الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التملص الأممي في هايتي

22 مارس 2013 23:01
شارانيا كريشناسوامي - ناشطة في المجتمع المدني منير أحمد - أستاذ القانون بجامعة «يل» رغم أنه من المهام الأساسية لبعثة الأمم المتحدة في هايتي ضمان «المحاسبة الفردية على تجاوزات حقوق الإنسان والسعي لتعويض الضحايا»، فإنها مع ذلك، وبدلا من تحقيق هذه الالتزامات تجاه حوالي 600 ألف من سكان هايتي الذين أصيبوا بعدوى الكوليرا التي تسببت فيها الأمم المتحدة نفسها، تفضل التهرب من المسؤولية، والاختباء وراء دعوى الحصانة. وبرفضها تصويب الخطأ الذي ارتكبته تكون الأمم المتحدة منخرطة في انتهاك مبادئ المساءلة الدولية واحترام حقوق الإنسان. ومعروف أن هايتي، ورغم كل المصاعب والمشاكل التي ترزح تحت وطأتها، كانت خالية من مرض الكوليرا لأكثر من قرن من الزمن حتى جاءت إليها قوات حفظ السلام الدولية قادمة من نيبال في أكتوبر عام 2010. والمشكلة أن الأمم المتحدة ورغم علمها باندلاع وباء الكوليرا في نيبال قبل وقت وجيز على مشاركة قواتها في هايتي، لم تُخضع هذه القوات لفحص طبي كما يفترض أن يكون الأمر، وزاد من تفاقم الخطأ أن الأمم المتحدة لم توفر لقواتها في هايتي مرافق صحية لائقة في معسكرهم الذي أقاموا فيه، والنتيجة أن تسربت الفضلات الملوثة بالكوليرا إلى مياه نهر «آرتيبونيت» الذي يشرب منه أغلب السكان، فانتقلت الكوليرا بوتيرة سريعة وقاتلة، مودية بحياة أكثر من ثمانية آلاف شخص حتى الشهر الماضي، ومتسببة في مرض مئات الآلاف من السكان. وحسب الإحصاءات، تواصل الكوليرا إصابتها لحوالي 1500 شخص كل أسبوع، كما يشتكي العاملون في المجال الصحي من افتقاد المرضى للرعاية الصحية والمواد الأساسية التي من شأنها إنقاذ حياتهم، وذلك بسبب عجز الأمم المتحدة عن التدخل وعدم قيامها بدورها. والأكثر من ذلك، تواصل الأمم المتحدة تنصلها من مسؤوليتها رغم إشارة تقرير صادر عنها للتطابق بين نوع الكوليرا التي اندلعت في هايتي والأخرى التي ظهرت في نيبال قبل فترة، لذا قرر المتضررون تنظيم أنفسهم والمطالبة بحقوقهم، حيث قام معهد العدالة والديمقراطية في هايتي، والذي يتخذ من مدينة بوسطن الأميركية مقراً له في نوفمبر عام 2011 بتمثيل خمسة آلاف من المتضررين ورفع مطالب للمنظمة بجبر الضرر وتعويض الضحايا. وبعد تجاهلها لمطالب المنظمات الحقوقية لأكثر من عام وعدم ردها على الالتماسات التي رفعها المتضررون، أعلنت الأمم المتحدة أواخر شهر فبراير أنها «لا تستطيع النظر في تلك الطلبات» لأنه بموجب اتفاقية عام 1946 الخاصة بالأمم المتحدة، فهي تتمتع بالحصانة القانونية. وأضاف متحدث باسم المنظمة أن اندلاع وباء الكوليرا في هايتي ناجم عن «عدد من الظروف»، وكان «تذكيراً مؤلماً بمدى هشاشة هايتي بعد الكارثة التي ألمت بها»، في إحالة إلى الزلزال الذي ضرب البلاد في يناير عام 2010. وبعبارة أخرى، وبدلا من السعي لتعويض السكان، تحمّلهم الأمم المتحدة مسؤولية خطئها. والحقيقة أن فشل الأمم المتحدة في الاعتراف بمطالب الهايتيين والتعامل الإيجابي مع مظالهم، يدينها أخلاقياً وقانونياً؛ فالقانون الدولي يبيح للأطراف وضع آلية لرفع شكاوى ضد قواتها لحفظ السلام والتظلم في حال وقوع أضرار، كما أن نفس المعاهدة التي تسوقها الأمم المتحدة لتبرير حصانتها تنص نفسها على «إيجاد سبل مناسبة لتسوية المظالم الناشئة عن مهامها»، وبعبارة أوضح إذا تسببت الأمم المتحدة في ضرر ما لأي مجموعة سكانية فعليها ضمان وصول هؤلاء للعدالة ونيل حقوقهم. والملفت أن الأمم المتحدة تعهدت في عام 2004 عندما وقعت مع حكومة هايتي اتفاقية تنظيم نشر قوات حفظ السلام، بتشكيل لجنة لتلقي تظلمات الهايتيين ضد بعثة الأمم المتحدة وقواتها في حال حدوث ما يستدعي ذلك، دون أن يتم ذلك على أرض الواقع، وهي الآلية نفسها التي سعى ضحايا الكوليرا للجوء إليها في عام 2011 دون جدوى. والحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي تتجاهل فيها الأمم المتحدة إنشاء لجان مشابهة، فرغم توقيع اتفاقيات لنشر قواتها في أكثر من خمسين بلداً منذ عام 1990، فإنها لم تنشئ ولو لمرة واحدة لجنةً تنظر في تظلمات الأهالي وشكاواهم من القوات الأممية، علماً بأن إقامة آلية للتظلم تعد بنداً أساسياً في معاهدة عام 1946 التي تقضي بمساءلة الأمم المتحدة لنفسها ومحاسبة مهامها في البلدان المتعددة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©