الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مرثية الخوف من الأصوات والأماكن

مرثية الخوف من الأصوات والأماكن
2 يوليو 2008 23:36
اللافت أن نص ''مسرحية العميان'' من تأليف الكاتب البلجيكي موريس ماترلينك، الحائز على جائزة نوبل للآداب في العام ،1911 نظراً لاصالة كتاباته الادبية والمسرحية، وتميزها الواضح عن الأشكال المألوفة· ونظراً لكونه من أهم كتاب المسرح في القرن العشرين، ويخوض دائماً في عالم التراجيديا والشخصيات التي تتداخل مع العبثية، وتسبر أغوار الرؤى والأحلام من خلال ملامسة دوائر الواقع· ومن الجدير بالذكر، أن لينا ابيض، بترجمتها للنص المكتوب في العام 1981 باللغة الفرنسية، (شاركها في الترجمة الروائي رشيد الضعيف)، استطاعت ان تلتقط إمارات الرموز المتوخاة من الجوانب النفسية لأبطال العمل، وتمكنت بشفافية وعمق من مسرحة هذه الجوانب، قياساً للأبعاد اللامرئية، وللمساحات المجهولة التي وقع العميان ضحية لها في يوم من الأيام· أحداث المسرحية جسدها الممثلون (وهم طلاب جامعيون) على الخشبة التي أعدتها المخرجة لتشكل ألواحاً خشبية أشبه بشكل سلالم واطئة الارتفاع·· إيحاءً منها بصعوبة استكشاف ارض الغابة التي وجد العميان انفسهم فيها بدون مرشد· حيث ذهب الدليل ليأتي بالخبز والماء للطفل الموجود بينهم·· ولم يرجع· فتبدأ من هنا رحلة الخوف المضاعف·· من عتمة العمى، ومن غرابة الموقع أو المنتزه الذي اصطحبهم إليه الدليل، ليمضوا يوماً جميلاً في ربوعه المحسوسة والمسموعة، دون المرئية! ''اثنا عشر رجلاً وامرأة وطفل واحد، قادهم كاهن عجوز مريض، أراد لهم التمتع بآخر يوم شمس قبل اقتراب فصل الشتاء''· فكان ما كان· انطلاقاً من ذلك كله، ينتفي واقع الحركة والتنقل عند العميان، فهم لا يعرفون درب العودة الى الدير، وتنشط الحوارات الصادحة فيما بينهم لتهدئة مخاوفهم، كما تنشط المطالبة بالصمت في بعض الأحيان، لمحاولة إيجاد تفسير لكل الأصوات التي يسمعونها: الأمواج، العصافير، هبوب الريح، أوراق الشجر الميتة، تساقط الثلج· وقد كان جلياً تلك التخيلات التي تخيلها البعض منهم بشكل خاطئ، بسبب الخوف·· لذلك تصاعدت وتائر الرعب في نفوسهم·· الى ان سمعوا صوت الكلب الذي يخص الدير الذي يعيشون فيه، فتعالت منهم صيحات الفرح للحظة·· ويمسك أحد العميان بالكلب الذي يشده بدوره باتجاه جسم لم يره بطبيعة الحال أحد منهم· وعندما يتحسس هذا الجسم، يدرك بهلع انه جثة·· كما يدرك الجميع بعدها ان هذه الجثة هي لمرشدهم العجوز! هنا تملأ الصرخة مداها المسرحي والمصيري والتراجيدي في آن معاً: انقذونا· وتتوارى أسرار الوجود خلف اسئلة النفس التي فقدت نعمة البصر· على صعيد آخر، شكلت عناصر الديكور والمكياج والإضاءة والموسيقى، تناغمية بين المنظور والمضمون، في سعي ذكي للمخرجة ولفريق العمل الجامعي، من أجل مطابقة العنصر مع الرمز، مطابقة حسية إسقاطية· وهذا ما رأيناه بوضوح، على اوجه الممثلين حيث اصطبغت بمواد ''صنمية'' ـ اذا جاز الاستخدام ـ فكانوا أشبه بالتماثيل في بداية العرض·· وقد عكس هذا التشبه بالتمثال،- عنصر التسمر والحاجة الى مرشد ينقل المتسمر من مكان مجهول الى مكان معلوم· ''العميان'' عرض مسرحي عميق الطروحات وكثير الدلالات· يضعنا بالرغم من عتمة أبطاله وضياعهم ورعبهم واملهم·· أمام كشافات ضوئية مضمرة المكان، ومنفلشة التأثير، ويؤكد بالمقابل، مقدرة لينا أبيض في تعزيز العمل المسرحي، إن على الصعيد الاكاديمي، او على الصعيد الجماهيري العام· وهذا ما نحتاج اليه اليوم في المسرح اللبناني المعاصر·
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©