الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرية: تصحيح يوازن الديمقراطية

الحرية: تصحيح يوازن الديمقراطية
5 يوليو 2008 23:01
هل الحرية نعمة أم نقمة؟ هذا السؤال يصب في الصميم بالنسبة لعدد من أعنف صراعات القرن الماضي، ويبدو أنه وراء كثير من الانتقادات الحالية أيضاً، غير أنه مثلما ورد في ''إعلان الاستقلال الأميركي''، فإن الحرية جديرة بإعجاب وتقدير العالم قاطبة· أعلن الموقِّعون، وبشكل واضح، ما يلي: ''إننا نؤمن بأن أي إنسان في العالم لديه حق العيش وحرية السعي وراء السعادة· لكن لما كان العالم غابة، فإن أشخاصاً قلائل فقط يستطيعون أن يتمتعوا بهذه الحريات· وعليه، فإن الهدف الرئيسي للحكومة المنتخَبة من قبل الشعب هو حماية هذه الحقوق الأساسية''· بيد أن أولئك الذين يخالفون هذا الرأي يجادلون بأن هذه الحرية المحمية من قبل الحكومة، إنما ترخص لنزعة الجشع التي تعد سبباً في كثير من بؤس العالم· فلإرضاء هذه الرغبة، يرى القائلون بهذا الرأي، أن الأميركيين، أو من ينوب عنهم، يقومون بالقتل والسرقة وتدمير الثقافات، وبعد ذلك يبررون تصرفهم هذا بـ''الحرية''· وما يثير قلق وحفيظة الأشخاص الذين يجادلون بأخطار الحرية الفردية، ليس فقط ما تأخذه الولايات بشكل غير عادل من مجتمعات أخرى، وإنما أيضاً ما تفرضه على الآخرين: طرقها وأساليبها· فالساعون إلى تحقيق الأرباح يتاجرون بدمى ''باربي''، وأجهزة ''آي بود''، والهواتف الخلوية، وأجهزة ''دي في دي''، والحواسيب الشخصية··· وغيرها من الماديات التي لا تعد ولا تحصى من أجل خلق سوق لسلعهم وسحق مجتمعات أخرى بالتوازي مع ذلك· وتطال هذه التهمة جميع الأميركيين الذين يعملون لحساب ''الشركات النفطية الكبرى'' أو ''شركات الذرة الكبرى'' أو أي شيء ''كبير''، أو يملكون أسهماً في تلك الشركات أو يشترون منها أو يبيعون لها··· لأن مثل هؤلاء الأفراد، وفقاً لمطلقي الاتهام، يستفيدون من ''ممارسات النهب التي تقوم بها الرأسمالية الأميركية'' أو يساهمون فيها، وبالتالي يجب أن يتحمّلوا المسؤولية أيضاً· هذا ما يلمح إليه أسامة بن لادن، وهذا ما يقوله بعض المتشددين في أميركا أيضاً· وفي هذا السياق كتب الأستاذ السابق ''ورد تشرشل'' عن الذين قُتلوا في مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر يقول: ''لقد كانوا مدنيين نوعاً ما، ولكن هل كانوا أبرياء؟ طبعاً لا''· رغم أن الجميع لا يتكلم على هذا النحو، إلا أنه حتى الأميركي الأكثر وطنية قد يشعر ببعض الضيق إزاء موقف الولايات المتحدة من الحرية في عالم اليوم· غير أنه أمام هذا النوع من الحجج، كان ثمة مدافعون عن الحرية الفردية على مر السنين: ففي عام ،1926 وبمناسبة الذكرى الـ150 لتوقيع ''إعلان الاستقلال''، تحدث الرئيس كالفن كوليدج عن فضائل ومزايا الحرية الفردية وعظمة ''الإعلان'' فقال: ''لدى الإنسان أينما كان رغبة قوية في أن يكون سيد مصيره''· وذكَّرنا الرئيس كوليدج بأن ''الإعلان يتميز بكونه ميثاقاً عظيماً للحكم، ليس لأنه حرر الأميركيين فحسب، ولكن لأنه ''يرمي إلى تكريم الإنسانية، فقد اقتُرح من أجل بناء أمة على مبادئ جديدة''· ومن جانبه، شرح الحاكم السابق ''أدلاي ستيفنسون''، خلال تنافسه على البيت الأبيض عام ،1954 أهمية الحرية الفردية بالنسبة للمؤسسة الديمقراطية فقال: ''إن دور الشكل الديمقراطي من الحكم هو تغذية ودعم الحرية''، ثم أضاف: ''إن حاجة الشكل الديمقراطي من الحكم إلى الحرية لا تقل عن حاجته إلى الظروف التي يستطيع فيها النجاح''· إن الديمقراطيات في المجتمعات التي لا توجد فيها ضمانات للحرية الفردية تفشل لأن هذه الديمقراطيات تميل إلى التحول إلى فصائل حيث تقوم الأغلبية بمعاقبة الأقلية بشكل قانوني· وهو رأي تتفق معه رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر التي اعتبرت أن الولايات المتحدة هي ''قوة الحرية الأكثر وثوقاً في العالم لأن قيم الحرية الثابتة والمتجذرة هي التي تفسر وجودها بالكامل''· بيد أن الحكم على الكيفية التي خدمتنا بها مبادئنا الأساسية وأثرت في العالم، إنما يتوقف على نطاق الإجراء نفسه· فإذا كان تقييم مجتمعات أخرى يتم عادة على أساس التقدم الذي أحرزته، فإن الولايات المتحدة يُحكم عليها في أحيان كثيرة على أساس المسافة التي عليها أن تقطعها لبلوغ الكمال· والحال أننا عملٌ قيد التطور، فقد عرفنا مداً وجزراً خلال أكثر من قرنين، ولم نجد بعد التوازن المثالي بين الديمقراطية والحرية· في هذه الأثناء، يسارع الآخرون إلى تذكيرنا بهذا العيب ويعزونه إلى حرياتنا· والواقع أننا نكتب ونتحدث حول عيوبنا ونواقصنا بشكل دائم، إلا أنه، ومثلما أشار كثير من الرجال والنساء العظام على مر السنين، فإن ما تمكنا من تحقيقه أكثر من رائع· إننا نستفيد من أراض شاسعة عبر تطبيق مبادئ التأسيس، وإن بشكل معيب أحياناً· وهذه المبادئ هي التي منحت المقاولين الواثقين في أنفسهم حرية خلق عدد لا يحصى من المنتجات والخدمات المحسِّنة للحياة والتي أفادت الملايين عبر العالم، وسمحت للولايات المتحدة أن تصبح أكثر مجتمع نجاحاً ورخاءً في العالم· فمثلما كان يقول الرئيس رونالد ريجان، فإن: ''أميركا بمثابة مدينة مشرقة تقع على تلة، يرشد ضوء منارتها الشعوب المحبة للسلام في كل مكان''· لكن، هل المجتمع الذي يتمتع أفراده بـ''نعم الحرية'' شرير وهدام بطبيعته؟ الجواب السريع لا، وبفضل الحرية التي ننعم بها، فإننا قادرون على إعادة تطوير وتحسين أنفسنا دائماً، رغم النواقص والعيوب· ولأن الحرية فضيلة، فإن الجواب واضح وبديهي! جاري واتس أستاذ متقاعد متخصص في التاريخ ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©