الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

جدل حول الجدوى الاقتصادية لتسعيرة الأدوية الجديدة في مصر

جدل حول الجدوى الاقتصادية لتسعيرة الأدوية الجديدة في مصر
15 مايو 2010 21:59
بدأت وزارة الصحة في مصر أول مايو الجاري تطبيق سياسة جديدة لتسعير الدواء بإصدار قائمة تضم 40 دواء بأسعار مخفضة بنسبة 10 إلى 60 في المئة، كما تصدر قائمة أخرى الشهر المقبل تضم 48 دواء، إلا أن هذا الاتجاه الجديد يلقى معارضة من عدد من الشركات العاملة بالقطاع إضافة إلى نقابة الصيادلة والمجتمع المدني بسبب الخلاف حول الجدوى الاقتصادية والمخاطر الاجتماعية للسياسة الجديدة. وترى نقابة الصيادلة أن هذا النظام سيرفع أسعار الأدوية مستقبلا، فيما ترى شركات الدواء المحلية المنتجة والشركات المستوردة أن خفض الأسعار يهدر التكلفة الاقتصادية الفعلية لإنتاج الدواء، بينما يصر وزير الصحة المصري الدكتور حاتم الجبلي على تطبيق سياسته الجديدة. كما أقامت إحدى المنظمات الأهلية، وهي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية دعوى في يناير الماضي ضد قرار وزير الصحة، ذكرت فيها أن هذا القرار يهدر حق المواطن المصري في العلاج، لما يترتب عليه من ارتفاع في أسعار الدواء إذا ارتبط بالأسعار العالمية، وطالبت بأن تحدد أسعار جميع السلع بما فيها الدواء وفقا للحالة الاقتصادية في الدولة، وليس وفقا لاقتصاديات دول أخرى، وبالفعل أوقفت محكمة القضاء الإدارى قرار الوزير بالتسعير الذي صدر في 25 ديسمبر الماضي ولكن الجبلي طعن في حكم المحكمة. كيفية التسعير وقد اعتمد قرار وزير الصحة المصري على تحديد أسعار الأدوية الجديدة من خلال قائمة تضم 36 دولة بحد أدنى 22 دولة يتم تداول الدواء بها، وتقوم الشركة المنتجة لنفس الدواء في مصر باختيار أرخص الأسعار المتداولة لهذا الدواء الذي ترغب في تسعيره في مصر، ثم يتم حسم 10 في المئة من هذا السعر لأول مسجل للدواء، ثم 40 في المئة للمسجلين الآخرين لنفس الدواء، ويعتبر الناتج من هذه الحسبة هو السعر المحلي الذي يتم تداول الدواء به. النظام القديم وألغى وزير الصحة النظام الذي كان معمولاً به لمدة تزيد على نصف قرن، حيث كان يتم تسعير الدواء عن طريق اللجنة العليا لتسعير الدواء من خلال نظام لحساب التكلفة وفقا للفواتير المقدمة من الشركات، مع إضافة هامش ربح لكل من المصنع والصيدلي، إلا أن الوزارة اكتشفت أن هناك عدم شفافية من جانب الشركات في تقديم فواتير الخامات المستوردة، حيث قدمت فواتير مبالغا فيها، بهدف تحقيق أرباح غير مشروعة والتهرب من الضرائب، في الوقت الذي ترى فيه الدولة أنها تقدم امتيازات للشركات المنتجة للدواء في مصر مثل أسعار الطاقة المدعمة، وتخفيض الرسوم الجمركية على الخامات الدوائية بنسب كبيرة، وان الهدف من ذلك أن تقوم الشركات ببيع الأدوية بأسعار رخيصة، إلا أن الشركات الأجنبية كانت تقدم حسابات تتضمن عناصر تكلفة متعددة، تشمل بنودا للجودة وللإنفاق على الأبحاث الدوائية قبل اعتماد الدواء، مما يرفع تكلفة الإنتاج والأسعار لمستويات كبيرة مقارنة بالأسعار المتداولة في دول تتشابه دخول الأفراد بها مع دخول غالبية المصريين. ورأى الوزير عدم الاعتماد على لجنة التسعير في تحديد أسعار الدواء، واختيار قائمة تضم 36 دولة أوروبية وآسيوية وعربية، بعض هذه الدول تتشابه الظروف الاقتصادية السائدة بها ـ من وجهة نظره ـ مع الظروف الاقتصادية السائدة في مصر مثل الفلبين والهند، وان كانت غالبية الدول التي تتضمنها القائمة أوروبية وعربية غنية، لا تتشابه ظروف دخول مواطنيها مع غالبية المصريين مما يضاعف أسعار الدواء مستقبلا، خاصة أسعار الأدوية الجديدة، التي يعتمد تصنيعها على الهندسة الوراثية، وتصر الشركات العالمية على احتكار إنتاجها، والتهديد باللجوء لمنظمة التجارة العالمية لتطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية على الدول المخالفة أو المخترقة لهذه الاتفاقيات الدولية، ومن هنا يرى صيادلة ان النظام الجديد لتسعير الدواء لن يكون في صالح المواطن المصري. وحاول وزير الصحة أن يثبت بالبرهان أن نظام التسعير الجديد لمصلحة المواطن المصري، بإصدار قائمة تضم 40 دواء تم تخفيض أسعارها بنسبة 10 إلى 60 في المئة يتم تطبيقها من أول مايو الجاري ويصدر قائمة أخرى الشهر المقبل. قواعد جديدة وقال الدكتور كمال صبرة ـ مساعد وزير الصحة لشؤون الصيدلة ـ ان التسعيرة الجديدة ستطبق على الأدوية التي تحتوي على مادة فعالة جديدة أو ابتكار جديد، وانه وفقا للقواعد الجديدة، فإن من حق وزير الصحة تعديل قائمة الدول التي يتم تداول الدواء بها، وفقا لما يراه مناسبا للأوضاع المحلية، ومحققا للصالح العام. وسوف يصدر الوزير في نهاية الشهر المقبل قرارا سيطبق من أول سبتمبر المقبل، يتضمن قواعد جديدة خاصة بالمستلزمات الطبية، من حيث الموديلات والاشتراطات التي يجب توافرها في هذه المستلزمات، لضمان تحقيق الجودة في النتائج التي تقدم للمرضى، حيث ان كثيرا من المنشآت الطبية لا يضم مستلزمات وأجهزة حديثة تحقق هذه الجودة، كما أن كثيرا منها لا يطبق قواعد تضمن تحقيق معايير الجودة في الخدمة الطبية. ورغم صدور قائمة الأدوية المخفضة الجديدة فإن كثيرا من الصيدليات تنفي حصولها عليها ويطالب بعض الصيادلة بأن تمنح الصيدليات مهلة للتخلص من مخزون هذه الأدوية بأسعار ما قبل الحسم. وتشمل القائمة التي حصلت عليها “الاتحاد” أدوية الضغط والسكر والقلق أو الاكتئاب وتضخم البروستاتا والأدوية الموسعة للشعب الهوائية والصرع والعقم والأورام والفشل الكلوي والالتهاب الكبدي وهشاشة العظام. ويشير المنشور الى ان التخفيضات ستوفر حوالي 200 مليون جنيه يتحملها المواطن المصري، نتيجة الأسعار المرتفعة وهو ما يعني ان تخفيض هذه الأدوية وبهذه النسبة يمكن ان يساهم في خفض ميزانية العلاج على نفقة الدولة، ودعم ميزانية التأمين الصحي. وتتضمن القائمة الواردة في المنشور تخفيضات كبيرة على كثير من الأدوية الجديدة، وبنسبة تتجاوز في المتوسط 10 في المئة ويظهر ذلك بوضوح في أسعار الأدوية المستوردة المرتفعة الثمن، لذلك اعترضت فروع الشركات الأجنبية في مصر على هذه القائمة وعلى نسب التخفيضات الواردة بها، وهدد بعضهم بالتوقف عن الإنتاج أو التوزيع، إلا أن صيادلة بالقاهرة أكدوا انه ـ حتى الان ـ لم يظهر نقص في المعروض من هذه الأدوية بالسوق. تكلفة التسجيل وقال احد المديرين السابقين في شركة جلاسكو ـ رفض ذكر اسمه ـ ان المشكلة ليست فقط في طريقة التسعير الجديدة، حيث لا يؤخذ رأي شركات الأدوية المنتجة، ولكن أيضا في تكلفة تسجيل الدواء، حيث ان تكلفة تسجيل اي دواء جديد يمكن ان تصل الى 70 ألف جنيه، وهي مرتفعة بالنسبة للإمكانات المادية للشركات المحلية، وأيضا مقارنة بما كانت عليه تكلفة التسجيل حتى ثمانينيات القرن الماضي حيث كانت تبلغ مئة جنيه فقط للدواء الواحد، بالإضافة الى ذلك، فإن تكلفة الحصول على رخصة لمصنع جديد تصل إلى 50 ألف جنيه، وهي كلها أعباء على الشركات المحلية تضعف من قدرتها على المنافسة امام الشركات الاجنبية، ولذلك فإن كل هذه القرارات ليست في مصلحة صناعة الدواء الوطنية، وتصب في مصلحة الشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات، التي تملك الإمكانات والنفوذ، وهو ما أكدته دراسة حديثة صدرت عن البنك الاهلي المصري أشارت الى استحواذ الشركات الأجنبية على 54 في المئة من إجمالي المبيعات الدوائية في السوق المصرية بقيمة 500 مليون دولار في السنة. وحسب هذه الدراسة فإن خمس شركات كبرى تستحوذ على نصيب الأسد من مبيعات السوق، في مقدمتها شركة جلاسكو كلاين التي تبلغ مبيعاتها في المتوسط 94 مليون دولار، ونوفارتس 84 مليونا، وسانوفي افينتس 80 مليونا، وبريستول مايير سكيب 54 مليونا، وشركة فايزر 54 مليونا. ويرى صيادلة وأطباء ان سيطرة وزارة الصحة كجهاز حكومي بيروقراطي على عمليات التسجيل والرقابة على الأدوية في مصر ليست في مصلحة المواطنين والأفضل ـ كما يقول الدكتور أحمد أبومدين أستاذ أمراض الكبد بطب عين شمس ـ تطبيق ماقامت به كثير من الدول بإنشاء هيئة غير حكومية على نمط هيئة الأغذية والأدوية الاميركية، التي تتولى مسؤولية إجازة الأدوية والرقابة عليها من خلال ما يتاح لها من إمكانيات معملية ومراكز أبحاث تمكنها من الرقابة على كل ما يستهلكه المواطن الأميركي من طعام ودواء.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©