الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فوكنر يؤكد في مجموعته القصصية «نحو النجوم»: الحرب تضر الرابح والمهزوم وتقتلهما

فوكنر يؤكد في مجموعته القصصية «نحو النجوم»: الحرب تضر الرابح والمهزوم وتقتلهما
3 سبتمبر 2009 22:50
تتحدث مجموعة «نحو النجوم وقصص أخرى» للأديب الأميركي وليام فوكنر، الحائز جائزة نوبل عام 1949، وترجمها إلى العربية سامر أبو هواش، عن تداعيات الحروب للتأكيد على أنها دائما تقتل الرابح والمهزوم. تشكل المجموعة أيضا رسالة مباشرة لدحض الأفكار غير الصحيحة عن الحرب وأهميتها. ولم تفقد الرسالة معناها رغم مرور ما يقارب القرن على كتابة المجموعة، التي نشرت أول مرة في ثلاثينات القرن الماضي. والكتاب يحمل بين دفتيه العديد من القصص التي تحفل بمعان إنسانية عميقة، وبها عناصر سرد قل أن توجد سوى في مؤلفات أديب له شأنه مثل وليام فوكنر. البيت الأبيض أولى قصص الكتاب عنوانها «عجب عجاب» تعد أول قصة أميركية تتخذ من مواجهة سياسية تتطلب تفاوضا حبكة لها، وتدور أحداث القصة داخل البيت الأبيض من خلال حوار بين الرئيس الأميركي ووزرائه، وبعض المواطنين. من خلال الحوار نستشف أوضاع أميركا خلال الحرب ويسعى الكاتب لإبراز أن الحرب تضر كل من المنتصر والمهزوم على السواء، حيث نرى المواطنين يسعون للمطالبة بتعويضات نتيجة عمليات السلب والنهب التي يتعرضون لها. عجز الرئيس يتناول الكاتب عجز الرئيس عن إيجاد سبل يسيرة للتعامل مع المطالب العديدة والمتنوعة للخليط الكبير من الأعراق الموجودة في أميركا، وهو ما يظهر من خلال وجود قبيلة هندية تستعمر حديقة البيت الأبيض كوجه من أوجه الاحتجاج والتظاهر، لتلبية مطالبهم في الانتصاف لأحد زعمائهم في قضية تم توجيه الاتهام له بخصوصها، ويعمدون إلى استغلال نظرة الرجل الأبيض إليهم باستعلاء، واستغلالها في تحقيق مبتغاهم وهدفهم. أما في قصة «نحو النجوم» فهي أول قصة يكتبها فوكنر عن الحرب العالمية الأولى، ومن خلال الحوار الدائر فيها بين شخوصها: «كوين» الطيار الإيرلندي، و»الصبهدار» الضابط الهندي المسؤول عن فرق الهنود في الجيش البريطاني في الهند، الذي شارك مع فرقه في الحرب العالمية الأولى و»بلاند» الطيار وسيم الطلعة وآخرين، لعبوا أدوارا مختلفة في تلك المجموعة. دوافع وهمية نجد الكاتب يسعى إلى تسليط الضوء على مساوئ الحروب، التي يُرجع أسبابها في الأصل إلى التباري من أجل دوافع وهمية تتملك البعض وتجعله يندفع إلى الحروب غير مبال بالعواقب الوخيمة التي تنجم عنها، ويجري قولها على لسان أحد أبطال القصة معبرا عن حجم المآسي التي خلفتها الحرب العالمية الأولى، وما جلبه توحد الأمم من أجل الخراب والدمار فنجد الصهبدار يقول: «لا ينبغي أن توحد الأمم المختلفة قواها وتحارب تحت راية واحدة، فلتقاتل كل منها لهدف مختلف، فلا ينشأ نزاع بينها ويمضي كل منها في طريقه». وسام الملكة في قصة «انتصار» التي كتبها فوكنر عام 1931 واختلفت آراء النقاد حولها بشدة، حيث اعتبرها إدموند فولبي واحدة من أضعف قصص فوكنر القصيرة، بينما يضعها هانزسكي ضمن أفضل 12 قصة كتبها فوكنر. في القصة نفسها وبمتابعة أحداثها نرى المؤلف يشرح كيف يصير الموت هدفا ساميا لدى البعض ومن خلاله يحققون آمالاً معينة «قد تكون وهمية في أغلب الأحيان»، حيث يسعى الجد إلى غرس أهمية الحرب في نفس الحفيد، وأن الحصول على وسام الملكة من شأنه أن يرفع شأن العائلة، دونما أن يراعي الجد مصلحة الحفيد أو أهمية حياته وحتى آماله وأحلامه الخاصة. السقوط الجماعي بالنسبة لقصة «الصدع» التي تتناول هروب حفنة من الجنود ومعهم قائدهم من القصف المدفعي الكثيف متلمسين دروبا آمنة في وسط القذائف التي أحدثت رقعا مختلفة الأحجام في الأرض -بحسب وصف المؤلف- إلى أن ينتهي بهم المطاف إلى السقوط الجماعي جراء صدع أرضي في أحد الأنفاق ويستعرض الكاتب محاولتهم النجاة والخروج من ذلك النفق، وقصة الصدع هذه كانت في الأصل جزءا من «انتصار» لكن فوكنر قرر جعلها قصة مستقلة تماما، وهو ما جلب عليه رفض بعض النقاد لصنيعه هذا، برغم أن القصة كانت قوية إلى حد كبير، إلا أن ذلك أفقد «انتصار» قيمتها بحذفها منها. البر والبحر حول قصة «مبادلة» التي كتبت عام 1931 ونشرت في ذات العام وكانت أول قصة لفوكنر تحولت إلى فيلم سينمائي وشارك بنفسه في كتابة سيناريو الفيلم. وتدور أحداثها حول التحدي الذي يدفع بجنديين بريطاني وأميركي إلى مشاركة بعضهما تجاربهما في القتال في البر والبحر سويا، وهنا يشير الكاتب إلى أن أبطال المعارك يصبحون مدمنين لها، وفي ذلك الخطر كله، لأنهم سيصبحون بالضرورة دعاة حرب يرون أنها تجلب المجد الشخصي لهم، وتصبح نوع من المقامرة وخالية من القيم والمبادئ، وهي فقط لإثبات الذات أمام الآخر. حكاية رومانسية عدّ البعض آخر قصص مجموعة «نحو النجوم» حكاية رومانسية وتحية من وليام فوكنر إلى «صنف خاص من البشر أولئك الذين اخترقوا الزمن في لحظة من التاريخ واختفوا» بحسب تعبير الناقد إدموند فولبي. والشخصية المحورية في القصة هي الجندي «سارتوريس» البريطاني الجنسية وعلاقته بالفتاة الفرنسية «أنطوانيت» التي خانته مع قائده «سبومر». ويصف الكاتب هذه العلاقة المركبة باستخدام أدواته لافتا إلى بيئة الحرب التي لا تخلف ورائها إلا ما هو كل سيء. ويلات الحرب عبر قراءة متأنية لتلك المجموعة القصصية نصل إلى نتيجة مؤداها، أنه مع اختلاف دوافع الانجرار وراء الحرب بين الأمس واليوم، إلا أن نتائجها وخيمة في كافة الحالات، بالنسبة لحاضر البلدان ومستقبلها، مصائر الجنود، الموت، الأسر، التعذيب، التنكيل، الإعاقات الدائمة و الموقتة، وكذلك الذاكرة التي تحفظ ويلات الحرب ومآسيها. المؤلف ولد وليام فوكنر عام 1897 في نيو آلباني بولاية ميسيسيبي. كتب عن بيئته الخاصة- الجنوب الأميركي، ليبتدع لاحقا ما بات يعرف باسم مقاطعة «يو كناباتوفا» التي ستكون الموطن المتخيل لكل كتاباته اللاحقة عن الجنوب، ولاسيما روايات مثل الصخب والعنف (1929)، وإحرام (1931)، ونور في أغسطس (1932) وهي التي أرست شهرته ككاتب عالمي، مع حصوله عام 1949 على جائزة نوبل. ترافقت كتابة فوكنر للقصة القصيرة مع كتابته للرواية وأحيانا تداخلت معها، إذ كان يستحضر شخصيات من قصصه لاستخدامها في الروايات، أو العكس، في العام 1951 أصدر الأعمال القصصية المجموعة التي أعاد فيها ترتيب وتحرير القصص التي نشرها على امتداد أكثر من عقدين من الزمن. المترجم سامر أبو هواش كاتب ومترجم فلسطيني، ولد في لبنان عام 1972، يحمل درجة ليسانس في الإعلام من الجامعة اللبنانية، يعمل محرراً أدبياً في «هيئة أبوظبي للثقافة والتراث». له عدة أعمال شعرية منها: تحية الرجل المحترم، وشجرتان على السطح وله روايتان: السعادة وعيد العشاق. من ترجماته: على الطريق لجاك كرواك، حياة باي ليان مارتل، يوذا الضواحي لحنيف قريشي. أصدر حتى الآن 15 مجموعة ضمن ترجماته للشعر الأميركي المعاصر التي بدأها عام 2002
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©