الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معاقبة بوتين باجتذاب المبدعين الروس!

31 مارس 2014 23:23
كانت سياسة الهجرة أولَ سلاح استُعمل لمعاقبة فلاديمير بوتين والمقربين منه عقب اندلاع أزمة شبه جزيرة القرم، حيث فُرضت على مجموعة من مساعديه عقوبات على السفر، وحرموا من التأشيرات الأميركية، وبذلك بُعثت إليهم رسالة مؤداها: أنتم ممنوعون من الدخول وغير مرحب بكم في الولايات المتحدة. وعليه، يمكن القول إن أعمال بوتين كان لها تأثير غير متوقع يتمثل في تأمين تدابير سياسة الهجرة الأميركية الوحيدة التي سنت هذا العام. والحال أنه في عالم من العقوبات المحدودة وانعدام الخيارات العسكرية، يمكن لسياسة هجرة استراتيجية أن تصبح سلاحاً يُستعمل على نحو أوسع في مواجهة الكرملين. ولئن كان الإبقاء على «الأشرار» بعيداً فكرة جيدة، فإن فتح الباب أمام الأخيار ربما يكون أيضاً فكرة أفضل. والواقع أن الأفراد الذين صدرت في حقهم عقوبات لا ينتحبون الآن ويندبون حظهم لأنهم مُنعوا من زيارة شواطئ ميامي. ذلك أنهم قد أمّنوا حياتهم منذ مدة، وأغلب الظن أنهم يسترخون الآن في فللهم بضواحي موسكو ويقضون إجازاتهم في سوتشي صيفاً. ومع ذلك، فقد أمر أوباما بعدم السماح لأولئك الأشخاص غير المرغوب فيهم بدخول الولايات المتحدة. ولكن إن كان بالإمكان استعمال سياسة الهجرة على نحو سلبي، فإنه ينبغي أيضاً استعمالها على نحو إيجابي. وإذا كان الكونجرس غير راغب في التعاطي مع أي تشريع يتعلق بالهجرة على ما يبدو، فإن الرئيس الأميركي يستطيع دعوة معارضي النظام الروسي، والأقليات الدينية والإثنية، وطبقة المبدعين الأوسع، للإتيان إلى الولايات المتحدة. على أن يكون ذلك جزءاً لا يتجزأ من سياسة هجرة شاملة واستراتيجية. لقد خُلقت للتو مشاعر قومية جامحة جديدة في روسيا، ضحاياها لن يقتصروا على الأوكرانيين الموالين لأوروبا، بل يشملون أيضاً الروس الذين يعتقدون أن حب الوطن يولد أيضاً في رؤية الخارج والاطلاع والتنوع -أولئك الذين يفهمون أن حب الوطن ليس هو القومية بمعناها الضيق جداً. وهذه الحماسة الروسية الجديدة كانت واضحة للجميع عندما خاطب بوتين بلده الأسبوع الماضي من قاعة سانت جورج الفخمة في قصر الكرملين، حيث أوضح لغرفتي البرلمان رأيه فيما اعتبره المظالم والإهانات التاريخية التي ارتُكبت في حق الأمة الروسية. وقد حدد خطابه الذي تميز بنبرة تحدٍّ واضحة أساس الاستثناء والتفوق الروسيين أكثر، محذراً أي قوى داخلية أو خارجية تشكك في رؤيته أو تهددها أو تعارضها. ولكن إذا كان خطابه قد اعترف بالطابع متعدد الإثنيات لإمبراطوريته الروسية الجديدة، فإن كلماته لا تنسجم حتى مع رؤيته الخاصة للقرن الحادي والعشرين. وغني عن البيان أن هذه الرؤية لها تكاليف. فعلى رغم عائدات روسيا من صادرات الطاقة التي تملأ خزائنها المالية، إلا أنها تلعب لعبة خاسرة. فموقع «تويتر» لم يُخترع في روسيا بوتين؛ ومستقبل التكنولوجيا ليس له وجه سلطوي واستبدادي. ثم إن الإبداع يتطلب حرية الفكر والتعبير. ومثلما قالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في خطاب لها في 2002 في منغوليا، فإن «البلدان التي تريد أن تكون مفتوحة في وجه التجارة والأعمال ومغلقة أمام حرية التعبير ستجد أن لهذه المقاربة تكاليف». وإحدى هذه التكاليف ينبغي أن تكون - في نظرنا - منح أذكى الأشخاص في روسيا وألمعهم خياراً غربياً لإيجاد بيئة إبداعية خصبة وفضاء سياسي حر. وعليه، فقد حان الوقت مرة أخرى لتكون الولايات لمتحدة دولة ناشطة في سياساتها المتعلقة بالهجرة ولتنبذ الميول الانعزالية الداخلية المتنامية. ومثلما جاء ذات يوم في إعلان شهير لحواسيب «آبل»، فإن الوعد والحلم الأميركي يرحب بـ«المتمردين، والمشاغبين، والمنبوذين. والأشخاص الذين ينظرون إلى الأشياء بشكل مختلف». وعلى سبيل المثال، فإن سيرجي بيرِن، الذي ساهم في تأسيس «جوجل»، ولد في روسيا ولكنه صار مبتكراً في الولايات المتحدة. وهناك كثيرون من أمثال بيرِن ممن يشعرون بأنهم صاروا سجناء في بلد أخذ يسير الآن في طريق مظلم. وقد يكون من المفيد التذكير هنا بأن القومية المنفلتة في أوروبا شكلت تاريخياً أرضية خصبة لتنامي معاداة السامية واضطهاد المختلفين. ومع أن بوتين اعترف بالتنوع الروسي وضرورة استيعاب الجميع في خطابه الأخير، إلا أن القوى الوجدانية التي أطلقها ربما تكون غير قابلة للسيطرة. والواقع أنه من المزعج أن يختار بلد يتمتع بالكثير من القوة والإمكانات أن يكون معزولاً ووحيداً في عالم ينبغي أن يكون متلاحماً ومتعاوناً. ومن المتوقع أنه سيعاني هجرة الأدمغة. وعليه، فإن بذور الديمقراطية الروسية ربما تحتاج إلى أن تتبرعم خارج البلاد في حال صار المعارضون الداخليون يُعتقلون أو يُهددون أو يُضطرون للفرار بشكل متزايد. وبالمثل، يتعين على الغرب أن يبلور سياسة استراتيجية شاملة خاصة بالطاقة للتصدي لتصاعد قوة روسيا؛ كما أنه يحتاج أيضاً إلى وضع سياسة استراتيجية شاملة جديدة ومنسقة في مجال الهجرة. إن ميل أوباما إلى استعمال الهجرة على نحو استراتيجي كان فكرة جيدة. والأكيد أن النقاشات السياسية الداخلية ينبغي ألا تقف في طريق استعمال التأشيرات كوسيلة فعالة من وسائل السياسة الخارجية الأميركية. ‎ماركوس كونالاكيس باحث في الجامعة الأوروبية المركزية في بودابيست وزميل مؤسسة هوفر الأميركية ينشر بترتيب خاص مع «أم سي تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©