرات وحملات توعوية حول أهمية الفحص الطبي قبل الزواج، وكذلك التعاون مع صندوق الزواج للحد من انتشار الأمراض الوراثية بالفحص قبل الزواج وخاصة الثلاسيميا.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©