الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علاء الأسواني: جمهورية الأدب هي أفضل الجمهوريات على وجه الأرض

علاء الأسواني: جمهورية الأدب هي أفضل الجمهوريات على وجه الأرض
3 سبتمبر 2009 02:20
علاء الأسواني أثناء الكتابة يحتل الكاتب الروائي د.علاء الأسواني موقعاً بارزاً الآن على خريطة الأدب العالمي، بعد ترجمة أعماله الشهيرة «عمارة يعقوبيان» و»شيكاغو» و»نيران صديقة» إلى أكثر من 27 لغة، وصدور النسخة المليون من الطبعة الإنجليزية، فيما تجاوزت الطبعات العربية العشرين. كما أنه أول مصري يحصل على جائزة «برونو كرايسكي» التي فاز بها الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا. والأسواني هو ابن المحامي والكاتب والمبدع الشهير أيضاً عباس الأسواني، وهو طبيب أسنان تخرج في جامعة القاهرة وأكمل دراساته في أميركا. وبعيداً عن الشهرة والأضواء فإنه أب لشاب (سيف) وآنستين (مي) و(ندى)، يقدر زوجته السيدة إيمان تيمور ويدين لها بالكثير من نجاحه، وفي هذا الحوار نتعرف إلى الجانب الآخر من شخصيته، ونلقي الضوء على الجذور الأولى والعوالم المحيطة التي كان لها أثر في تكوينه الإبداعي. ? تشكل الأسرة الحاضنة الأولى التي تحتضن الإبداع، فإما أن تنميه وتصقله وإما تغفله وتهمله، إلى أيهما تنتمي أسرتك وكيف كانت الأجواء التي عشت فيها طفولتك؟ ? ? الأسرة التي نشأت فيها إيجابية جداً، وأعتقد أن أي شخص ناجح في حياته يستند إلى ما يسمى قاعدة إطلاق، وقاعدة إطلاق أي شخص هي أسرته. لقد كنت محظوظاً بأسرتي، فوالدي هو الكاتب المعروف عباس الأسواني، وكان فناناً وكاتباً ساخراً، لذا تربيت في جو يتميز بخفة ظل نادرة. الوجوه في بيتنا لم تكن تفارقها الابتسامة، وعندما كان يزورنا أي شخص كئيب أو تحدث مناسبة كئيبة، كنا ننزعج جداً، وقد انعكس ذلك عليّ وظلت هذه الروح الضاحكة معي، والآن أحاول أن أنقل ذلك لأبنائي. هذا بالإضافة إلى الخلفية الفنية والأدبية الكبيرة التي كانت بالبيت، كان عندنا الكتابة والموسيقى والمسرح والسينما، وأصدقاء أبي كانوا من كبار الكتاب والفنانين، لكنهم في ذلك الوقت كانوا بالنسبة لي أصدقاء والدي و»خلاص». وعندما كبرت وجدت أنهم كانوا أعلاماً: عبد الرحمن الشرقاوي، محمود السعدني، زكريا الحجاوي، إحسان عبد القدوس، صلاح حافظ، حسن فؤاد، سيد مكاوي وسناء جميل ولويس جريس. هؤلاء كانوا يزوروننا في البيت ويصر أبي على أن أحضر جلساتهم، وعلى الرغم من أن معظم كلامهم لم يكن مفهوماً لي، لكن هذا المناخ ترك أثراً كبيراً عليّ وعلى رؤيتي وشكلني بطريقة إيجابية جداً. تزاوج ثقافي ? تبدو علاقة أغلب المبدعين بالأسرة إشكالية ومتوترة، وقد تحدثت عن المناخ الثقافي للأسرة، لكن ماذا عن علاقتك اليومية بوالدتك ووالدك؟ ? ? والدتي كانت من جيل المرأة العاملة المتحررة، تزوجت والدي وهي لا تزال طالبة في الجامعة. ثم اشتغلت وترقَّت حتى وصلت إلى منصب مدير عام في المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وبالتالي كانت امرأة عاملة وزوجة وأم، وتمارس كل هذه الوظائف بمسؤولياتها الكبيرة بمنتهى الإتقان، ولا تشكو، ولا تعتبر أن في الأمر تكلفاً أو زيادة أعباء. وعندما أسترجع كيف كانت تقسم وقتها على مسؤولياتها أجد أنها كانت شخصية فريدة. لقد كانت نموذجاً للمرأة المصرية في هذا الجيل، الذي لم تصبه الدعوات المتخلفة التي ظهرت في السبعينات ودعت المرأة للعودة للمنزل، لقد كان تعليم المرأة وعملها في جيل أمي أساسياً. أمي «زينب إبراهيم العشماوي» من أسرة العشماوي، عمها محمد باشا العشماوي كان آخر وزير تعليم في حكومة الوفد عام 1950، وأبي عباس الأسواني من صعيد مصر، من أسرة تنتمي إلى قبيلة الجعافرة وهي قبيلة كبيرة، وقد أفادني ذلك كثيرا نتيجة اختلاف المرجعية الثقافية لوالدي. أبي الجيل الأول من القاهريين الصعايدة، وأمي من أسرة أرستقراطية كبيرة، هذا الاختلاف والتزاوج بين الشمال والجنوب أثرى جو المنزل، ثقافة صعيدية يمثلها أبي الليبرالي الفكر والثقافة والمحافظ على تقاليد الصعيد وعاداته، لقد كنت أراه يستقبل ضيوفه من الصعايدة بكرم وحفاوة بالغة. كان عندنا بيت كبير في حي السيدة زينب تقيم فيه جدتي الصعيدية. كان هذا البيت لا يخلو من الزوار، فمن تقاليد الصعيد أن أي أحد من بلدك له عندك واجب الضيافة وحسن الاستقبال، ولهذا كانت جدتي تخصص في البيت طابقاً كاملاً لزوارها وضيوفها من الصعيد الذين يأتون للقاهرة لقضاء مصالح أو أعمال وشؤون مختلفة. وكان والدي هو من ينفق على هذه المضيفة. هذه كانت ثقافة، الثقافة الأخرى لأمي مختلفة فهي تنتمي لأسرة من الشمال ومن مواليد الإسكندرية، وكان التزاوج بين الثقافتين إيجابياً جداً. أمي كانت تقدر تماماً واجبها مع ضيوف أبي من الصعايدة فتحسن ضيافتهم. هذا التزاوج الثقافي علمني أنه ليس من الضرورة أن نكون جميعاً من لخلفية، نفسها وأنه بالإمكان التعايش بخلفيات مختلفة. هدية روائية ? أهديت رواية شيكاغو لوالديك، ومن قبل أهديت مجموعة قصصية لوالدك، لماذا؟ ? ? لأن والديَّ لهما فضل عليّ كبير جداً، لقد أتاحا لي أقصى ما يمكن أن يقدم والدين لابنهما من ظروف وتعليم. أنا أتحدث الآن أربع لغات، لأنني تعلمت في مدرسة فرنسية، وحصلت على أحسن تعليم. كنت على مستوى ثقتهما بي، لم أكن أخاف من أمي وأبي أبداً بل كنت أخاف من أن «يزعلا مني». لم أكن أخاف من قمعهما، لم يكن هناك قمع. أذكر وأنا في الصف الأول الثانوي بدأت (أزوّغ) من المدرسة، ولأن بيني وبين أبي وأمي ثقة كبيرة، ذهبت وقلت لهما إني (أزوّغ) من المدرسة، فقال لي أبي: «طيب خلاص، لما تيجي تزوغ إبقى قل لي، عشان أعطيك فلوس زيادة»، وهذا تصرف عجيب، وأصبحت أقول له «أنا مزوّغ اليوم» فيقول لي: رايح فين؟ أقول له: رايح نادي الجزيرة أو أي مكان آخر، فيعطيني ضعف مصروفي، بعد فترة فقد التزويغ بهجته بالنسبة لي، لأن فكرة التزويغ قائمة على الاختلاس، بالإضافة إلي أنني كنت متفوقاً جداً، والتزويغ يراكم دروسي ومن ثم ألجأ إلي زملائي لمعرفة ما فاتني. هذا نموذج للعلاقة الفريدة التي جمعتني بوالدي. سبب للنجاح ? ماذا عن المرأة الزوجة وأي دور لعبته زوجتك في حياتك؟ ? ? تزوجت مرتين، الأولى وهي صديقة لي حالياً، وبيني وبينها ابن «سيف علاء الأسواني»، وبيننا الآن صداقة لكن الحياة الزوجية بيننا لم تنجح. والثانية هي زوجتي «إيمان تيمور» وعندي منها ابنتان مي وندى، وهي أحد أسباب نجاحي. ساندتني مساندة كاملة، اليوم بعد هذا النجاح الدولي الذي حققته، أي شخص يمكن أن يساندك، لكن عندما يكون هناك شك في أنك ستنجح من أساسه، وتعرض عليك عروض عمل للعمل في الخليج، وترفض، وعروض للكتابة للسينما، وترفض، وكل ذلك من أجل الأدب. في ظروف كهذه وعندما تجد إنساناً يساندك ويتحمل معك ويتقبل هذا الثمن الباهظ من الجهد، فهذا لا ينسى، إنني أدين لها بفضل كبير، وقد أهديت لها روايتي عمارة يعقوبيان. ? وماذا عن علاقتك بابنتك؟ ? ? علاقتي بابنتي علاقة استثنائية رائعة، وكذا علاقتي بابني سيف علاقة إنسانية جميلة، لقد اكتشفت أن البنت هي أم صغيرة، أمي التي توفيت، «وكأن الله حط والدتي تاني في بنتي». علاقتي بابنتيّ جميلة جدا، إحداهما موهوبة في البيانو وحققت خطوات مهمة حيث اجتازت ثلاثة امتحانات دولية، والأخرى ذكاؤها عملي وليس فنياً. وأعتقد أنها «بهجة» أن تكون لديك بنت، البنت بالنسبة للأب «حاجة كبيرة جداً». ? بقيت المرأة بشكل عام، كيف تنظر لها، وأين هي في حياتك؟ ? ? المرأة في حياتي أساسية. لا أذكر أي موقف مهم في حياتي لم تلعب المرأة فيه دورا أساسياً، بدءاً من والدتي وزوجتي إيمان تيمور، وجدتي لوالدي وجدتي لوالدتي، وعمتي التي توفيت العام الماضي كانت بمثابة والدة أخرى لي. وعموما أنا على عكس ما يشاع الآن من أفكار سواء حديثة أو تراثية. أنا أثق في المرأة أسهل مما أثق في الرجل، وهذا أمر غريب، لكنه أمر واقع، وأجد التعامل مع المرأة أسهل، على أي مستوى، مثلاً الطبيبات والسكرتيرات اللاتي يساعدنني في عملي، لأن المرأة كائن حساس جداً. وكوني طبيباً أقول علينا ألا ننسى أن الحياة تصنع داخل المرأة. نحن كرجال نبدأ الدورة إنما هناك علم كامل اسمه علم الأجنة، الحياة تتخلق داخل المرأة يوماً بعد الآخر وأسبوعاً تلو الأسبوع، فالمرأة كائن فائق الحساسية، قدرتها على الحدس عالية جداً. وقد علمتني تجربتي أنك إذا احترمت المرأة ووثقت فيها وصادقتها بقوة وهي وثقت فيك تصنع من أجلك المعجزات، وعندها عطاء بلا حدود. الرجل ليس دائماً كذلك، يمكن أن يكون كذلك ويمكن أن تكون عنده حسابات. يحبك لكن بحدود، لأن العقل عند الرجل يقظ جداً. المرأة بالطبع عقلها يقظ لكن عندها مشاعر عالية، والذي أحترمه بشكل خاص في المرأة المصرية أنها نموذج عظيم جداً قلما نقدره. بالنسبة للمرأة في الغرب الموضوع واضح جداً، والعلاقة محسوبة بشكل عملي. تفكر ستعمل أم لن تعمل، ستعمل إذن ستحقق دخلاً في البيت، ومن ثم هي والرجل على المستوى نفسه. وعليه، أنا أقعد يوم بالأولاد وأنت تقعد يوم، اليوم عليّ غسيل الأواني، غداً أنت تغسل الأواني. المرأة المصرية تقوم بوظائف متعددة فهي أم وزوجة وربة بيت وعاملة، وتُساءل عن أي تقصير، ففي العمل لا يحق لها أن تقول إن لديها مسؤوليات في البيت. وفي البيت الرجل يطلب منها حقوقه ولا علاقة له بالمسؤوليات التي قامت بها طوال اليوم، هي تقوم بكل ذلك فيما نحن نعتبر أن هذا من الأمور الطبيعية. نحن لا نعرف قيمة المرأة المصرية التي هي ابنتي وابنتك وأختك وأختي إلا عندما ترتبط بأجنبية. المرأة المصرية معطاءة جداً وللأسف تقديرها قليل، مع موجة الأفكار المتخلفة التي تسود المجتمع المصري نتيجة الفضائيات المتطرفة، وكل هذا يأتي على حساب المرأة وينعكس سلباً عليها. أنت لا تتعامل معها كـ «بني آدم» ولكن تتعامل معها من منطلق نظرة دونية ترى فيها وسيلة إنجاب أطفال ووعاء جنسي ومصدر الغواية وفقط، أما كونها مهندسة، صحفية، طبيبة، فهذه غير مهمة نهائياً، وهذه مشكلة خطرة ألقيت على رأس المرأة، لذا أتمنى أن نعيد النظر ونقدر المرأة المصرية، لأنها حقيقة يجب أن تقدر. نظرة دونية ? أنت تقدم توصيفاً لبعض المشكلات التي تعانيها المرأة، فما هو الحل لإصلاح أوضاعها؟ ? ? أنا ضد طرح مشكلات المرأة بعيداً عن مشكلات المجتمع، لأنني أرى أن في ذلك أجندة غربية فاشلة لو أحسنا النوايا، ومغرضة لو كانت النية سيئة، لأن المرأة ليست أقلية تقيم في الصحراء. إنها زوجتي وابنتي وأختي وأمي، فلا يصلح تقديم مشاكلها باعتبارها مشاكل منفصلة عن المجتمع المصري. لن تتحرر المرأة المصرية إلا إذا تحرر المجتمع المصري، وما أعنيه أن يكون هناك نضال حقيقي من أجل تحرير المجتمع المصري من كل ما يعوق التقدم. مطلوب إصلاح ديمقراطي وأفكار إنسانية تقدمية، ومن ثم التعامل مع المرأة باعتبارها إنساناً وليست نوعاً. الأفكار الرجعية الآن تنظر للمرأة باعتبارها أنثى، وهذا من أخطر ما يمكن، حيث يترتب عليه ألا تعترف لها بالكفاءة نفسها ولا الحقوق. وإذا كانت المرأة أنثى 24 ساعة وهذا أهم صفة فيها، وإذا كانت جسماً فقط، وإذا كانت مصدر غواية، وإذا كانت فاقدة الأهلية الأخلاقية بمعنى أنه لابد أن يكون معها شخص يحميها لأن جهازها الأخلاقي لا يصلح لحماية نفسه، وأنا كشاب أتحرش بها وأفلت من العقاب ففي الأمر مشكلة. جزء مهم من انتشار التحرش الجنسي هو نظرتنا الدونية المستحدثة للمرأة. جمهورية الأدب ? تحدثت لصحيفة «الجارديان» عن جمهورية للأدب، في أي سياق جاء ذلك؟ ? ? هناك جمهورية أدب وهي أفضل الجمهوريات على وجه الأرض في التاريخ الإنساني. أقصد بجمهورية الأدب أنك أمام رواية أو قصيدة تتحول إلى مواطن في جمهورية الأدب سواء كنت هندياً أو مصرياً، مسلماً أو يهودياً أو مسيحياً. الأدب يتعامل مع جزء إنساني راقٍ، ومن خبرة طويلة وعريضة مع القراء الغربيين لا يوجد أي فرق إطلاقاً بين قارئ الرواية في أي مكان في العالم، فالمواطن (البرازيلي أو المصري أو الإنجليزي) أمام الرواية هو قارئ يتخلص من كل المشكلات والعقد السياسية والنفسية والثقافية التي تصنع الجحيم في العالم أثناء الحياة اليومية. أمام الرواية أنت قارئ، لذا قلت أن جمهورية الأدب هي أجمل الجمهوريات على الإطلاق، وهي جمهورية يدخل فيها كل قراء الأدب. لقد قلت وهذه ليست كلمتي وإنما كلمة ماركيز «إن الموضوع الجيد لا يصنع بالضرورة رواية جيدة». لنفترض أن موضوعي جيد وأنني أكتب بشكل غير جيد، سوف أخرج رواية غير جيدة. أنا مقتنع تماماً بصوابية كلمة ماركيز وأضيف عليها «الموضوع الجيد لا يكفي بالضرورة لكتابة رواية جيدة، لكن الرواية الجيدة تقدم بالضرورة موضوعاً جيداً» حتى ولو كانت هذه الرواية قصة حب عادية، وهي رواية جيدة سوف نكتشف من خلالها جوانب من مشاعر الحب كنا نمارسها ولم نكن نفهمها، وبالتالي القول إن الموضوع «كفاية»، لا.. الموضوع ليس كافياً. إنني أحاول الدفاع عن قيمة الأدب الفنية الخالصة بعيداً عن العنصر السياسي والاجتماعي، ومن هنا جاء كلامي لـ «الجارديان» في سياق دفاعي عن قيمة الأدب الخالصة. ? أخيراً... ما جديدك؟ ? ? أعكف الآن على كتابة عمل روائي جديد، وعادة من الخطر البالغ أن أتحدث عن أي موضوع أثناء الكتابة، ولكنني أتمنى أن أنجزها في العام المقبل، وهي رواية كبيرة وتحدث في مصر خلال الأربعينات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©