أعمال نعيمة الشيشيني تأملات في إبداع الخالق

رحلة فنية طويلة اقتربت من خمسين عاماً خاضتها الفنانة التشكيلية نعيمة الشيشيني في البحث والتنقيب في خزائن التراث الإسلامي، لتشكل عالماً فنياً ثرياً تسمع فيه أصوات تراتيل القرآن الكريم، والتبتل إلى الله، وفيه تشم رائحة التاريخ، وتلامس عيناك المشربية والمآذن. هي تقدم أعمالاً فنية تدعو إلى التأمل الروحي والوجداني. نعيمة الشيشيني ابنة مدينة الاسكندرية، تخرجت في كلية الفنون الجميلة أواخر الستينيات من القرن الماضي، وحاصلة على منحة تاريخ الفن الإسلامي من جامعة اسطنبول، وتعمل الآن استاذة في كلية الفنون الجميلة بجامعة الاسكندرية، وهي عضو الجماعة الدولية للفن الاسلامي، ومغرمة بالفنون الاسلامية والشرقية عموماً. قضت سنوات عديدة في دول شرق آسيا، وعكست المودة التي كتسبتها خلال هذه المدة في أعمال فنية تأملية، تنطوي على مساحات لونية شديدة الثراء، وهي فخورة بحفظها للقرآن الكريم، وقدرتها على إبداع اعمال فنية تنتصر لفنوننا الإسلامية الأصيلة والمتجددة. تصور جديد للطبيعة تقول نعيمة الشيشيني إنَّ بداية تجربتها الفنية كانت مرتبطة بحركة الكائنات في الطبيعة، وكيفية استخلاص الشكل الموحي المجرد لهذه الكائنات من أجل تقديم تصور جديد للطبيعة والكائنات، ثم تطور هذا الخط إلى الفكر الصوفي الإسلامي وفنون الشرق في القرون الوسطى وتشبعها بها، نتيجة دراسات متخصصة من منابع الفكر الإسلامي في مصر وإسبانيا وتركيا وأوزبكستان ودول شرق آسيا. وتضيف أنَّ دراستها المتعمقة للفنون الإسلامية في القرون الوسطى كانت الإطار الإيجابي الذي مكنها من خلق موضوعا لتجربتها الفكرية والتشكيلية التي اعتمدت على تبسيط القوالب المتعارف عليها أو المستقرة لعناصر الفن الإسلامي، بغرض الوصول بالمتلقي لتذوق التراث والاستجابة للصيغ الفنية الجديدة المطروحة في الفن التشكيلي المعاصر• وتوضح أنَّ العنصر والحركة واللون في أعمالها تمثل جسوراً للاتصال بين التصوير المعاصر الذي تقدمه وبين الفن الإسلامي الذي يشكل ميراثاً حضارياً مهماً، فمنابع التصميم عندها تأتي من تلك المساحات ذات الأشكال الهندسية المتنوعة بما تتضمنه من خطوط عربية في المساجد والقباب والمحاريب والمشكاوات والمشربيات والمنابر وأزياء الصوفيين، وتنسج من هذا كله رؤى تشكيلية معاصرة قوامها الاستلهام من خلال القيمة المجردة في الفنون الإسلامية. حوار الألوان تحرص الفنانة على التمييز بين الاستلهام وبين النقل أو الاستنساخ، فالاستلهام يعتمد على الفهم التحليلي للتراث الإسلامي دون الارتباط بحرفية هذه العناصر، وقد جعلت منطقة الحركة في الفن الإسلامي أساساً تتطلع فيه إلى اكساب عناصرها منطقاً معاصراً يهدف إلى الحفاظ على تواصل إنساني يتسم بالصوفية، كما كانت الاستلهامات التعبيرية والأصول اللونية في تجربتها عاملاً قوياً لارساء ملامح الشخصية التي بدت في أعمالها من خلال تضافر عوامل الحركة واللون والحوار بين العناصر والأشكال الهندسية التي تتخللها الألوان المستلهمة من صفاء الزجاج المعشق وألوان الفسيفساء• وتقول إنَّ ميزة الفنون الإسلامية في كونها استفادت من فنون البلاد التي دخلها الإسلام، مثل الصين وبلاد فارس، إضافة إلى توظيف الفنانين المسلمين لما يتوافق مع الإسلام لإخراج فنون تحمل حيوية روحانية تنافس الفنون الغربية الحديثة، وهو ما تحاول تأكيده في أعمالها، فهي تهتم بإبراز الجوهر لا المظهر. تفرد الايقاع توضح الفنانة أنها قدمت أعمالاً عديدة في بداية تجربتها الفنية في أوائل السبعينيات رداً على الجماعات الأصولية المتطرفة، حيث كانت ترد بالفن الذي يمزج بين عظمة الفنون الإسلامية وأسس التصوير الغربي، مستعينة بكل عناصر الفنون الإسلامية بشكل غير مباشر، فهي تصر على أن يكون في أعمالها الفنية رحيق الفنون الإسلامية وروحها، فالخط مثلاً غير مقروء، ولكنَّه مرن، ويحمل إيقاعاً متفرداً، وشكله العام يحيل المتلقي إلى جوهر الفنون الإسلامية• وتقول إنَّها شاركت بأعمالها في معارض أجنبية كثيرة، وكانت سعادتها بالغة حين كان يشار إلى أعمالها بوصفها تحمل هوية إسلامية واضحة، وتتضمن كل أسس التصوير المعاصر، إضافة لكونها تقدم الوجه الحضاري للإسلام وفنونه، وهو ما حدث من خلال فهم الفنون الإسلامية وتوظيفها بشكل معاصر يؤكد عظمة هذه الفنون، وقدرتها على منافسة أعظم الفنون والمدارس الغربية الحديثة والتفوق عليها، والأخذ منها كما فعل فنانون غربيون عظام أمثال مايكل أنجلو ودافنشي حين استلهما عناصر الفنون الإسلامية في بعض أعمالهما. تختم محدثتنا بالقول إنَّها مستمرة في مسيرتها الفنية، وهي لا تقيدها قيود نحو إبداع أعمال جديدة تخدم الهدف الذي تسعى وراءه، وهو إبراز عظمة فنون الإسلام والاهتمام بالتجديد والتجريب، وإبراز الفلسفة الكونية التي تهتم بالجوهر والمطلق والروحانيات، وإرسال رسالة إلى الغرب مفادها أن الفنون الإسلامية ليست ضئيلة الدلالة، بل هي تحمل الكثير من علامات الإبداع والتأمل. كلام الصور (من المصدر) 1- من أعمال الفنانة نعيمة الشيشيني 2- حوار الألوان يصنع الإبداع