الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفلسفة الإغريقية القديمة حاولت تفسير العالم وأرسطو وضع أسساً لها

الفلسفة الإغريقية القديمة حاولت تفسير العالم وأرسطو وضع أسساً لها
1 سبتمبر 2009 23:52
تُعد الفلسفة من أقدم العلوم التي انشغل بها الإنسان وحاول من خلالها تفسير الظواهر الطبيعية المحيطة به، ومع التقدم العلمي والتكنولوجي الذي وصلت إليه البشرية، استمرت الحاجة إلى معرفة تلك الفلسفات القديمة باعتبارها كانت البواكير الأولى في الفكر الإنساني، والتي مثلت أساسا قامت عليه جميع الأطر والأفكار النظرية التي ساهمت في تطور البشرية. ومن هنا تنبع أهمية كتاب أ.هـ. أرمسترونج «مدخل إلى الفلسفة القديمة» الذي نقله إلى العربية سعيد الغانمي، حيث نرى المؤلف يعمد إلى استعراض التطور التاريخي للفلسفة الإغريقية القديمة «هي الفلسفة الأقدم في العالم» منذ بدايتها الأولى في الجزر الأيونية وإيطاليا، وانتهاء بآخر قمة فلسفية كتب باللاتينية، وهو القديس أوغسطين الذي عاش الجزء الأكبر من حياته في عنابة في الجزائر، ويحرص المؤلف بحس تاريخي على تناول الخلفيات الثقافية والاجتماعية التي أثرت في آراء الفلاسفة المختلفين، وكذلك الكيفية النظرية التي تتصارع فيها هذه الآراء والمناهج أو تتفاعل وتتداخل. تعجب وفضول في البداية يحدثنا المؤلف عن «الملطيين» والإيطاليين، وتعريف الفلسفة لديهم والذي كان يعني البحث عن الحقيقة فيما يتعلق بطبيعتي الكون والإنسان، وكانوا يعتقدون أن أبحاثهم في ذلك الوقت قد تفضي إلى إحراز معرفة واثقة بالحقيقة المبحوث عنها، أي أن الدافع الأساسي لظهور الفلسفة في ذلك الوقت هو التعجب والفضول والتطلع إلى معرفة طبيعة الأشياء، والرغبة في المعرفة من أجل ذاتها. وكان ذلك في دويلات المدن الإغريقية في «أيونيا» التي كانت أكثر غنا وتحضرا بكثير من المجتمعات الإغريقية الأخرى. ويقول الكاتب «إن الفلاسفة الأيونيين لم يكونوا متأثرين بعمق ببعض الطرق اليونانية البدائية في النظر إلى العالم، التي نجد تعبيرا عنها في الأساطير التقليدية، ولذلك فإن تجردهم من التعبيرات الدينية وتجنبهم الخوض في التفسيرات الدينية للكون لا يؤهلانهم لأن يُعدوا مفكرين علميين». الوحدة والكثرة ومع ذلك فهناك ثمة علاقة بين طريقتهم في التفكير والعلم وكذلك الأساطير، وقد مثل تلك الفلسفة الأيونية ثلاثة رجال من ملطية التي كانت أغنى المدن الأيونية وأطلق عليهم جماعة «الملطيين» وكانوا جميعا مهتمين بالظواهر التي تقع في منطقة ما فوق سطح الأرض، كالأجواء وحركات الأجرام السماوية. ويضيف الكاتب: «رغم أن مساهمة الملطيين في التراث الفلسفي لأوروبا قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى، إلا أننا إذا قدمنا القصص التي نسجوها عن العالم بوصفها مجرد تفسيرات معقولة للظواهر، فسنجد أنهم وضعوا أسس كل من العلم والفلسفة كحقلين منفصلين، متميزين عن اللاهوت من جهة وعن التقنيات التجريبية من جهة أخرى، وفي مذهبهم عن ارتقاء الأشياء جميعا من المادة الحية الواحدة، أثاروا للمرة الأولى مشكلة الوحدة والكثرة، التي تمثل الموضوعة المركزية الأهم في الفلسفة التقليدية بأسرها». فن الإقناع يدلف الكاتب إلى الفلسفة ما قبل سقراط وذلك في القرن الخامس قبل الميلاد من خلال استعراض آراء كل من هيراقليطس وبارمنيدس الذين كانا قطبي الفلسفة آنذاك ، وكانا أيضاً على النقيض في محتوى فلسفتهما وكذلك في طريقتهما في التفكير وميراثهما الفلسفي والكيفية التي اختارا أن يعبرا بها عن نفسيهما. ثم يتناول السفسطائيون وسقراط قائلا: «إن اسم «السفسطائيين» لم يكن له هذا المعنى الرديء قبل أن يكتب أفلاطون بعض حواراته، لأنهم في الأصل كانوا معلمين جوالين يسعون لتعليم الناس فن النجاح البالغ الأهمية في الحياة العامة، وكان أشهرهم (بروتاجوراس، جورجياس، بروديكوس، هيباس) وكانوا بارعين في فن الإقناع الذي عملوا على تعليمه لتلاميذهم في مختلف أطراف العالم اليوناني». ويؤكد الكاتب أن السفسطائيين لم يكونوا فلاسفة بأي معنى وإنما كانوا ذوي نزعة إنسانية وأرادوا إصلاح أمور معينة في المجتمع، ولكنهم في الحقيقة جعلوا الأشياء تزداد سوءاً عن غير قصد منهم. فيلسوف البدايات في خضم القلاقل التي عمت الفكر والمجتمع اليوناني آنذاك ظهر سقراط محاولا إيجاد حل أفضل لمشكلة الحياة الخيرة للإنسان، حيث عاش سقراط منذ عصر التأمل الطبيعي والكوني، ومرورا بعصر المذهب الإنساني عند السفسطائيين، حتى تلك الحقبة التي حاول فيها بعض الشباب تطبيق ما تعلموه على يد أساتذتهم السفسطائيين، وحين تقدم سقراط في العمر سخّر كل ما لديه من قوة كبرى من أجل العثور على حل له وبثّه إلى الناس. ويعرج كاتبنا إلى أفلاطون تلميذ سقراط العظيم ويضيف: «إنه مع أفلاطون بدأ التراث المركزي العظيم للميتافيزيقا الأوروبية، فهو بطريقة مميزة فيلسوف البدايات، لأنه كان يصعب في الغالب أن نجد الحل النهائي لأي من المعضلات الميتافيزيقية التي يثيرها، وحين نجده، أو نعتقد أننا وجدناه، يصعب أن نقبله باعتباره الحل النهائي المقنع». ويصف المؤلف كتابات أفلاطون بأنها «تمتاز بالخاصية السقراطية، أي قوة تحريض رغبتنا في الحقيقة، وقوة جعل أنفسنا نمتحن أنفسنا لاستكشاف ما يجدر البحث عنه، وكيف يجب أن نبحث عنه، وهذا ما يجعل أولئك الراغبين بالوصول إلى الحقيقة من خلال الفكر العقلي يعودون إليه مراراً وتكراراً في كل جيل». علم الحياة يلفت الكاتب إلى أن أرسطو كان فيلسوفا على أوسع نطاق ممكن وأنه «أجرى التقسيمات الكبرى في الفلسفة التي لازالت باقية حتى اليوم، بالإضافة إلى ذلك فقد أسهم في علم الحياة «الذي كان بارعاً فيه» مساهمة كبرى في المعرفة العلمية لم يتم تجاوزها حتى تطورت دراسة البيولوجيا الحديثة، وهي كانت بالفعل أعظم مساهمة قام بها شخص واحد يعمل بمفرده، فضلاً عن إسهاماته العديدة في المنطق، فلسفة الطبيعة، الميتافيزيقا، الأخلاق، الفلسفة السياسية، علم النفس، نظرية المعرفة، علم الجمال». ثم يذكر الكاتب الكيفية التي استقل بها فكر أرسطو عن الأفلاطونية والمبادئ الأساسية التي أقام عليها أسس فلسفته. كما يتناول أ.هـ. أرمسترونج علم الأخلاق والسياسة عند أرسطو باعتبارهما مثلا أهمية خاصة له، فعلم السياسة هو الذي يحكم الحياة الإنسانية الكاملة للناس الذين يعيشون معاً في جماعة مكتفية ذاتياً، كالمدنية أو الدولة، وعلم الأخلاق الذي يهتم بالشخصية الفردية وسلوكها بدوره ينتمي من الناحية النظرية لهذا العلم، ولكن أرسطو يعالجه معالجة مستفيضة ويوليه استقلالا ملحوظا. جماعة «الحديقة» يعرج أرمسترونج على الكلبيين والرواقيين وإسهاماتهم الملحوظة في الفلسفة القديمة، ثم ينتقل إلى الأبيقوريين والشكاك، لافتا إلى أنهم «تأثروا كثيرا بالروح الأيونية القديمة»، ويوضح أن أبيقور نفسه كان ابن أحد المستعمرين الأثينيين في ساموس، وجاء إلى أثينا وأسس جماعته الفلسفية الشهيرة باسم «الحديقة»، وكان أغلب تلاميذه من المدن الإغريقية الواقعة على ساحل آسيا الوسط، ويضيف الكاتب أن أبيقور كان غزير الإنتاج وله أكثر من ثلاثمائة لفافة أو مجلد. وبعد ذلك يتحدث المؤلف عن الفلسفة في عهد الإمبراطورية الرومانية الأولى، لافتا إلى أن «الفلسفة التقليدية في عهد المملكة المسيحية مثلت أهم تطور طرأ على الفكر الإغريقي في القرن الأول قبل الميلاد وكذلك في القرنين الأول والثاني الميلاديين، وذلك لما أحدثوه من إحياء للأفلاطونية وإدخال تعديلات عليها، فتلك الأفلاطونية المعدلة هي التي احتضنت الفلسفة المسيحية على الجانب الهيليني». مشيرا إلى أن هذه الأفلاطونية التي تم إحياؤها أنطوت على عنصر أرسطي واسع. القوى الوسيطة في موقع آخر من الكتاب يتناول بدايات الفكر المسيحي عند اليونانيين على يد فيلون والمنافحين، فالأول اتسم مذهبه في اللوجوس بأنه حاول مماهاة اللوجوس بعالم المثل الأفلاطونية، أما المنافحون فقد مثلهم القديس جوستن الذي كان مولعاً بآراء أفلاطون وهو ما تكشفه أفلاطونية جوستين عن نفسها في تنازل قليل لمذهب القوى الوسيطة الذي يربط نشوء الكلمة ربطاً حميماً بخلق العالم، فيقدم الكلمة بوصفها قوة أدائية كوّن الأب العالم عبرها. وفي النهاية يعرج كاتبنا على القديس أوغسطين، الذي ساهم بشكل رئيسي في تحويل الفلسفة الإغريقية، وتحويرها بما يتناسب مع حاجات التراث اللاهوتي المسيحي، وهو ما أدى إلى إحداث نتائج بعيدة المدى في تاريخ الفكر بشكل عام.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©