الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فضاءات

فضاءات
2 يوليو 2008 23:50
الثـوري ميخائيل بتروفيتش أرتسباييف (1878 - 1927) ü ترجمة: عبدالله الشبلي غابرييل اندرسون، المعلم، كان يتمشى على حافة حديقة المدرسة، حيث توقف دون أن يقرر ما سيفعله· وهناك على مسافة تبعد ميلين بدت الغابة كحزام أخضر على صفحة الثلج الناصع البياض· كان يوما رائعا· مئات الألوان تلألأت على الأرضية البيضاء والقضبان الحديدية لسور الحديقة· هناك خفة وشفافية في الهواء لا تأتي إلا في أحد أيام اوائل الربيع· تحولت خطوات غابرييل أندرسون نحو هامش الحزام الاخضر للتسكع في الغابة· ''ربيع آخر في حياتي'' قالها بينما تنفس بعمق وهو يحدق الى السماء بنظرة· وكان يمشي مربعاً يديه الى الخلف ومدلياً عصاه· لقد تقدم بضع خطوات ولكنه لاحظ مجموعة من الجنود والخيول على الطريق خارج قضبان الحديقة· أزياؤهم الرمادية برزت بخفوت على صفحة الجليد، ولكن سيوفهم وأسرجة خيولهم قذفت بالضوء من جديد· كانت أرجلهم المقوسة تتحرك بشكل مربك على الثلج· تساءل اندرسون عما كانوا يفعلونه هناك، ثم فجأه ومضت أمامه طبيعة عملهم· انهم على وشك تنفيذ مهمة قبيحة، بل ان غريزته أخبرته بذلك· شيء غير عادي ورهيب كان ليحدث· ونفس الغريزه أخبرته أنه يجب عليه أن يختفي عن أعين الجنود· التفت الى اليسار بسرعة، وارتمى على ركبتيه، وزحف على الثلج الناعم الذي بدأ بالذوبان والطقطقة ليحتمي بكومة منخفضة استطاع من ورائها أن يرفع عنقه حيث يمكنه أن يشاهد ما كان يفعلونه· كان عددهم اثنا عشر وبينهم ضابط شاب ممتلئ الجسم في بزة رمادية شدها على خصره بحزام فضي أنيق، وجهه كان أحمر لدرجة أمكنت أندرسون من تمييزه بشاربه الضارب الى البياض وحاجبيه على صفحة وجهه المشرق، نبرة صوته المتكسرة وصلت بوضوح حيث يكمن المعلم صاغياً باهتمام· ''أعرف ما سأفعله، إني لست في حاجة الى نصيحة أي أحد'' صرخ الضابط· ثم صفق متخصراً يديه ونظر إلى أحدهم من بين مجموعة الجنود الصاخبة ''سوف أريك كيف تكون متمرداً، أيها البغيص الحقير''· تسارعت دقات قلب أندرسون ''الرحمة يا رب'' قال متسائلاً ''هل من الممكن؟!'' سرت قشعريرة في رأسه كما لو أن موجة برد ضربته· ''أيها الضابط'' صوت هادئ ومقيد جاء من بين الجنود ولكنه مميز ''لا تملك الحق·· إنه من حق المحكمة أن تقرر·· أنت لست قاضياً·· هذا قتل محض، وليس···'' ''أصمت'' رعد صوت الضابط، قالها بصوت يخنقه الغضب ''أنا سأعطيك محكمة· إيفانوف، أمضي قدماً''· امتطى الضابط حصانه ومضى بعيداً· لاحظ غابريل أندرسون كيف اتخذ الحصان طريقه بعناية واضعاً أقدامه على الأرض كما لو أنه يتراقص على أنغام موسيقى المينويت الكلاسيكية· أذناه كانتا منتصبتان لالتقاط أي صوت· كانت هناك لحظة من الضجيج والاثارة بين الجنود· ثم انهم تفرقوا في اتجاهات مختلفة، تاركين ثلاثة اشخاص فى زي أسود خلفهم، اثنان منهم كانا طويلان والآخر كان قصيراً جداً وهزيل· كان من الممكن لاندرسون أن يشاهد شعر رأس الشخص القصير· كان خفيفاً للغاية· وأذناه الورديتان كانتا بارزتان من جانبي رأسه· الآن فهم تماما ما كان ليحدث· ولكنه شيء غير عادي، رهيب للغاية، لدرجة أنه خيل له أنه كان يحلم· ''إنه يوم مشرق وجميل، الثلج، الحقل، الغابة، والسماء· نسيم الربيع حول كل شيء· ومع ذلك هناك أناس سيقتلون· كيف يمكن ان يحدث ذلك؟ مستحيل!'' ارتبكت أفكاره وجاءه إحساس كرجل أصابه الجنون فجأه وجد نفسه ليرى ويسمع ويحس ما هو ليس معتاداً عليه، ويجب ألا يسمع أو يرى أو يشعر· الرجال الثلاثة في الزي الأسود وقفوا بجوار بعضهم البعض بجزع الى جانب السور، اثنان منهما كانا قريبا من بعضهما، والرجل القصير كان مبتعداً قليلاً· ''أيها الضابط!'' صرخ أحدهم بيأس· لم يستطع اندرسون تمييز صاحب الصوت ''إن الرب يرانا!'' ترجل ثمانية جنود بسرعة متأبطين سيوفهم بشكل مربك· من الواضح انهم في عجلة من أمرهم، كما لو أنهم كانوا يسرقون· مرت عدة ثوان بصمت لحين اصطف الجنود الى جانب بعضهم على مسافة بضعة اقدام من الأشخاص في الزي الأسود موجهين أسلحتهم نحوهم· قام أحد الجنود بخلع قبعته، رفعها عالياً ثم وضعها ثانية من دون أن يزيل الثلج من على رأسه· لا يزال حصان الضابط بأذناه المنتصبتان يتراقص في نفس البقعة· في حين ان غيره من الاحصنة وقفت ساكنة تنظر الى الرجال في الزي الاسود، ورؤوسها الطويلة مائلة الى أحد الجانبين· ''ابقي على الطفل على الأقل!'' فجأه اخترق صوت آخر الهواء ''لماذا تقتل طفلاً، تباً لك! ماذا فعل الطفل؟'' ''ايفانوف، افعل ما آمرك به'' رعد الضابط، وأغرق صوت الآخر· انقلب وجهه قرمزياً كقطعة من الفانيلا الحمراء· أعقب ذلك المشهد الوحشي والمفرط في الشناعة· ذلك الشخص القصير في اللباس الأسود بشعره الخفيف وأذناه الورديتان الذي أطلق صرخة صاخبة بنغمة طفولية حادة وانكب على جانبه· فقام جنديان أو ثلاثة بمحاصرته فوراً، ولكن الصبي بدأ بالمقاومة فتدخل أثنان آخران من الجنود· ''آه·· آه·· آه·· آه!'' صرخ الصبي· ''دعوني أذهب، دعوني اذهب! آه·· آه'' صوته الحاد اخترق الهواء كخنزير عالق لم يمت بعد· فجأة، صمت الصبي· يبدو أن أحدهم قد ضربه بقوة· وبعد ذلك الصمت الغاشم غير المتوقع دُفع الصبي الى الأمام وجاء صوت آخر ليصم الآذان· اندرسون بدأ في التراجع والارتعاش· رأى بوضوح، ولكن بشكل مبهم كما في حلم، سقوط اثنين من الأجساد الداكنة، ووهج شرر شاحب وتصاعد دخان خفيف في ذلك الجو الصافي المشرق· ورأى هيئات الجنود المتصاعدة بعجل على الخيول من دون أن يلتفتوا الى الأجساد على الأرض· رآهم يعدون على طول الطريق الملطخ بالطين، باسلحتهم المتقعقعة، وحوافر خيولهم المتبعثرة· رأى كل هذا، والآن يقف وحيداً في منتصف الطريق دون أن يدري متى ولماذا قفز من وراء الحاجز· لقد كان شاحباً ووجهه مغطى بالعرق وجسده كان متحجراً· موجة من الحزن أصابته وبدأت تعذبه، لم يستطع أن يعبر عن شعوره وكان أقرب الى المرض الشديد والرهيب· بعد أن اختفى الجنود وراء منعطف في الغابة، أسرع الناس الى مكان إطلاق النار ولكن لم تكن هناك ثمة روح حية تلوح في الأفق· الأجساد كانت ملقاة على الجانب الآخر من السور حيث الثلج كان ناصعاً وهشاً ولم يطأه أحد وحيث تلألأ ببهجة في ذلك الجو المشرق· كانت هناك ثلاث جثث، رجلين وصبي· الصبي سقط على عنقه الطويل الناعم ممدداً على الجليد· وجه الرجل الذي كان بجانب الصبي كان مختفياً، حيث انه سقط مواجهاً الأرض فى بركة من الدماء· الثالث كان رجلاً ضخماً ذو لحية سوداء كبيرة وعضلات بارزة· كان ممدداً على طول جثته الضخمة، وذراعاه امتدا على مساحة كبيرة من الثلوج الملطخه بالدم· الرجال الثلاثة الذين قتلوا سقطوا ساكنين كالأشباح السوداء على صفحة الجليد البيضاء· من بعيد لم يكن لأحد أن يتصور مدى الرعب الذي حف ذلك المكان الجامد حيث يرقد الثلاثة على حافة الطريق المكتض بالناس· في تلك الليلة غابرييل اندرسون في غرفته الصغيرة في سكن المدرسة لم يكتب قصائد كالمعتاد· كان واقفا عند النافذة ونظر من بعيد الى قرص القمر الشاحب في السماء الزرقاء الضبابية، وهو يفكر· أفكاره كانت متداخلة، ومظلمة، وثقيلة كما لو أن سحابة هبطت على دماغه· بغموض وفي ضوء القمر شاهد السور الحديدي المظلم، والأشجار، والحديقة الفارغة وبدا له أن القتلى الثلاثة يرقدون على جانب الطريق، في ذلك الحقل الصامت وهم ينظرون الى القمر البعيد المتجمد بأعينهم البيضاء الميتة كما يراه هو الآن· ''سيأتي الوقت يوماً ما'' قال متفكراً ومحدثاً نفسه ''عندما يكون قتل الآخرين مستحيلاً، سيأتي الوقت الذي فيه يدرك الجنود والضباط الذين قتلوا هؤلاء الثلاثة وأن ما قتلوهم لأجله لم يكن ضرورياً· كما أنه كذلك لأولئك القتلى''· ''نعم'' قالها بصوت عال وبرزانة، وتبللت عيناه ''ان الوقت سيأتي· وسيفهمون'' فانكشف وجه القمر الشاحب له· اجتاحت الشفقة قلبه على اولئك الثلاثة الممددين الذين تنظر أعينهم الحزينة الى القمر دون ان تراه· واستولى عليه الشعور بالغضب· ولكن اندرسون غابرييل اسكت قلبه، وهمس بهدوء، ''انهم لا يعرفون ما يفعلونه''· هذه العبارة القديمة أعطته قوة ليضيق الخناق على غضبه وسخطه· ü من قصة قصيرة ـ طويلة تصور واقع الحياة في روسيا القيصرية قبل وقوع الثورة البلشفية غابة القمر فرانك أندريه جام ü ترجمة: عبد الكريم كاصد أواثقٌ أنت من يدك يد النهار؟ يدك يد الليل؟ أقادرٌ أنت أن تجعل الصندوق الفارغ يغني؟ üüü نركض نقف مسمّرين نبحث ولا نجد ثعالب خائفة في حفرة فاغرة üüü امرأة من الصعب أن تتقاطع معها نيران تاجر الثلج شارع أسرع من الخطوات üüü الكلّ بعيدون·· بعيدون دوماً أينما تذهب حتى المراوح لها لغتها üüü عالم ساطع حتى الدموع ورقة ذهبية صغيرة تُطرق في لحظة üüü أرض شديدة الخضرة حتّى الصباح صعب هو الخروج من الحفرة حاول ألاّ ترجع üüü النهار الليل الخوف الصمت والمطر الشيء الكبير يتحرك قليلاً üüü نغادر ثانية من أجل أن نعود ليس إلاّ الكلّ ولد في المنزل نفسه üüü عالياً هناك الليل هنا الظلام الاضطراب يعاند üüü أهو؟ لا مجرد أصوات ضحكات ماضٍ مايزال قبل üüü يعثرون يُخدعون مع ذلك أفواههم ترى العالم خلف المطر üüü الصعود أو الهبوط أو الاثنان معاً سنة أخرى تمرّ ü فرانك أندريه جام شاعر فرنسي معاصر، ولد سنة 1949 نشر خمسة كتب، وعدداً من من الكتيبات التي احتوت على رسوم لاصدقائه· كان موضع تقدير هنري ميشو، ورينية شار الذي عهد له بالإشراف على طبع مجموعته الكاملة، عُرف أيضاً بترجمته للشاعر البنغالي لوكيناث باتاجاريا، وبإدارته لعدة دور نشر صغيرة· صمت مقعّر في باحات البيوت خورخي لويس بورخيس ترجمة: حسونة المصباحي رونده (1) الإسلام الذي كان السّيف الذي سحق الشرق والغرب وكان جلبة المعارك على الأرض وكان وحياً ونظاماً وكان تحطيم الأصنام وتحوّل كل شيء إلى إله واحد، وكان زهرة وخمرة الصوفيّ والسجع القرآني والأنهار التي تكرر المآذن واللغة اللامحدودة للرمل والجبر، تلك اللغة الأخرى، وذلك البستان الواسع الذي هو ''ألف ليلة وليلة''، والرجال الذين شرحوا أرسطو، والممالك التي لم تعد غير أسماء من رماد وتيمور لنك وعمر الذين غزوا البلدان، إنه- هنا في رونده في الظلّ الناعم للبصير، صمت مقعّر في باحات البيوت، والهمس الخافت للماء الذي يطرد كل ذكرى للصحراء· حلم في مكان صحراوي في إيران، يبرز برج من الحجر، واطئ بالأحرى، ومن دون أبواب ونوافذ· في الغرفة الوحيدة (التي أرضيتها من الطين اليابس ولها شكل دائري)، توجد طاولة خشبية وكرسي· في هذه الزنزانة الدّائرية هناك رجل يشبهني يكتب بأحرف لا أفهمها، قصيدة طويلة عن رجل يكتب في زنزانة أخرى قصيدة عن رجل في زنزانة دائرية الشكل··· المسار بلا نهاية· ولا أحد سيتمكن من قراءة ما سيكتب المساجين·· اسطنبول قرطاج هي المثال الأكثر جلاء ووضوحاً لثقافة مغتابة ومفترى عليها· ونحن ليس باستطاعتنا أن نعرف عنها شيئاً· وفلوبير لم يعرف عنها شيئاً إلاّ ما قاله عنها أعداؤها الذين كانوا قساة وشرسين· لكن ربما لا يمكن أن ينطبق هذا على تركيا· نحن نفكر في بلد يتميّز بالشراسة والعنف· وهذا أمر يعود إلى الحروب الصليبية التي كانت الفعل الأشدّ شناعة فيما سجّله التاريخ، ولم تقع إدانته بشكل كاف· ونحن نفكر في الكراهية المسيحية التي كانت بدون شكّ بنفس قوة الكراهية الإسلامية، وبنفس تزمت هذه الأخيرة· وقد غاب في الغرب اسم تركي كبير· والاسم الوحيد الذي وصل إلينا هو سليمان القانوني، أو سليمان العظيم كما يلقبونه· وأنا، ما الذي يمكن أن أعرفه عن تركيا في ظرف ثلاثة أيام؟ لقد رأيت مدينة رائعة، و''البوسفور''، و''القرن الذهبي''، ومدخل ''البحر الأسود''، والذي اكتشفت على ضفته الأحجار الرونويّة (2)· وقد سمعت لغة بديعة تذكرني، لكن بشكل ألطف، باللغة الألمانية· ومن المؤكد أنه من هنا تمرّ أشباح أمم مختلفة ومتنوّعة· وأنا أخيّر التفكير في الاسكندينافيين الذين كانوا يشكلون حرس إمبراطور بيزنطة والذين التحق بهم الساكسونيون الفارّون من إنجلترا عقب معركة Hastings. ومما لاشك فيه أنه علينا العودة إلى تركيا، لكي نكتشفها من جديد· (1) مدينة في الأندلس· (2) المتعلق بالروني، وهو حرف الألف باء المستعمل في اللغات الجرمانية القديمة· والفن الرونوي هو الفن الاسكندينافي بين القرنين الثالث والعاشر· المكان ستانلي ميروين ü ترجمة: محمد خضر في آخر يوم من العالم أريد أن أزرع شجرة لأي سبب وليس للفاكهة وحسب الشجرة التي تحصل الفواكه ليست من تلك التي كنا نزرعها أريد الشجرة ذات الأجنحة على الأرض وللمرة الأولى أريدها مع الشمس تغوص والماء يمس جذورها وفي الأرض الممتلئة بالموتى تعبر الغيوم واحده تلو الآخرى على أوراقها ü ولد وليام ستانلي ميروين في نيويورك عام ،1972 كتب الشعر في الخامسة من عمره، ترجم الكثير من الأعمال الأوربية والآسيوية، منح أغلب الجوائز الأمريكية، منها سلسلة يايل لجائزة الشعراء، وجائزة بوليتزر عام 1970 عن كتابه ''ناقل السلالم''، وجائزة الدباغة الأولى· قصائده مبهمة ومراوغة في آن، تناولت فهماً إنسانياً وقدرة لغوية لإبداء التجريب دوماً، ويبدو تأثير بليك واضحاً عليه في الشكلية والمواضيع الأسطورية، له أكثر من 20 ديوان شعري منها: التلميذ والثعلبة وصوت النهر، ومعظم كتبه الشعرية حازت على جوائز مهمة ومختلفة، يعيش حالياً ويعمل في هاواي· ويشتد هذا الحصار علي ميّ ويشتد هذا الحصار·· فيساق الصغار مواكب زهر إلى المقصلة يساق الكبار تخوتا تخوتا إلى المهزلة وغزة لا تنتمي للفراغ لا استسلمت للسكون الرخيص وما سلمت سيفها للصوص لكي يرقصوا فوق جثتنا المهملة وليل المدينة يستر جرم الغزاة كأن الدجى ها هنا قد غداً ستائر موت على ذبحنا مسدلة وغزة تصطاد جند الغزاة غراباً غراباً وتجلد صمت القريب بسوط العتاب ولا تستقر على حالها تنام وتصحو على جرحها وتمشي على غابة من حراب ويشتد هذا الحصار ويلتف حولي كأفعى جدار وبحر ونار ولكنني لن أودع ليل الخنادق إلى حجرات الفنادق لن أسلم تلك الدروب لناي الغريب لأنني مللت انحسار ظلالي وذل الحروب لن أسلم تلك الدروب لن أسلم مفتاح عزتنا للهزائم أنا قد مللت انسحاب خيولي مللت سماع خطاب الهروب وإن طال ليل القتال لن أقول إلى قاتلي يا غزال تعال وخذ عنبي·· وخذ ولدي وخذ من سمائي الهلال وأعلنها في الرجال: لن نسلم هذا الجسد للعدو سوى قنبلة لن نسلم هذا البلد لن نفرط في سنبلة ويشتد هذا الحصار وما كنت أعرف من يحاصر من يدي إن قبضت بها عنق المعتدي تصير كفن وجروحي نوافذ منها أرى بيرقي وطموحي والليل ليس ثقيل إذا ما عرفنا بأن الصباح العليل سيأتي بعيد قليل سيسقط هذا الحصار سنصنع من سورهم قبوراً لهم وعند طلوع النهار سنرمي أحاديثنا عن سنين الطغاة إلى هامش الذكريات سننسى بعيد زوال الشتاء شكل خيام الشتات سنشرق كالشمس في كل صبح ونمضي إلى بيدر القمح مع طائر الأغنيات سنهمل ما قد حفظنا من الكلمات التي خطها الشعراء على الجمرات وفي أول الليل سوف نعود إلى امرأة تهدهد قلبي على ركبتيها وفي آخر الليل سوف ننام على شرفة الدار دون دثار فنحن عرفنا بأن جحافل جيش التتار استحالت غباراً تراكم بعض السنين على نخلنا من ثم طار· غُرباء موزة عوض في الطريق إلى العتمة الأولى تساقطت خمسُ قطرات من ظلم والأخيرة منها·· لم تقل ما تريد غريبة من يقين وسقيمة لحنين تعلن الحرب وتسجد مع ضجيج الصراخ وشجر الظِل ففي الطريق الأول غربة·· كانت تتراكض نحوي وقلقها يتربص الوجع نفسه غير مستأنس بحضرة المطر هناك أين هو الامتلاء من كل شي؟ أين الجسد الذي يمحي عرى الخطيئة؟ غرباء بمثقال أطنانٌ من التساؤل وتضاد لأرواح الحب كتقاعس الجسد في أثم غرباء حين شطبوا الاسم الأخير والنبض الأول والجهة المتعطشة للنبع هناك دعني·· بين أهداب حلمكَ الصغير وأجري معي خلف تلك الغيمة المملوءة بالحب والمطر·· ولا تقلق فبسمتك ستعلن فرحي واستيطانك غريبة أنا هذا ما نَطقتْ بها حروفي مع بداية السفر وخيوط الليل المعتم أغلقت بابها وانتظرت قطارا للشوق üüü هكذا أقاوم مع الجيوش الجرارة وأتألم بفرح ألملم ضفائري أمام المرآة وأحتويك ككل الأشياء المرغوبة قد لا تصدق إن في الغربة صدى واكتمالٌ الحديث فلغتي تؤكد بأننا غرباء نبحث عن قطعة خبز وقنديل بضوء شمس ومدينة تلملمنا باحتواء ورقص على عزف الناي الحزين ونبحث·· كثيراً حيث جريان الأودية مع مطر المساء والحيرة القابعة شريان فتنة·· لم يعد ما يغري فهناك·· دمعٌ يجري وهنا·· وطن يبكي وآخر الأرض عابرون يغامرون بتصحيح الأخطاء لم يعد شيئ يبكيني الحدود مُغلقة إلا·· قليلاً من حُب متوحداً عند شرفة التحليق مع هجرة النوارس ووهم الرياح غريبة أنا هكذا· سأمددها على مدى لهفتي إليكَ وبالأساطير القديمة سوف تعبر بصداها مع الغرباء والعابرون مدينتي وربما افتح طريقا يؤدي إلى قلبكَ· نوستالجيا فاطمة بن محمودü تتطلع المدرّسة في وجوه التلميذات: لو يعود الزمن قليلا أسوي بعض تفاصيل وجهي ألملم كتبي والأمنيات أرتل أشعار المتنبي وأبوس وردة جفت بين الصفحات üüü لو يعود الزمن قليلا يحط حذو فانوس طاولتي فأرى أحلامي المزروعة على الورقة أرى أفقي الضيق ورحابة وجعي وكم غصت في حلقي الزفرات üüü لو يعود الزمن قليلا يرن الجرس الآن تستفيق المدرسة من تداعي·· الامنيات فرح هذا الصباح حزين والوجوة كئيبة هذا المساء موحش والخطى··· شريدة هذا اليوم يشرق لو··· اكتب قصيدة ü شاعرة تونسية مرايا الشوق حاتم قاسم ü يطير الشوق أجنحتي مرايا وحرُّ الشوق أنجمها مرادي أروني الشمس أسألها المنايا طريق المجد تعرفه جيادي فلا تخبو الضلالة في عيوني وسهمك مورق الأجفان غادي فكم سرنا على جمر مسجى وشبَّ الجمر من عين الرماد وإن حملوا جراحي في أكفٍ حملت جراحهم فـوق الأيادي وهذي الريح من عينيك تسري فأنت العزم في كف الرشاد قوافينا تراقصها غيومي وأنت البرق ينضح من وهاد فلا نبع يروّي شوق دمي أنا العطشان من يروي فؤادي؟ سل الأيام ذاكرة تندت تقاسي الهم في كف المزاد ربيع العين ما انفكت رؤاها يفوح المسك في يوم الحصاد وها ذكراك أشربها بمر فكيف العيد مزق كل غاد أعيد الصبر توسعه همومي ويغشى الهم يغرق في امتداد فأي اللحن تنشده الروابي ولحنك أدمع فيه اتقادي تذوب النفس في حب توارى وطيب العود من مسك الأيادي أقيد الهم تسحقه جفوني وفجر الشوق ينبوع السهاد أعن جرحي تمر النفس صبراً فما صبري على جرح البعاد طليق الخطو تنثرها عظامي ونسر الأرض تعرفــه وهادي يفيض البيدر المشتاق حباً شربنا الحب من عين الصوادي فكم كحل تعثر في عيوني وكحل العين مرودها بلادي عجاج الدرب يُكسى من لهيب هطول الجمر في ساح الأعادي خيول الفجر تكفلها عيوني محجلة عليها العطر بادي وشوك الأرض تقلعه أكفي يهون الجرح في عين الجواد يشق لهاثنا أرض تسامت بها الأمجاد من شـيم المبادي ولون الحرف من هام الثريا ثراك الروض في يوم التنادي حماة القلب إن هبوا نشامى وينبوا القمح من وقع الجراد وإن ضاقت فللكون اتساع شواسع لحننا في كل وادي وإن عبرت فللدنيا هدير كأن الصبح يرفل في الـشداد بشوق الأرض إن سرت وسرنا تموج الروح في لحن ارتدادي فكم نامت على جمر المنايا ليوقظ جرحها نزف الضماد وإن هبت خيول الفجر تألو لحوض الماء موردها جيادي ü سوريا عيـب زينب عيسى الياسي ü عقدت حاجبيها، برزت تقاطيع وجهها، أفرج شدقها عن طقم أسنان اصطناعية، كاد يسقط من شدّة حنقها، يسقط معه ملفعها الذي لا يبارح رأسها أبداً حتى في أوقات منامها، كاشفاً عن شعرها الفضي بتماوجه كتماوج مياه الخليج، توقّفت عن كركرة ''الكَدو''، دفعت دخانه بشدة من صدرها: ـ لا حياء لك يا بنية، عيب مشية البنت بلا ملفع أمام الكبار· أجابت مسرعة بخوف: ـ إن شاء الله جدّتي· ضربت بعصا ''الكَدو'' على الأرض، فتطايرت ذرّات غبار من السجاد: ـ هيا·· هيا·· لا يجلس الصغار في مجلس الكبار· قفزتْ من فورها، تقافزت معها جذائلها، أمسكتهما بيديها خشية أن تتنبّه إليهما جدّتها· üüü في حوش الدار، حيث زريبة الغنم، جلست إلى جانب أختها، تراقب رؤوس الغنم وهي تأكل البرسيم، تتلاعب أسنانها بصورة غريبة، يتمازج سائل بالأسنان واللسان مع أعواد البرسيم، تحاول تقليدها، تفتح فمها على اتساعه وتطبقه، كأن لقمة سائغة فيه، يُصدرُ فمها صوتاً شرهاً، تحدجها أختها بسخرية، تلكزها بكوعها: ـ عيب عليكِ·· هذه تصرفات صغار· نظرتْ إليها حائرة، أقفلت فمها، أسندت فكّها على راحة يديها، تشاهد الماشية تأكل، تشرب، تفرغ بطنها، ضحكتْ، أشارت بسبابتها ناحية الغنمة: ـ ''فطيم''، انظري الغنمة· وقهقهت وهي تخفي أسنانها بكفها، فرحة باكتشافها· ضربتها أختها على قفاها: ـ عيب·· لا تشاهديها وهي تتبرز· دُقَّ جرس الباب، فرخة الباب تهتز، هناك من يقف خلف الباب، نطّت من مكانها، سحبت ملفعاً صغيراً من حبل الغسيل، لفّته حول رأسها، أمها تقول: ـ البنت الكبيرة تستر رأسها عن الرجال· يومها، سألتها: ـ لمَ يا أمي؟! ـ عيب الرجل يرى المرأة مكشوفة الشعر· أومأت إلى أمها إيجاباً، ولكنه محمّل بالكثير من الاستفهام· فتحتْ فرخة الباب، أطلّ ''برهوم'' صبي الخباز، بيده حزمة خبز يتصاعد منها الدخان: ـ ''مريوم''، هذا الخبز طلبه والدك، قولي له الحساب بأربع آنات· ـ إن شاء الله· أقفلت الباب راجعة، صوت نعال ''حمود'' يسحب على الأرض، يشي بالكسل في مشيته: ـ ألم أقُل لك لا تفتحي الباب· ـ أنا لابسه الملفع· ـ وَلَوْ·· أنت كبرت·· عيب تفتحين الباب· üüü جلسوا حول السفرة، صحن الرز والسمك، الكل يأكل في صمت، شهق ''حمّود'' غاصّاً، يقافزه ''أبوفاق''، غمزته بعينها، تقلّد حازوقته، نظرت إليها عمّتها: ـ قليلة حيا·· عيب البنت تغمز بعينها· تسمّرت في مكانها، ازدردت لقيماتها بتؤدّة· قبل أياّم، في جلسة صباحية بين نساء الفريج، جَلَستْ على عتبة باب حجرتها، تنصت إلى حديث النساء، تقافز بإصبعها بين عتبة الباب وأرض الحجرة، تلعب بإصبعها ''التوح''، تهفو إلى لعبة حقيقة؛ فهي الآن كبيرة كما تقول أمها، وعيب تلعب ''التوح''، سمعت إحدى النساء تقول: ـ المرأة بيت عيب·· ليست كالرجل· توقّفت يدها عن القفز على العَتَبَة، سارت بسبابتها وأصبعها الوسطى بحذر، غطّتهما بطرف ملفعها، وهي تنظر نحو النساء خشية أن يرينها، تبدو الإصبعان كالأقدام، لابد من تغطيتهما، جدّتها تقول: ـ البنت يجب أن تتستر· بعد انفضاض النساء من جلستهن، خَطَت ''مريم'' نحو غرفة جدّتها، رأت جدّتها تقرأ القرآن، جلست بجانبها، أسندت رأسها على كتفها، أنهت جدّتها تلاوتها، خلعت نظّارتها، وضعتها بجانب القرآن: ـ مريم الريم، شيخة الحريم، ماذا تريدين؟ وهي مسندة رأسها على جدّتها: ـ جدّتي كيف تعرفين العيب· أجابت الجدّة: ـ بالنظر يا ابنتي·· انتظرت نهوض جدّتها عن كرسي القرآن، شاغلتها لكي تنسى نظارتها، ذهبت الجدة إلى سريرها لأخذ سنة من النوم، اقتربت، صافحت يديها الصغيرتين نظارة جدّتها، لبستها، غبش المكان من حولها، تقافز الأثاث من حولها كأشباح طائرة، تساءلت مفكرة: ـ لمْ أرَ عيباً بالنظارة، جدتي قالت: العيب يرى بالنظر· ـ لا تلعبي بكشمتي (نظارتي) خلعت النظارة على عجل، ووضعتها على كرسي القرآن· مساء·· حيث وسادتها، واللحاف دثارها، حدّقت عينيها في الظلام كأوسع ما يكون، حدثتْ نفسها: ـ تقول لي أمي عيب البنت ترفع صوتها بالكلام، وتقول جدّتي عيب البنت تضحك بصوت عالي، ويقول أبي عيب البنت تخرج في الطريق للعب، وتقول ''فطيم'' عيب ننظر للغنمة وهي تقذف قذارتها، ويقول ''حمود'' عيب أفتح الباب بدون ملفع·· لا أدري ماذا أفعل؟ كيف لي أن لا أفعل العيب؟ يقولون لي: كل عيب تقدمين عليه· ماذا أفعل، العيب يحدث بنفسه من غير ما أدريه· لكن··· ماذا يعني عيب؟!· ü قاصة إماراتية في الحديقة ادهم سراي الدين بينما أطفأ الكون شمسه الوحيدة، وغفا مع ترانيم المساء، كطفل هدهدت له أمه أغنية الحمام، دخلت امرأة الحديقة· سارت في الدرب الضيق نحو مقعد خشبي في ركن بعيد· على المقعد جلس رجل· بدا ناحلاً قليلاً يقلب بين يديه أوراق جريدة صفراء·· أمامه انتصبت شجرة كينا· كانت فارعة الطول تتمايل أغصانها مع الريح· في عليائها بدا القمر، معلق كقنديل عتيق، ينثر أشعته الحليبية ليغسل فيها المعقد الخشبي والرجل الناحل ذو الجريدة الصفراء· وبينما المرأة تسّرع الخطا تجاه الرجل، سمعت صدى صوته ينتشر في نسيج الظلمة· ''مع من يتحدث؟'' تساءلت ثم توقفت في منتصف الدرب· نظرت إلى الرجل: كان وحيداً، يلوح بيده وينظر إلى زاوية بعيدة· üüü ـ لم لا تكلم غيري يا ''ليل؟ صاح الرجل· أمنزعج من حضوري؟ ـ بل من كلامك· الجميع بات يتهمني بالجنون· يسألونني، تكلم نفسك؟، وعندما أقول لهم إنه ''الليل''· يندهشون، أو يبتسمون، وأحياناً يتهامسون· يقولون: مخبول·· شاعر مسكين· هل يرضيك هذا؟ ها قل لي هل يرضيك هذا؟ صرت مجنوناً بسببك· يغطي وجهه بيديه· ـ يا صديقي لا أخفيك أنني أتمتع بصحبتك· ومن يرغب عن صحبة الشعراء·· ولا ذنب لي إن كنت تسمع صمتي، وأنت تكتب ما تسمعه مني؛ عن الذين يساهرونني ولاينامون، إما لأنهم جياع أو عشاق، أو مفجوعين أوشعراء· عن السارحين في الطرقات بين الأضواء· التائهين في زحمة المدن والأفكار· يصمت الليل ثم يردف: ـ أحدهم قادم· üüü ·· وتقترب المرأة من الرجل· ـ حبيبي أفزعني صراخك· كنت منفعلاً، ولم تنتبه لحضوري· تمسك يديه وتجلس إلى جانبه على المقعد الخشبي: حبيبي مع من كنت تتحدث؟ ـ لن تصدقيني· ـ أنا دائما أصدقك·· أصدقك· تأخذ رأسه على صدرها· يهدأ الرجل ويأنس بدقات قلب المرأة··· يرفع رأسه وينظر في عينيها: ـ صوتك جداً عذب· أنت رائعة كملاك·· هل تصدقين! إنه ''الليل''· صديقي لكنه يعذبني قليلاً· ترتسم على وجهه ابتسامة تنبس هي: عيناك كفجر شتائي مضمخ بالضباب· تمسح بيدها على شعره: لم كل هذا الحزن في تلك العينين· يقول: إنه حزن المقهورين على الأرض· ـ ولم تشعر بالقهر؟ يفاجئه السؤال· هو لم يفكر أبداً، لم يسكنه القهر· ويكور عينيه دهشة ويقول: والله يا سيدتي·· والله يا حبيبتي لا أدري؟ لكن إن أردت سأخلع من أجلك رأسي، إما أن تجدي جواباً، أو تطفئي العينين الحزينتين· وخلع الرجل رأسه· وضعه على المقعد بينه وبين المرأة· نظرت العينان إلى الرجل· كانتا جاحظتين مستغربتين· وقال الفم: هذا الرجل الذي تحبينه حقاً مجنون·· وأنا سأفتح لك رأسه، وأصنع بساطاً من الكلمات لتطيري في فضائه··· وراح الفم ينسج بساطه اللازوردي· صعدت المرأة، وطارت في فضاءات الرجل بين رأسه وقلبه··· الليل سمع ضحكاتها، وشاهد القمر دموعها· وعندما خرجت قالت: ما أنت إلا شقي في رأسك عبث، وشقاوة طفل· وأعادت الرأس على رقبة الرجل ثم نبست: احزن وافرح ثم اكتب فهذا ممرك الأخير· وإلى تلك المرأة أهدى الرجل الناحل بعض كتاباته··· توق اخضرار مريم جمعة عبدالله حاولت استمالة الريح حين واجهتها، لكن تصلب غصنها الجاف خذلها، الجدار المتقشر الذي نبتت بجانبه واصل صمته الأبدي، فيما ودعت آخر أوراقها النسغ وسقطت متكومة بجانب أخواتها، في تجربة أولى لليباس·· عارية واجهت الريح، عارية وقفت في وجه آت عاصف جردها من ابتهاج، ذهول، وتقاطر الحزن على الجذع المستشف لرؤى متواترة عن زهوة الاخضرار، تعمق ليحتوي الجذور التي كانت تئن في حلم ارتواء وتلاشى الفيء· لم تتأن السحب، مرت سريعا مقتفية أثر الريح، فيما العصافير تجاوزتها ضانة بالأغاني الملونة، بألم نظرت إلى ظلها الذي ارتقى الجدار خطوطا رفيعة متعرجة لهيكل بائس· استمطرت الصبر، الليل غشي باردا، بألم اشتاقت استباقات العصافير إليها، اشتاقت دفء أرجلها وهي تحوط أفنانها اللدنة، تجذر في العروق توق اخضرار· وحده الجدار المتقشر ظل يساندها بصمت، لذلك قررت أن تختبر حكمة الصمت! أصغت في هدأة الكون لالتماعات النجوم، تسمع صوتها الآن ينساب أشعة شفيفة متراقصة في سماء مدلهمة، ويأتلق الضياء، ليغمر وجه سحابة واهنة، سرى إليها من البعيد أنين هياكل بائسة، ما بال الليل امتلأ بالضجيج! كل ما كانت تظنه صامتا نطق في لحظة قررت الصمت، المكان من حولها تحول لعالم خرافي تنهض فيه الكائنات من السكون وتنطق في الظلمة، تبوح بأسرار وحكايا، ثم تغرق في خشوع تسابيح· من العمق·· من ذرات التربة المتشبعة بتاريخ قوافل وكائنات تنامى إليها همس استفزها: لدورات الزمن وعد يأتي·· وعد يأتي·· وعد يأتي·· وعد يأتي غدا الهمس أغنية عذبة صدحت بها أطياف العالم الخرافي·· ارتجفت·· انتشت·· تلقفت الكلمات حلما رضيعا أسكنته دواخلها·· سربته بحنان للجذور الغافية·· استفاق الأمل·· منح الجذور طاقة الحب·· تغلغلت في التربة·· تشبثت بعبقها··· أعادت صياغة النشيد بذات اللحن الخرافي· من عمق اليباس تتنفس الحياة، للاخضرار وعد يأتي، للاخضرار وعد يأتي، عاشت أيامها لذة الانتظار يوم ويوم ويوم ······ ······ تململت نتوءات صغيرة شاقة اللحاء البني، في صباح شتوي اكتسى الجدار المتقشر الصامت بظل وارف فيما كانت العصافير تداعب الأغصان اللدنة بأغان خضراء·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©