الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القلم الذي يؤلم ويشفي..

القلم الذي يؤلم ويشفي..
22 مارس 2012
لا أحد لا يستطيع إنكار أن “أيام الشارقة المسرحية” هي الواجهة الحقيقية للمسرح والمسرحيين في الإمارات، وحتى على مستوى المنطقة وعربيا ودوليا، ولا أحد يستطيع أن يتناسى الدور الكبير الذي لعبته هذه الأيام الجميلة العظيمة منذ انطلاقتها في تأسيس قاعدة من الكتاب والمخرجين والممثلين والعاملين في حقل لواحق العرض المسرحي، حتى باتت هذه الأيام بمثابة المنبر والمرتكز والنافذة التي يطل منها المسرحيون على العالم والمسرح العالمي. نقول هذا الكلام بمناسبة انطلاق الدورة الثانية والعشرين من الأيام التي تتواصل فعالياتها تزامنا مع اليوم العالمي للمسرح، حيث يحتفل المسرحيون والمؤسسات الثقافية في العالم بهذا اليوم الذي يخلّد ويحتفي بكل ما له صلة بالابداع المسرحي والانساني وحضارة وفكر البشر وهم يبحثون عن ذواتهم في ظل التهميش. أما السؤال الذي نحن بصدده في هذا السياق: اين الناقد المسرحي من هذه التظاهرة الضخمة محليا واقليميا وعربيا؟ وهل يلعب الناقد الموضوعي دوره الحقيقي في مواكبة تراكم التجربة لهذا الحدث الكبير الذي أصبح مع مهرجان المسرح العربي للهيئة العربية للمسرح في الشارقة ومهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما يشكل حالة من الابداع الثقافي المتميز؟ معركة النقد لا يمكن للمسرح أن ينعزل عن النقد الا اذا كان ما يقدمه لا يثير حاسة النقد، وكلما اشتعلت معركة النقد كلما كان ذلك دليلا على الحيوية والعافية والتطور، واذا عدنا قليلا الى المحاورات والمساجلات والمعارك النقدية التي شهدتها مصر في مجالي الادب والفنون نجد أن النقد بأشكاله لعب دورا خطيرا في اذكاء شرارة الابداع وظهور فئة مثقفة من النقاد من اساتذة الجامعات والوزراء وعدد من الادباء الذين قدموا لحركة الثقافة نقدا تطبيقيا محترفا بكل ما تعنيه هذه الكلمة، بحيث تميزت تلك المرحلة الذهبية بمناخ إبداعي لا نجد له مثالا تطبيقيا عربيا حتى الآن؟ والنقد الفني له دور كبير في توجيه النهضة المسرحية، ولا يقل هذا الدور الذي ينهض به أصحاب الفرق وأعضاؤها في تقديم العروض المسرحية، هذا اذا مارسه (النقد) ناقد مثقف موضوعي، صادق مخلص، يعبّر عن رضائه وسخطه بعبارات موضوعية واضحة من خلال أدوات نقدية تقوم على فهم المصطلح والتأثير العام لموضوع المسرحية على ثقافة الناس ودرجة تلقيهم للحكاية. ورجال المسرح ينتظرون كلمات النقد بشغف كبير، رغم أنهم يلتقون كل ليلة مع نقاد لا يكتبون ولا يحللون، وهم أفراد الجمهور الذي يشاهدهم في الصالة، ويعرفون حكمه عليهم كل ليلة عندما تنسدل الستارة على العرض. في السنوات الخمس الأخيرة من عمر أيام الشارقة المسرحية كنّا نتابع ما يكتبه بعض النقاد في الصحف وعلى صفحات بعض المجلات الفنية والثقافية، وكنا نتلقى من النقاد كلمات بعضها كالزهور، والبعض كالسهام، ولكننا كنا دائما نبحث عن الناحية الموضوعية في النقد ولا يهم بعد ذلك اختلاف وجهات النظر، فان هذا الاختلاف يثير قضايا عامة ومهمة، كلما عمقت المناقشة مفهوم حوار التجارب من خلال الندوات الفكرية أو الورش التدريبية التي تقام على هامش مثل هذه التظاهرات التي تهتم بالجانب الفكري الذي يبعث المزيد من النور على الطريق في الجانب النظري الذي يعمقه الجانب التطبيقي من خلال النقد الحقيقي. في السياق نقول: إن النقاد أحيانا لا يجدون من يفهمهم الفهم العميق فنجد بعض الفنانين والممثلين يفقدون أعصابهم ويلقون ألفاظا خشنة متشنجة دون أن يبحثوا عن عيوبهم في الاداء وتطبيقات العرض المسرحي. من جانب ثان علينا الاعتراف أن بعض النقاد أو كتاب النقد لا يحترمون القلم الذي يكتبون به، فتصدر منهم كلمات ومفردات غير موزونة وخاصة حينما يعمدون الى الاستظراف واللعب بالكلمات دون أن ينفذوا الى جوهر الموضوع في استخدام تقنيات النقد المعاصر، ومثل هؤلاء النقاد يجرفهم تيار التقليد والاتكاء على استخدام الكثير من المصطلحات النقدية الغربية التي لا تتواءم مع ايقاع مسرحنا أو قد يكون الاستخدام في غير محله أو موقعه ولهذا يأتينا النقد أحيانا هزيلا يدفع الى السخرية والرثاء. النقد مسؤولية، والناقد الذي يتعرض له يجب أن يشعر بأنه يقوم بدور (الموجّه) للعمل الفني الذي يتوجب عليه أن ينظر اليه بأكثر من عين، ولعل هذا ايضا ينسحب على أعضاء لجان التحكيم التي تشرف على تقييم الاعمال المسرحية المتنافسة ومن ثم اصدار الاحكام التي غالبا لا تجد القبول والاستحسان من الجميع. وفي تقديري أن هذه ظاهرة صحية تبدو واضحة في كل المهرجانات على اختلاف مجالاتها وانواعها. عندما يقدّر الناقد مسؤوليته ورسالته فإن ما يكتبه ينال الاحترام والتقدير والاهتمام من الجميع.. الفنان والجمهور، ويصبح فعلا من الموجهين للمسرح والرأي العام في وقت واحد. والثقافة هنا يجب أن تكون أساسا لكل ناقد مجتهد واع لرسالته، كما أنه يجب أن ينزع الى التأمل والتعمق في التفكير ومراجعة النفس قبل أن يجري قلمه بكتابة رأيه، ولهذا يقول جمع الخبراء: اذا أردت أن تعرف مهرجانا أو احتفالية فما عليك الا التعرف أولا على مستوى نقادها وحجم معرفتهم بالصنعة. لمحة تاريخية تاريخيا النقد في حياتنا حديث العهد، ففي القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لم يكن يهتم بهذا العلم سوى الأجانب على مستوى الدراسات والكتابة والمصطلح وإصدار الكتب ذات الصلة بمفهوم النقد التحليلي، ومن ثم تطور هذا الفهم واصبح لدينا نقاد كبار، فقدناهم مع انحسار العصر الذهبي للمسرح العربي، وإن كان هناك ما زال جيل من النقاد العرب ما زالوا يكتبون ويؤرخون وهذا أمر يبعث على التفاؤل حيث نجد بعضهم يظهر بقوة وثقة من خلال مهرجانات المسرح العربي ومن خلال ايام الشارقة المسرحية وإن كان هذا ليس بكاف لأن النقد لم يكن يوما موسميا أو مناسباتيا لانه علم وثقافة يجب أن تتوازى مع وجود الثقافة المسرحية في كل زمان ومكان. إن نجاح النقد المسرحي عربيا وبخاصة في مصر كونها من الدول التي واكبت النشاط المسرحي منذ مطلع القرن الماضي، وقد سجل هذا النجاح فهما مبكرا للفنون لدى الجمهور، ومن هؤلاء النقاد على سبيل الذكر لا الحصر محمد تيمور الذي كان يكتب في جريدة “المنبر”، وتحديدا ابتداء من عام 1918 وكان يكتب تحت باب (محاكمة مؤلفي الروايات التمثيلية)، كما كتب مقدمة المسرحي الكبير زكي طليمات وفيها يقول: إن آدابنا العربية تكاد تخلو من آثار النقد التي تمتاز به الآداب الغربية. بمقابل ذلك فان العديد من نقاد وكتاب تلك المرحلة وجهوا نقدا قاسيا لتيمور مفاده أن الاخير كان مجاملا وقليل الجرأة وأنه كان لا يود من خلال كتاباته أن ينشر اليأس بين العاملين في فن جديد هو المسرح، وعزا بعض الكتاب عدم جرأة تيمور ومجاملته الزائدة للفنانين كونه نشأ بين ساكني القصور وكان مترفا، ولهذا طالبوا بأن يكون الناقد علاوة على ثقافته واحدا ممن يعيشون وسط الحركة المسرحية وأهلها، بحيث تنتج المعايشة نقدا من قلب المناخ والمكان والحدث. في حين أن زكي طليمات كان من أهم المدافعين عن تيمور بقوله: “مهما تعثرنا بمواطن الضعف في هذه الكتابات نعترف بأن ما تضمنته من معلومات ومفردات وتفاصيل وآراء كان كافيا لاثبات ما وصل اليه فن التمثيل المسرحي في مجتمعنا، من حيث وضع الرواية وأدائها على المسرح وتناول الجمهور لها، كان نقد تيمور كافيا لتقريب الحدث والمضمون الى أذهان الناس من اصول الفن.. كافيا لقيام تطور في وضع الرواية العربية ولا شك أن الحركة التمثيلية الجديدة تدين بالكثير في جميع وجوهها الى ما كتبه تيمور في هذا الباب”. ونعتقد أن هذا الكلام القديم المتجدد مناسب تماما لمسرحنا المعاصر ومن يعملون فيه، حيث إن النقد الموضوعي ما زال في معركة مع النقد المزاجي ومع (الشللية) التي ما زالت تمتلك موطئ قدم في حركة الابداع العربي على العموم. وهكذا ورغم كل المعايير والمقاييس التي كان يتصف بها النقد القديم رغم محدودية أدواته قياسا بالنقد المعاصر، كان في يقظة يخشى من خلالها على رمزية وأهمية المسرح العربي من أن يتردى في هاوية لا ينهض منها، نقد كان في الواقع مستقلا، وغير منساق الى الفهم الأوروبي في أنساقه التي كانت مسيطرة الى حد كبير على مزاج المسرح العربي حتى عقود طويلة، وعلى الأقل لقد كان هذا النقد على بساطته عامل جذب لأقلام كبار الكتاب من صحفيين وأدباء ووزراء وأكاديميين ودارسين لفن النقد المسرحي، حينما كان المسرح هو الفن الوحيد الذي يرتبط به الجمهور كونه نافذة جماهيرية مهمة لمواجهة الاستعمار وقوى الفساد، حينما كان يكتب كل من الدكتور طه حسين والدكتور حسين فوزي ومحمد مندور والدكتور لويس عوض وثروت عكاشة وفكري اباظة والدكتور رشاد رشدي والدكتور عبد القادر القط وفؤاد دوارة وأنيس منصور وغيرهم كثيرون يمتد تأثيرهم حتى وقتنا هذا. ونحن نتحدث عن النقد والنقاد لا يمكن لنا أن نغفل اليوم دور العولمة في تسييس الثقافة، ومعها بدون ريب الأزمة الاقتصادية العالمية التي هزّت بقوة جدران المسارح وأدت الى إغلاق الكثير من المسارح والفرق المسرحية على مستوى الوطن العربي، ولهذا أيضا تأثير كبير على المنجز المسرحي في منطقة الخليج باسرها، ومن هنا نقول: لقد بدأت السياسة والمهن الاخرى وثورة المعلومات تغري نقاد الفن بالابتعاد ولو قليلا عن ساحته الى ساحات أكثر سهولة وبريقا مثل الدراما التلفزيونية والسينما، وذلك بعد أن ذبلت نضارة المسرح وهجمت عليه بقوة سينما الفيديو والانترنت، ما يدفعنا الى الحديث مجددا عن دور جديد للكاتب الناقد، وللكاتب المسرحي، ولكل العاملين في هذا الحقل الصعب من أجل مساعدة الجيل الجديد من النقاد لمواكبة فن ورسالة المسرح لتحقيق فن مسرحي مستقبلي يهدف الى تقديم مسرح عربي شمولي ومسرح محلي قادر على مخاطبة عقلية الجمهور التي اجتازت بفعل تطور الحالية السياسية الى عمق أكثر عصرية. أقلام ركيكة لا يمكن لنا أن نغفل الحديث عن طابور الاقلام الركيكة وهي دائما أفواه وابواق لبعض الفرق أو بعض الفنانين، وهؤلاء لا يستحقون منا وقفة طويلة لانهم غالبا ما يندثرون مع اندفاع الثقافة المستقبلية الجديدة التي يصنعها عادة النقاد المثقفون المحترفون، كما تصنعها المهرجانات المسرحية الكبيرة ومنها أيام الشارقة المسرحية التي نجحت عبر دوراتها المتنوعة وان كانت قد انقطعت في فترات محددة الا أنها كانت تعود بقوة وما زالت تسجل لنفسها الريادة والنجاح مع كل دورة جديدة من خلال كتاب ومسرحيات ومخرجين ونقاد يملكون خبرة ومهارات ورؤى تتناسب وثقافة الجيل الجديد من الجمهور وتتوافق الى حد كبير مع دور المؤسسات الثقافية ونضوج الشارع العربي الذي يحمل في جنباته وأرصفته لونا جديدا من المسرح المتمرد، بعد أن دخلت الى حياتنا تيارات فكرية وثقافية جديدة وبدأنا في عملية تحرر حقيقية من الجمود والقيود التي فرضها علينا النموذج الغربي في الشكل والمصطلح وهو ما يتطلب منا تعبيرا جديدا نجد بعضا منه في برنامج عروض ايام الشارقة المسرحية في الدورة الجديدة كما وجدناه الى حد ما في برنامج عروض الدورة الرابعة لمهرجان المسرح العربي التي انعقدت في العاصمة الاردنية عمان مؤخرا. أخير نقول: لا خوف على مسرحنا العربي والمحلي في آن، ولا عذر لأعداء اللسان العربي، فكل ما نحتاجه اليوم لا يزيد كثيرا عن كاتب مسرحي مثقف وواع لرسالته الوطنية والقومية، ومعه مخرج مسرحي عميق الفهم لدور الكلمة والحركة في التعبير عن احلام الناس، ومعهما نقد وناقد مسرحي موضوعي مثقف لدية المنهج والمفردة والادوات، واللغة، وبساطة وصدق التعبير والاحساس حتى يعود المسرح الانساني الى جمهوره وعهده الذهبي الذي راح ومضى.. وليس ببعيد أن يعود حاملا معه راية الاصالة والحلم العربي. ولا شك أن اعتزازنا بايام الشارقة العربي هو اعتزاز صادق ومبني على قاعدة صلبة وقوية لان مسرحنا برواده وجيله الجديد من المؤلفين استطاع أن يجذب اليه أسماء لامعة.. أسماء وطنية معنى ومبنى وفهما وعمقا لرسالة المسرح وهم كثيرون من كتاب ومخرجين وممثلين ومؤسسات كثيرة من جمعيات وفرق وأندية متخصصة ومهتمة في بناء وتطوير حركة المسرح المحلي في الامارات وعلى مستوى منطقة الخليج والوطن العربي. في ايام الشارقة المسرحية وفي مهرجان المسرح العربي الذي تديره وتشرف عليه الهيئة العربية للمسرح في الشارقة تعرض للجمهور كل أنواع المسرح وفي مشهدية عالية، فنون ومسرحيات وأعمال نحبها ومن أجل هذا الحب نكره التعصب والمسرح المسيس، لأن التعصب يحطّم الذات والابداع الانساني، لكننا نقبل النقد الموجّه المحترف المشروع لانه يضيف لنا ولمسرحنا الجديد ويضيف لثقافتنا وفكرنا ما يتواصل مع المستقبل بعيدا عن أخطاء الماضي. نقبل بالنقد الجاد لأنه يبني، والذين لا يقبلون النقد لن ينبني لهم تاريخ سياسي أو ثقافي أوفنّي لأن المتعصب دائما أعمى عن كل نقد مشروع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©