السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حمودة بن علي.. رجل من أوفى الرجال

1 سبتمبر 2009 13:31
كان همّه أن يجعل الإمارات واحة للأمن والأمان حمودة بن علي.. رجل من أوفى الرجال * كان الشعور بالأمن والاطمئنان يعمُّ الجميع، وكل ذلك بسبب أولئك الرجال القلائل الذين حمَّلهم القائد المغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مسؤولية الأمن في إمارة أبوظبي وعلى رأسهم سمو الشيخ مبارك بن محمد وحمودة بن علي. خليل عيلبوني الآن، وعندما تعود بي السنوات إلى تلك الأيام الأولى التي عايشتها في أبوظبي، أدرك وبعمق لماذا يرتبط الإنسان عادة بمكان ما عاش فيه، وزمان محدد كان خلاله يعيش في ذلك المكان. بالنسبة لي كان الزمن الجميل في عمري قد توقف في أبوظبي وخلال فترة امتدت ما بين 1971 و 1980. *** لم تكن التأشيرة التي حصلت عليها في أواخر ديسمبر 1970 سهلة أو حتى ممكنة، خاصة وأنا أحمل وثيقة سفر فلسطينية صادرة من جمهورية مصر العربية، وفي وقت لم تكن فيه أبوظبي قد تحررت بعد من الحماية البريطانية. لقد بذل الأخ مفيد مرعي جهوداً كبيرة لإصدار تلك التأشيرة والتي ساعده فيها الأخ حنا سعادة، ولقد كانت تلك التأشيرة التاريخية بالفعل بداية مرحلة جديدة مختلفة تمام الاختلاف عن مراحل حياتي السابقة. ولقد أدركت مدى أهمية تلك التأشيرة عندما تم التعاقد معي من قبل وزارة الإعلام والسياحة للعمل في إذاعة وتلفزيون أبوظبي، حيث أصبح من الضروري تغيير تلك التأشيرة من زيارة إلى عمل ومغادرة أبوظبي لإنهاء الزيارة والعودة بتأشيرة العمل. مبنى الجوازات كان مكتب إصدار التأشيرات ومنح الإقامة وإصدار جوازات سفر المواطنين عبارة عن مبنى صغير يتألف من ثلاثة طوابق؛ أرضي ودورين، ولا يزيد عدد العاملين فيه عن خمسة عشر موظفاً وضابط شرطة. لم نشعر في ذلك الوقت أن المبنى صغير أو أن عدد العاملين فيه قليل، بل كنا نعد ذلك المبنى من أهم الصروح المعمارية في أبوظبي، إلى درجة أن الشارع الذي وقع فيه المبنى أطلق عليه اسم شارع الجوازات وما زال هذا الاسم سارياً حتى اليوم من دون أن ينتبه أحد إلى أن اسم الشارع لم يكن كذلك، وأنه حتى الآن لا يوجد حتى لافتة واحدة تشير إلى اسمه: شارع الجوازات، ولكن تناقل السكان جيلاً بعد جيل اسم شارع الجوازات، والذي لم يعد مبنى الجوازات الآن فيه، بل تغير إلى شارع آخر لم يستطع أن يحمل اسم شارع الجوازات. وأعود بالذاكرة إلى الضباط والموظفين الأوائل الذين كانوا في ذلك المبنى. كان المدير العام للتأشيرات والجوازات، والإقامة هو الأخ هلال سعيد الظاهري، بينما كان رئيس قسم التأشيرة المرحوم خلفان السويدي ورئيس قسم الإقامة حميد علي سيف. وبحكم عملي الإعلامي تعرفت إلى ذلك الرعيل الأول وجمعتنا صداقة حميمة، واكتشفت من هذه العلاقة مدى البساطة والتواضع في هؤلاء الشباب، فهم على خلق عظيم ونزاهة تامة وحرص على القيام بالواجب. برنامج الشرطة برنامج الشرطة في خدمة الشعب الذي قدمته في إذاعة أبوظبي في بداية 1971 جعلني ألتقي بمعظم ضباط الشرطة في ذلك الوقت، ولا تعجبوا، فالعدد كان قليلاً فعلاً كما هو الحال في معظم الدوائر الحكومية. على رأس هؤلاء الضباط، كان المرحوم حمودة بن علي والذي أصبح فيما بعد وزير الداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة. ولقد جمعتني بالرجل مناسبات كثيرة وقامت بيننا صداقة حميمة سمحت لي بالتعرف إلى أبعاد شخصية ذلك الضابط الذي قدم لبلاده أجود وأروع الخدمات وبكل بساطة ومن دون استعراضات إعلامية. كان حمودة بن علي "رحمه الله" يتحاشى الظهور الإعلامي، ويبتعد عن كاميرا التلفزيون وميكروفون الإذاعة، لا خوفاً ورهبة بل تواضعاً وإنكاراً للذات. ولكنه كان يصل الليل بالنهار في عمل دائب إسوة برئيسه سمو الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان للحفاظ على أمن الإمارة ونشر الاستقرار والأمان فيها. ولا أزال أذكر كيف كنا نفتخر خلال زياراتنا لبعض الدول العربية بمستوى الأمن الذي تحقق في إمارة أبوظبي، وكيف كنا نطرح أسئلة تبدو غريبة وغير معقولة. هل هناك مكان آخر في العالم غير أبوظبي تضع فيه سيارتك وهي مفتوحة الأبواب وطوال الليل والنهار من دون أي خوف أو وجل من سرقتها؟ هل هناك مكان آخر في العالم غير أبوظبي لا تهتم حتى بإغلاق بيتك عليك ليلاً؟ هل هناك مكان آخر في العالم غير أبوظبي تسير فيه بالشوارع بعد منتصف الليل بكل أمان واطمئنان؟ كان الشعور بالأمن والاطمئنان عامّاً على الجميع، وكل ذلك بسبب أولئك الرجال القلائل الذين حمَّلهم القائد المغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مسؤولية الأمن في إمارة أبوظبي وعلى رأسهم سمو الشيخ مبارك بن محمد وحمودة بن علي. قاسم مشترك ومن خلال لقاءاتي بحمودة بن علي "رحمه الله"، اكتشفت أنه يميل للشعر، وكان يطلب مني دائماً أن أسمعه بعض قصائدي إلى أن سمعته يوماً يلقي على سمعي إحدى قصائده النبطية. وهكذا كان الشعر سماعه وإلقاؤه ونظمه قاسماً مشتركاً بيننا. ولقد استمرت صداقتنا حتى كان ذلك اليوم الرهيب الذي سمعت فيه نبأ وفاته، كان ذلك في الثامن من سبتمبر 2001 وما زالت رثائية معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة المستشار الخاص لصاحب السمو رئيس الدولة في الرجل تتردد في فكري وقلبي، أعود إليها حينما أتذكر ذلك الرجل الذي كان صديقاً للجميع، وأردد مع الدكتور مانع: لمـاذا أرى الحـزن يبني سـدودَهْ أمـام دمـوعـي وينفـي وجـودَهْ أَأُنْكِـُر حـاجـة عينــي لدمـعٍ يقـول وداعـاً وداعــاً حـمـودَهْ رفيـقُ خطـايَ، صديـقُ صبـايَ وصـاحـب روح الوفـاء الـودودَهْ معاً نحن عشنـا هنـا فـوق رمـلٍ عـرَفْنـا نـداهُ العظيـمَ وجــودَهْ وسِـرْنا معـاً فـي ركـابِ زعيـمٍ وكنـّـا بكـلِّ اعتـزازٍ جنــودَهْ وهـا أنت تمضـي وحيـداً بصمتٍ إلى خـالـقٍ تستحـقُّ خلــودَهْ إليـه تـعـود وقـد عشتَ تـرجـو بلـوغَ رضـاهُ وتـرعى حُـدودَهْ ستبكـي عليـكَ عيــونُ رجــالٍ رأتْ فيكَ كـل الصفـاتِ الحميـدَهْ ويذكـركَ القـوم فـي كـلِّ ليــلٍ تضيءُ بـهِ الذكـريـاتُ المجيـدَهْ فمثلـك يبقـى وإن مــاتَ حيـّاً بأفعــالِ خيـرٍ تظـلُّ شهــودَهْ عاش حمودة بن علي حياته كلها في عمل دائب مستمر، وأعتقد أنه لم يسترح إلا في فراش الموت، حيث سكنت الحركة، وتوقف المحرك وأغلق رجل الأمن والأمان عينيه إلى الأبد، وغاب حمودة في رمال بلاده التي عاش ومات من أجل أن تظل حرة تقوم فوقها دولة عظيمة هي دولة الإمارات العربية المتحدة. ما زال حمودة بن علي بالنسبة لي حيّاً، أرى ابتسامته التي لا تفارق وجهه في كل محفل لأبناء دولة الإمارات العربية المتحدة أحضره أو أشارك فيه وما زالت كلماته ترن في أذني: "ثق يا أخ خليل، لا يوجد أجمل من بلدنا الإمارات". تلك كانت جملته المأثورة بعد كل زيارة يرافق فيها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "رحمه الله". اليوم، تتردد كلماته في روحي، وروحي تقول له: صحيح يا حمودة، لا يوجد أجمل من بلدنا الإمارات، ولا أوفى من رجالها، يا من كنت من أوفى الرجال
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©