الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معايير الرواية

معايير الرواية
3 سبتمبر 2009 02:27
هل للرواية معايير محددة؟ أذكر أن أحد المنظرين لفن الرواية قال إن المعيار الوحيد المؤكد لفن الرواية هو أنها نوع لا معايير له وكان يعنى بذلك أن الرواية فن مرن إلى أبعد حد، وأنه قابل في تاريخه أن يتخذ من الأشكال ما لا نهاية له وينطبق الأمر على المضمون انطباقه على الشكل، فالرواية هي الدنيا التي تحاكيها أو توازيها روائيا بما في خيال الروائي الخلاق من قدرة على معالجة المضامين والأشكال، وبنظرة واحدة إلى أنواع الرواية واختلافاتها عبر تاريخها الذي لا يزال مستمرا، ويبدو أنه سوف يزداد اطرادا في المستقبل، نجد الرواية التي يكتبها الروائي العليم بكل شيء، ويحكيها في نوع من السرد الذي يجمع ويجاور بين وجهات النظر المختلفة للأبطال وقبلها كانت الرواية الملحمية التي تحكى كل شيء وكل تفصيل من جميع الزوايا غير مغفلة شيئا، وهناك الرواية التي تعتمد على ضمير متكلم، هو البطل المركزي الذي يحكى كل شيءمن وجهة نظره بالطبع، وحسب ما فهمه بالقطع، ومثل هذا النوع من الرواية يصلح جدا لتقديم الأحداث من منظور واحد، هو منظور الراوي الذي لا نرى شيئا في الرواية إلا من خلال عينيه ووجهة نظره والمسافة جد قريبة بين هذا النوع ورواية السيرة العامة، أو السيرة الذاتية، الأولى تحكى فترة من الزمن في حياة بطل من أبطال زماننا، أما الثانية فتحكى حياة الروائي الذي تتقارب ملامحه مع البطل الموجود، وقد ينبهنا بعض الروائيين بقرينة العنوان كما في «إبراهيم الكاتب» لإبراهيم عبد القادر المازني أو «إبراهيم الثاني» للمؤلف نفسه، وقس على ذلك أعمال العقاد وتوفيق الحكيم ويحيى حقى، سواء في «سارة» أو «عودة الروح» أو «عصفور من الشرق» أو «قنديل أم هاشم»، وينتشر هذا النوع في الموجات الرومانسية التي تلازم الكتاب الليبراليين في الفترات التى يدور فيها الإبداع الأدبي حول الذات الفردية للكاتب الذي يشعر باغترابه، غالبا، في بيئة غير قادرة على فهمه أو التعاطف مع رؤيته المتقدمة للعالم، وذلك ابتداء من «زينب» لهيكل، وليس انتهاء بتمزق الدكتور إسماعيل بين الإيمان الثابت بالخرافة الدينية حوله والعلم المتقدم الذي درسه في أوروبا، وأحيانا يأخذ القالب الروائي شكل الرسائل المتبادل، أو يغدو تجميعا للوحات سردية، تتوازى في الدلالة وإن اختلفت في الموضوع. ولذلك لا تجد روائيا كبيرا يكتب في شكل واحد ثابت، خصوصا إذا كان هذا الكاتب يميل إلى التجريب والمثال الواضح على ذلك جمال الغيطاني الذي بدأ باحثا عن الأصالة التي وجدها في العودة إلى التراث المملوكي، خصوصا في كتب المؤرخين وكتب المتصوفة، كما فعل في مجموعته الأولى «يوميات شاب عاش منذ ألف عام» أو «الزيني بركات» التي يوازى فيها فعل هزيمة 1967 سقوط مصر تحت سنابك الخيل العثمانية، ومن ثم تحولها إلى ولاية عثمانية، معتمدا على لغة قناعية تحاكى كتابات المؤرخين للعصر المملوكي، كابن تغرى بردى وغيره من مؤرخي العصر، ثم انتقل الغيطاني إلى «التجليات» التي تمزج بين السيرة الذاتية للفرد والسيرة الذاتية للجماعة، مستعينا بلغة التصوف الأقرب إلى دعم المنحى الرمزي، ومن التجليات إلى سرد الراوي العليم بكل شيء عن موضوعه «الرفاعي»، وانتقل من الرمزية التراثية إلى الرمزية الحداثية في رواية «المؤسسة» التي هي كناية رمزية عن الزمن الذي نعيش فيه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©