الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأبواب تقرأ شعراً

الأبواب تقرأ شعراً
22 مارس 2012
للأبواب لغات وللأبواب حكايات، الباب وجه يتكلم، يحكي قصة ساكنيه، ثقافتهم، أفكارهم، سمات وجوههم. الباب صدر مفتوح للريح الطيبة، وهو كف تقول: لا للريح المسمومة. منذ زمن بعيد تفنن الإنسان في كيفية تصوره لباب بيته، إنه مبتدأ الخصوصية، إنه حرمة الذات التي تريد أن تعيش أسرارها، رؤاها. للأبواب تمائم توضع فوقها، حارستها من عيون لا تصلي على النبي، بها أقفال من داخلها ومن خارجها، أقفال من داخلها توصدها عن شرٍّ آت، ولها أقفال من خارجها تقول إن الساكنين قد غادروا. للباب عتبة، وللعتبة صلاة، وللعتبة حسنة، وسيئة، ويسأل الناس عن عتبة الدور قبل كل شيء، وكأنهم يسألون عن بوابتها. أبواب تقول أهلاً، وأخرى مغلقة طوال السنين، وثالثة تبتسم ورابعة تعبق برائحة طيب أهلها. للأبواب حكايات تسبقها بالسلام عليكم. للأبواب عدسات الريبة والخوف، عدسات التوجس من طارق متطفل ربما هي العزلة التي وضعت تلك العدسات. لا تنتهي صفات الأبواب عند حدود، فهي ليست خشبة أو حديداً، إنها عنوان القلوب. فمن يدق الباب كأنما يترفق بالقلب النابض الذي يريد أن يشعر ساكنيه باستقبال الآتي. قرأت كتاباً مخطوطاً ومصورا، قل نظيره، للمصور اللبناني يوسف القيس عن “الأبواب في الإمارات بعنوان” أبواب الجنة”، الذي لم يتحدث فيه القيس، بل ترك الأبواب تحكي، ترك الشعر يحكي عن كل الأبواب.. فكرة لم يلتفت لها أحد من قبل، قدم فيها القيس شعرية الأبواب، جمالياتها وهي مشرعة للآتين، قدم وجهها وهي تبتسم، فهي “خزائن أعمار وبصمات وحكايات، هي النظرة الأولى، لا يلتقطها أو يشعر بها إلا حسّاس ومحب يخفق قلبه من النظرة الأولى” كما يقول حسان الزين في مقدمته للمخطوطة. وقبل أن نقول “افتح يا يوسف القيس” حكايتك مع الأبواب، وقبل أن نتصفح ما قيل من شعر في الأبواب، لا بد أن نعيش انحناءة النقش ورقة الصانع الذي نحت باباً، من خلال قراءة الشكل الهندسي والزخرفي للأبواب في الإمارات التي حفل بها الكتاب والتي تنطوي على: 1 - دراسة الجانب الوظيفي. 2 - دراسة الجانب الجمالي إلا أن ما يهمنا هنا ما تكتنز تلك الأبواب من جماليات زخرفية في تقليديتها الآسرة ومحليتها الصرفة. ثقافة مجتمع أتساءل: هل يجسد الباب روح ساكن الدار؟ هل يسجل فرحه، حزنه، رؤاه؟ إنه بالتأكيد اختيار صعب بين أبواب ضيقة، وأخرى عريضة، أبواب تطول حتى السقوف، وأخرى متواضعة حتى قمة الرأس، أبواب محملة بالنقوش، وأخرى صافية كالماء، أبواب تضحك، وأخرى عبوس، أبواب نظيفة وأخرى محملة بالأتربة، أبواب ثرثارة وأخرى صامتة، أبواب شرقية وأخرى غربية. 93 باباً احتوى كتاب يوسف القيس صورا لها: أبواب عربية، خالصة، عثر عليها في الإمارات، من أبوظبي إلى أم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة ودبي والشارقة وعجمان. أبواب تحكي ثقافة مجتمع تفنن في صنع واجهات بيوته، أبواب عبرت عن تحولات البنية الاجتماعية في هذه الإمارات السبع وثقافتها مع العصور. من باب في أبوظبي مرصع بالحديد وملصق به قفل “مزلاج” حديدي منقوش يحمل العاشق والمعشوق، بلسان طويل يمتد حتى يلامس حافة الباب ليغلقها بسكون، تبتدئ حكاية يوسف القيس الذي افتتح حكايته ببيت من شعر شكيب أرسلان حيث يقول: ولا وردت غير الشهامة مورداً ولا عرفت من أين باب المآتم وكأن يوسف القيس حينما يزاوج هذا البيت الشعري مع باب من أبواب أبوظبي القديمة يصفه بالشهامة صفة ومدخلاً. ويعرج القيس على باب بلون مذهب يتكون من ستة مربعات وسطها دوائر ست ومحاطة بست عقد تحت وفوق كل مربع، وكأن الباب قائم على العدد ستة وفي داخل الدائرة شكل مسدس فيه وريقات ست ووسطه قفل “مزلاج” طويل يتعشق في أنثاه التي وضعت بجمالية فائقة، باب نصفي نرى فتحته في منتصف الضلفتين “المصراعين”، وقد جاوره يوسف القيس ببيت من شعر ابن الرومي: يا مغلقاً كل باب منه عن فرجي تركت للسقم في أحشاي مفتاحاً ومن الجهة الأخرى ترانا ننظر إلى باب رباعي الرؤية، مرصع بعقد زردية رباعية على مراحل ثلاث، من كل جهة أي بمجموع 12 زردة في كل ضلفة، أربعة فوق أخرى، ولم ينس الصانع القفل “مزلاج” ومعشوقته، باب احتوى قبضة دائرية هي آلة قرع للكف كي يخبر الطارق ساكني الدار عن قدومه. في هذا الباب استخدم الصانع خشبة الإخفاء الطويلة التي تحجب الفتحة الوسطية التي يخلفها التقاء الضلفتين، فأجاد في نقشها من صور القباب وورق الأشجار أو سعف النخيل وثمة أربعة زرد متساوقة معها وكل ذلك يأتي مع بيت للشاعر اللواح الذي يقول: وبعدما دخلوا باب السلام بها طافوا سبوعاً وما جفوا بها عرقاً من جانب آخر نبصر باباً أنيقاً لم يزد فيه صانعه تخريماً ولا حفراً على خشبه، فقد لمسه لمساً خفيفاً، وجسه جساً رقيقاً، باب في طول فارع يحمل مستطيلات أربعة، على كل جهة مستطيلان أحدهما فوق الآخر، وفي المستطيلين العلويين نجمتان متقابلتان، وفوق المستطيل تخريم كالشمس، باب يحكي عن نفسه واصفاً إياها بنور مشع، وعند خشبة الإخفاء نجد زردين حديديين وفي الوسط قفل يخترق جسد خشبة الإخفاء حيث يقول الشاعر أبو الصوفي: وأقصد هنالك باب الجود ملتزماً وابسط يديك على أعتابه وقُم من الشارقة يلتقط يوسف القيس صورة لباب سداسي النقش المستطيل مرصع بالزرد، رباعي التوزيع في كل جهة 4 زرد لأربعة أسطر منها ويقابلها ذات العدد، بينما وضع خشب الإخفاء الوسطي بثلاث زرد علوية ووسطية وسفلية، وهناك بيت شعر لعبد المحسن الكاظمي يقول فيه: وادحض فيها كل باب من العلا وغيري لأبواب العلا غير داحضٍ أشكال إسلامية في أبوظبي كان الباب بابين، باب فيه ضلفتان كبيرتان وفي الضلفة اليمنى باب صغير ينحني الداخل عبرها، تلك الانحناءة إشارة دلالية موحية على التبجيل، ربما صحيح أنها تخص أصحاب الدار فقط لسرعة فتحها عوضاً عن فتح الضلفتين الكبيرتين لكنها تملك دلالتها الموحية. باب في أبوظبي، كل جهة فيه تتكون من 3 خشبات طولية ملتصقة ببعضها، وكل جهة تحمل 8 زرد ـ لاحظ لا وجود لعدد فردي في الزرد الحديدية التي تترصع بها الأبواب، فأما أن تكون 4 أو 6 أو 8 بمعدل زوجي. ومن رأس الخيمة يلتقط يوسف القيس صورة لباب استغل صانعه الماهر أشكالاً إسلامية في نقشه، قبة في الأعلى تحتوي على شمس ساطعة من الجهتين ثم يبدأ في التنويع حيث يستخدم دائرة ومربعاً في جهة ومربعاً ومتوازي المستطيلات في جهة أخرى، بينما يحافظ على القبة في الجانب الأيمن، أما الترصيع فقد رصع بـ 8 زرد على طوابق خمسة في كل ضلفة من ضلفتي الباب ورافقه قول الشاعر اللواح: وقد وقفت على باب السؤال وذي يدي مددت أرجي منك نيل يدي في باب بأبوظبي، حمل الجمال كله وقد وظفت فيه الأغراض دلالياً بشكل جميل، توجد في الأعلى فتحتان مستطيلتان من الحديد وكأنهما شباكان وما بينهما لوح كتب عليه 1377 هـ وتوقيع لمجهول، وفي ضلفتي الباب زرد موزعة بتناسق 4 أسطر عند كل سطر مجمعة 14 زرد وثمة باب مقوس صغير في الجهة اليمنى، عند هذا الباب الصغير وضع القفل “مزلاج” الذي ألصقت معشوقته بجسد الجهة الكبيرة اليمنى، باب احتوى كل الأغراض، تهوية من الأعلى وإقفال كلي ودخول وخروج من الباب الصغير حيث رافق ذلك قول عمر بن أبي ربيعة: فعجين من ذاكم وقلن لها افتحي لا شب قرنك مفتحاً من بابِ أجنحة الطائر وعند النظر في تشكيلة هذه الفتحات العلوية التي تقفل بالحديد عادة نجدها إما مستطيلة وما بينها خشبة يكتب عليها آية قرآنية أو اسم صاحب الدار أو تاريخ صنع الباب أو سنته، وإما مربعة وهي موجودة في الشارقة ـ بحسب يوسف القيس ـ وإما مقوسة على شكل جناحي طائر عندما يكون الباب من الأعلى مقوساً كالقبة وأيضاً يوجد بين الجناحين صفحة خشبية، أما الجسد السفلي فهو كما نراه في الأبواب الأخرى. بينما نجد أن هذه الصفحة الخشبية تختفي من بعض الأبواب ليتحول الجناحين إلى انحناءة كاملة من الجهتين، حيث تزاد نحافة على الجانبين في الوقت الذي نجد الحديد حاجزاً للفراغ. حيث يقول ابن الرومي: فافتح لعبدك باب العذر إن له قدماً بلطفك باباً غير مسدود ومن الصانعين ـ في باب بالشارقة ـ من يصنع تهوية الباب لا في جسد الباب، بل في الجدار العلوي الذي يحيط بالباب ضمن تشكيلة قوسية على شكل قباب إسلامية بما يطلق عليها بشبابيك الباب أو “الروزونة” وقد قال خليل مطران: لو أسأت الظن بالناس لما دخل اللص ولم يعجبه باب هذا التخريز أو العقد أو الترصيع الحديدي في الأبواب تعويض عن وجود المسامير في هذه الأبواب التاريخية الجميلة، إذ يتعشق الخشب بعضه ببعض، قطعة تحفر كالنهر وأخرى كالموس ليدخل الموس في الشق النهري وتغرى باستعمال مادة لاصقة هي الغري، والترصيع بالزرد يزيد الباب جمالاً وإحساساً بالقوة ومهابة كلما كثر عددها. هناك أبواب من طبقتين، الأولى ساندة من الداخل لا تخريم أو نقش فيها، بينما الثانية البارزة للخارج هي أم النقوش التي تلتصق بالأولى، وقد وضعت الخرز على الطبقة ذات النقوش وقد رصعت بالزرد الحديدية كأنها “الدروع” كما قال الفرزدق: إلى باب من لم نأت نطلب غيره بشرق من الأرض الفضاء ولا غرب هو باب في دبي يكفي أن يعرض للآتي، إذ أن جمالية منظره وهيبته ما يوحي بزمن صنعه ودقته ورقة صانعه. الفوانيس المعلقة أبواب مشرعة للريح، للمطر، لأكف الطارقين، وثمة أبواب بمظلات خشبية، تمنح الفيء لصاحبها، تعلق عندها الفوانيس التي تضاء ليلاً للآتي. أبواب ساجية الخشب، كاكية اللون، صفراء هدّها الزمن فأحالها إلى لون غالبه الاصفرار، وأخرى برونزية الملمح، ألوان صارعت الزمن، رصاصية وزرقاء حائلة، كانت مطلب باب الرزق من البحر كما قال أبو العلاء المعري: فاطلب مفاتيح باب الرزق من ملك أعطاك مفتاح باب السؤدد الغلق عند أبواب البيوت توضع جرار الماء، سبيلاً للناس، كاسة من البرونز مدلاة بسلسلة حديدية محفور طرفها في الحائط، جرّة مغطاة بخشب يستسقي السابلة العطاش منها ماء. أبواب متقشرة أصباغها، حيث أقفلت بمفاتيح صارت سوداء، أبواب لا بد أن تفتح يوماٍ لتدخل منها رائحة البحر، كما قال اللواح: فقد غلقت أبواب خلفك سيدي وبابك مفتوح ولست بناءِ عند الأبواب في الإمارات.. دكة للزائر كي يستريح عندها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©