الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جديدات في دائرة التأمل والمساءلة

جديدات في دائرة التأمل والمساءلة
22 مارس 2012
ضمن سلسلة “إبداعات شابّة” التي تصدر عن وزارة الثقافة وتنمية المجتمع في الإمارات العربية المتحدة، هناك كتاب لافت للانتباه ليس على مستوى مضمونه فحسب، وإنما على مستوى الهدف الذي يسعى من خلاله ناشرو هذا الكتاب بالتعاون مع رابطة أديبات وكاتبات الامارات ـ المجلس الأعلى للأسرة في الشارقة من ترسيخ مشروع ثقافي وطني لبناء جيل جديد من كاتبات القصة القصيرة ومن ثم الروائيات، وصولا الى آفاق تطور القصة المحلية في اطار دراسة التجارب الكتابية من خلال البعد النقدي. ويبدو أن الكتاب الذي قامت على جمعه الناقدة التونسية ريم العيساوي وضمنته 11 قصة قصيرة، يشكّل محاولة لوضع الكاتبات الناشئات في دائرة الفحص والتأمل والمساءلة، وهذا أمر يستحق الوقوف عنده كونه يتعلق بمسألة الابداع أو ومسألة تطوير الذائقة ثانيا. استهل الكتاب بتصدير للكاتبة شيخة مبارك النّاخي، نقطتف منه: “وهذه الكتابات فيها من الالتزام والسّعي للقيام بالدور الايجابي بالمساهمة في تجربة الكتابة والخوض في مغامرتها المدهشة وممارستها في خطاها الأولى متلمسة السبيل المضيء نحو إبداع أفضل، كما هي تجسّد قضايا المجتمع ونسيج الوطن وتحاول أن تستوعب الرسالة الصحيحة في الوعي بهويتها الوطنية وانتمائها العربي والاسلامي. ويستجيب هذا التوجه للأهداف التي تتبناها رابطة أديبات وكاتبات الامارات في مسيرتها، وهي تأصيل الناشئة في بيئتها المحلية استشرافا للقضايا الوطنية والاسلامية والانسانية، هذه الخطة دأبنا عليها ايمانا منا برسالة الثقافة ودورها الفعال في النهوض بالمجتمع وتوظيف طاقاته الابداعية توظيفا ايجابيا مشعا، نابعا من ارادتنا وعزمنا على دعم الوطن والأخذ بأيدي المبدعات الواعدات لاكمال مسيرة العطاء الأدبي، فالأدب للانسان وطن، والوطن هو نبض الروح وجوهر البقاء”. مونولوج أول قصص مجموعة الناشئات قصة بعنوان “الجرح الغائر” للقاصة الاماراتية منى عبد العزيز النعيمي، وهي عبارة عن مونولوج سردي طويل يشرح معاناة الفتاة الصغيرة حنان ذات الاثني عشر ربيعا، معاناة مع زوجة الأب والمجتمع الذكوري. إنها سلسلة من هواجس فتاة تنشد حياة كريمة فلا تتحقق لها الا من خلال معلمتها في المدرسة، والتي تساعدها في اعادة الثقة اليها، كما تعيد ثقتها بوالدها وأسرتها، في سعي حثيث من الكاتبة لاعلاء شأن (العائلة) في ذهن الاجيال الجديدة: “وما ان عادت الى المنزل حتى وجدت شخصا آخر ليس هو من تركته بالأمس.. لقد عاد ذلك الوالد الحاني.. تلك الشخصية الأبية التي تفخر بها، ووقفت الى جانبه زوجته التي بدا عليها مزيج من الغضب والراحة.. الكره والحب.. لم تستطع أن تفسر تلك الملامح الا بعد أن عرفت أن والدها قد هددها بالطلاق إن حدث لابنته أي مكروه”. والمتتبع لقصة “الجرح الغائر” يجد أن القاصة نجحت في استخدام مستويات من التعبير مثل السرد الذاتي في شكل مناجاة بالاضافة الى الحوار الثنائي الذي بدا في الحديث بين بطلة القصة حنان ومدرستها، كما نجد فكرة التحول في الشخصيات واردة تماما من خلال معالجة فكرة (انقلاب الشخصيات) تتمتع القاصة بمقدرة على استخدام مفردات مزدوجة المعنى، كذلك موهبتها في سبر أغوار الشخصية على نار هادئة من التعبير المتدرج في شكل (كريشندو) كما نلمح ذلك في المسرح. خيال أما بقية قصص الكتاب فهي على النحو التالي: الكراسة للقاصة خديجة محمد سيف، ولماذ؟ لهبة أحمد الظنحاني، والانترنت سلاح ذو حدين لايمان صالح العبيدلي، والسجن لايمان محمود الزرعوني، والزهرة لعلياء محسن حسن، وأنا الجاني لشيخة سعيد مصبح، والرائد لشمسة علي الدرعي، وحكايات شرفة لحمدة مصبح الرميثي، والوهم لنجلاء سلطان سيف، ولحظات قاتلة لميثاء راشد الطنيجي. ومن اللافت أن جميع هذه القصص حائزة على جوائز ومراكز متقدمة في مسابقة القصة القصيرة لرابطة أديبات وكاتبات الامارات، وبعض هذه القصص يتصل بشكل أو بآخر مع الرواية من حيث الحجم واسلوب التعبير وأساليب السرد وبناء الصور الفنية مثل قصة “الرائد” لشمسة علي الدرعي، وهي فائزة بالمركز الثاني في المسابقة لعام 2006، وتروي القصة حكاية طالب المدرسة “فهد” مع الدراسة والزملاء والمجتمع والنجاح والفشل، في اطار السرد الوصفي الجميل، وتلك التأملات الجميلة والمزعجة في حياة فهد التي كانت تأتينا من خلال التأملات التي تستفيد كثيرا من الواقع المعاش، ومن الجانب الخيالي القائم أحيانا على التداعي وأحلام اليقظة، وكيف انتقل هذا الفتى الصغير من حياة البؤس واليأس من عائلته ومدرسته الى عالم ممتلئ بالفرح والبهجة وحب الوطن والشغف بحصة التربية الوطنية بعد أن كانت عبئا ثقيلا بالنسبة له مثلما كانت اجواء المدرسة والتلاميذ كذلك، وهنا ايضا انقلاب وتحول في الشخصية تماما كما لاحظنا ذلك في القصة السابقة “الجرح الغائر”. ومن المهم الاشارة هنا الى أن فكرة تحول الشخصيات هي فكرة عالمية ومهمة في دراسة الحالة الانسانية ، وقد لعبت معظم قصص الكتاب في هذه الدائرة في وحدة موضوع تكشف عن تأثير العصر ومشكلاته في بناء هذه القصص التي تسعى جميعها الى تعزيز فكرة الوطن والمواطنة في حياة الناشئة. تفاصيل حمدة مصبح الرميثي قاصة مختلفة الى حد كبير على مستوى التعبير وبناء الصورة الفنية والاهتمام بتفاصيل الحالة النفسية للشخصية، وفي قصتها الفائزة بالمركز الأول في الدورة الثامنة من المسابقة عام 2008، تتحدث عن مشاعر جندي في ساحة القتال، وكيف ينقل بالسرد مشاعره الاصيلة نحو حماية وطنه، في حين تنقل الكاتبة هذه المشاعر الى ابناء الجندي وهما يستمعون الى أبيهم وهو يسرد حكايته مع الضابط مسعود، وكيف انه كان ينفذ الأوامر من أجل بلده واهله ومجتمعه. وفي القصة كما يبدو جانب تعبيري مهم بموضوع الوطن وأهمية المكان وتأثيره على حالة السرد: “أيام لن أنساها، آه يا ولديّ ليتكما كنتما معي، في ساحة القتال لتشهدا على بطولة والديكما، لنكمل ما توقفنا عنده البارحة، نعم توقفنا عند قائد الكتيبة.. استمعا اليّ، كنّا في صباح ذلك اليوم البارد، آه أتذكر برودته حتى الآن، كأنها تقرص وجنتيّ عند صباحه الباكر، إستيقظنا على صوت أجش، صوت الضابط الأول مسعود، الذي جمعنا في ساحة المعسكر، كان عاقد الحاجبين، لعلها السمة الوحيدة التي لا تفارقه لا في السلم ولا في الحرب، صاح بنا: جنود المعكسر، تجمّع، قالها وهزّت بنا الارض من تحت اقدامنا، وانطلقنا مسرعين نحو الساحة، اصطف العسكر وبدأ الضابط مسعود اعطاء الأوامر”. تأمل روح تأملية جديدة تتصف بها غالبية قصص الكتاب، على أن نزعة الشمول واردة ايضا من خلال خصوصية واضحة، وهذه سمة مهمة في اسلوب معظم القاصات، وبعضهن كان يحلّق في فضاءات خفية كمن اراد ان يحيل المكان الى شيء حي يحدثه في اطار صورة لا تخلو من الجانب الفلسفي، على النحو الذي وجدناه في قصة “الزهرة” للقاصة عليا محسن حسن، والحائزة على المركز الاول في الدورة الخامسة من المسابقة، وتتحدث القصة عن مشاعر التلميذة منى، وقد انضمت للتو الى مدرستها الجديدة، وفي أول مقابلة لها مع المعلمة (موزة) تكتشف أنها أمام عالم جديد، يبدأ في التكشف رويدا رويدا من خلال لقاءاتها مع العديد من المتناقضات من خلال تلميذات المدرسة، الى أن ينتهي بها الأمر الى اتخاذ قرار بدراسة الطب حتى تستطيع شفاء من تحبهم قبل ان يهزمهم المرض. القصة على بساطتها تحمل العديد من الدلالات والأهداف وعلى رأسها تعزيز ثقافة الحب الانساني بين الناشئة من خلال هوية المكان، وكانت المدرسة وقاعة الصف هما المختبر الذي نضجت فيه مشاعر تلميذة صغيرة تواجه فكرة الموت وقتامة فكرة الرحيل في الحياة، لقد كانت القاصة تتوسل بمفردات بسيطة ولكنها تحمل رمزية كبيرة في المعنى والمبنى والصورة. في الواقع لن نستطيع الحديث عن كامل قصص الكتاب في مقالة كهذه، ومن أسباب ذلك أيضا أن معظم المواضيع متقاربة وتعكس دراسة للروح الشبابية في مواجهة مشكلات العصر، مع تاثر معظم القاصات بالمد الرومانسي شكلا وفحوى، والنزوع في الكثير من القصص الى فكرة (التأمل) واستخدام موشيات الواقع للتعبير عن الغزى العام من القصص، علاوة على ان الشكل العام للقصص يوحي بأن هناك مشروع قاصات اماراتيات من جيل جديد على طريق الابداع المحترف، فهناك مقدرة على استخدام الحوار والمونولوج والمفردة المزوجة، وربما لا تخلو بعض القصص من المحاكاة لبعض كبار كتاب القصة والرواية، وهذا أمر لا يعيب كثيرا اذا كان هناك منهج خاص وهوية لكل كاتبة. لكن المجمل العام يشير الى أن مشروع وزارة الثقافة وتنمية المجتمع هو مشروع ثقافي مثمر باتجاة تأكيد ملامح من الحداثة تبدو في اسلوبية بعض القاصات ومنهم على سبيل المثال: ايمان محمود الزرعوني في قصتها “السجن”، وخديجة محمد سيف في قصتها التعبيرية “الكراسة”، لقد كنا في الحقيقية وبعد قراءة متأنية لقصص الكتاب أمام نسيج حيّ متين من الواقع والخيالات والاطياف والتعابير الصادقة والتي تشكل في مجموعها كيانا ناميا نابضا بالحياة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©