الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطريق إلى مدينة العين ستينيات القرن الماضي وفي الصورة يظهر جسر المقطع

الطريق إلى مدينة العين ستينيات القرن الماضي وفي الصورة يظهر جسر المقطع
3 سبتمبر 2009 02:21
الطريق إلى مدينة العين ستينيات القرن الماضي وفي الصورة يظهر جسر المقطع عندما أقود سيارتي من أبوظبي إلى مدينة العين أو إلى الإمارات الشمالية لا أستطيع أن أمنع نفسي من استعادة صورة الطرق في بداية السبعينات. ففي عام 1971 لم تكن حتى الطريق الرئيسية بين أبوظبي ودبي معبدة، بل كانت أول رحلة لي إلى دبي عبر الطريق الصحراوية القديمة من أكبر المغامرات التي قمت بها في مرحلة الشباب. كانت طريق العين، معبدة بشكل بدائي، وكانت الأعمال قد بدأت في توسيع تلك الطريق نظرا لإصرار المغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على تسهيل عملية الانتقال بين العين والمنطقة الشرقية ومدينة أبوظبي، حتى أننا كنا نسافر أسبوعياً إلى العين لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع الأصدقاء الذين كانوا يعملون ويقيمون في تلك المدينة الرائعة التي اهتم القائد بجعلها حديقة إمارة أبوظبي، ومزرعة لإنتاج أجود أنواع التمور والخضراوات. الطريق إلى العين عندما كنا نغادر جسر المقطع، في اتجاه مدينة العين، كنا نضع في حسابنا أننا سنسير في طريق شبه مقطوعة، فنادراً ما تقابلك السيارات أو تتجاوزك، ولم تكن على الطريق أية قرى أو حتى بيوت أو محطات بترول واستراحات، ما عدا استراحة أنشئت خلال عامي 1971 و 1972 على بعد خمسين كيلومتراً من المدينة، وفيها كانت محطة البترول الوحيدة، وأطلق عليها في ذلك الوقت استراحة خليفة، وتعرف الآن باستراحة رماح. كنا نجد في تلك الاستراحة واحة جذابة، فما أن نصل إليها حتى نوقف السيارة في (الباركينج) المتسع، ونبدأ التجول في أنحائها، ونتناول المشروبات الباردة، ونلاعب الأطفال في جو نقي. ورغم خلو طريق العين من المدن والقرى ومحطات الاستراحة في ذلك الوقت إلا أن مشروع نشر الغابات الخضراء كان قد بدأ، وأعطاه الشيخ زايد «رحمه الله» كل الاهتمام والرعاية والدعم المادي. كانت تلك المساحات المزروعة بالأشجار القادرة على مقاومة الجفاف تشكل على طول طريق أبوظبي - العين واحات تغري المسافرين بالنظر إليها، لذلك لم نكن نشعر بالملل على الإطلاق رغم ثلاث ساعات من القيادة كانت ضرورية لتصل من أبوظبي إلى العين. ومع اقترابنا من العين، كنا نلاحظ تغير لون الرمال من صفراء إلى حمراء. اللون الأحمر كان جذاباً، ومغرياً جداً للنظر، وقد وجدنا كميات كثيرة من تلك الرمال تنتقل إلى أبوظبي لتلون الكثير من المواقع التي أقيمت فوقها المباني والحدائق الخضراء. وكان ظهور تلك الرمال يزيد شوقنا لمعانقة اللون الأخضر لمدينة العين. كانت المدينة في ذلك الوقت بمثابة متنزه أو حديقة كبيرة مليئة بأشجار النخيل والورود والزهور التي لا يخلو منها شارع من شوارعها القليلة. وكنا نشعر فيها بكثير من الارتياح لجوها الذي يتميز بالاعتدال والجفاف وعدم وجود أية نسبة للرطوبة فيه حتى في أيام الصيف التي ترتفع فيها درجة الحرارة. كنا في النهار نتجه إلى واحة البريمي، ونستمتع بتناول طعام الغداء الذي نحضره معنا مفترشين الأرض أمام المياه الجارية وبين أشجار النخيل، فلا نشعر بمضي الوقت ولا نغادر المكان إلا مضطرين. العودة إلى أبوظبي العودة إلى أبوظبي كانت بعد حلول الظلام، ورغم عدم وجود الأضواء على الطريق ما بين العين وأبوظبي إلا أننا لم نكن نشعر بأي قلق، فالطريق كانت آمنة، ودوريات رجال الأمن كانت تروح وتغدو على تلك الطريق ودون توقف وخاصة خلال الليل. لم نكن نشعر بأي قلق من جراء تعطل محرك السيارات وتوقفنا في الطريق سواء في الليل أو النهار. وكم كنا نتوقف لنقلَّ عاملاً في تلك المزارع أو الغابات المنتشرة على جانبي الطريق الطويلة من ذلك المكان إلى مدينة العين أو مدينة أبوظبي دون أي توجس أو خوف. كان الأمان غامراً بكل معنى الكلمة، حتى أننا يمكن أن ننام في العراء أو فوق كثبان الرمال بغير تحفظ، وجميع من عاش في إمارة أبوظبي في تلك الفترة كانت لديه ثقة بالأمن وبجهاز الأمن الذي كان يشرف عليه ويديره ذلك الرجل العظيم والإنسان الطيب، سمو الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان وزير الداخلية الأسبق، أطال الله في عمره وأعطاه الصحة والسعادة. غرس زايد الآن، عندما أقود سيارتي متجها إلى مدينة العين، أصاب بالذهول والدهشة وأتساءل بيني وبين نفسي: هل هذه هي حقا طريق مدينة العين التي عرفتها في بداية السبعينات؟ ويطل أمامي في الفضاء الرحب وجه ذلك القائد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله» وأسمع صوته الدافئ يقول: - زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون. أذكر أنني سمعت الأخ مفيد مرعي يسأل الشيخ زايد «رحمه الله»: - لماذا تزرعون المسافة ما بين طريق الذهاب وطريق الإياب بالنخيل وببعض النباتات التي تشكل حاجزاً أمام العيون ما بين السيارات الذاهبة والسيارات الآتية؟ أجاب رحمه الله: أولاً، حتى تحجب الأضواء في الليل عن أعين السائقين حماية لهم، وثانياً لإلباس تلك الطرق ثياباً جميلة خضراء، وثالثاً للاستفادة من الثمار وزيادة مصادر الدخل. وبالفعل، ما خطط له «رحمه الله» وجدناه، فالمساحة المزروعة ما بين الطرق في الإمارات تشكل الآن حديقة كبيرة ومصدراً من مصادر الدخل، هذا عدا عن أنها تقي أعيننا أثناء القيادة الليلية من الأضواء الساطعة الصادرة عن السيارات التي تسير في الاتجاه المضاد. اعتقدت في البداية وأنا أرى بعض المنشآت السكنية تقام على جانبي طريق العين أبوظبي مثل الوثبة، وطريق أبوظبي دبي مثل الشهامة، أن الأمر لن يتعدى تلك الطرق الطويلة المعبدة، ولكنني اكتشفت فيما بعد أن حركة البناء والإعمار والسكن الجديدة شملت حتى المناطق الموغلة في البعد في أعماق الصحراء، مثل مدينة زايد في جنوب غرب الإمارة. قامت دولة زايد على الرمال، هذه حقيقة، ولكن هذه الدولة لا تنهار وتتلاشى كما كان المفهوم السابق من أن «ما يبنى على الرمال لا يبقى ولا يدوم»، بل ليصبح للبناء مفهوم جديد لا علاقة له بالرمال أو الأساس الصخري. إن البناء الذي أعلاه زايد في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة قام على أسس أقوى وأثبت من الصخور، إنها أسس العدل والمساواة والتقوى، ولذلك بقيت حركة العمران بل وانتشرت بعد رحيله على يد أولاده وفي مقدمتهم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» وأخيه الوفي ولي عهده الأمين سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. لقد نظر الشيخ زايد «رحمه الله» إلى الإمارات على أنها وطن واحد، وأن الحرمان الذي عاش فيه هو وجيله في الزمن الذي سبق ظهور النفط يجب ألا يهدد مرة أخرى الأجيال القادمة التي ستعيش فوق أرض هذا الوطن. لذلك حول زايد الرمال إلى جنات خضراء، وأقام فوقها اقتصاداً قوياً راسخاً لا يهتز ولا يتزلزل إذا ما أصاب مادة النفط أي خلل أو حتى إذا أعلن العالم، في زمن قادم لا محالة، أن النفط نفد وأن العالم أصبح بغير نفط. إن اقتصاد الإمارات الذي بناه زايد وحرص عليه أبناؤه بعده قادر على الحفاظ على الحياة مزدهرة نامية في هذه المنطقة التي لا يزال يظن الكثيرون أنها مجرد صحراء وأن حضارتها مؤقتة ومرتبطة باستمرار تدفق النفط. لا أبالغ إذا قلت: إن زايد جعل لهذه المنطقة بحكمته وخطته الاقتصادية نفطاً جديداً لا ينضب ويتجدد باستمرار. خليل عيلبوني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©