الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الصراع على سيادة أوروبا» يستعرض معارك الكبار للسيطرة على العالم

«الصراع على سيادة أوروبا» يستعرض معارك الكبار للسيطرة على العالم
15 مايو 2010 21:28
يعد كتاب “الصراع على سيادة أوروبا: 1818 - 1918”، لمؤلفه أ. ج. ب تايلور أحد المآثر المجيدة لكتابة التاريخ التي صدرت في القرن العشرين. ومن خلال كتابه سعى تايلور إلى تسليط الضوء على كيفية قيام ميزان القوة المتغير بتحديد مسار التاريخ الأوروبي خلال المرحلة الأخيرة من مراحل كون أوروبا مركزاً للعالم. يقول مؤلف كتاب “الصراع على سيادة أوروبا: 1818 - 1918”، أ. ج. ب تايلور إنه في عام 1848 مع بداية أحداث هذا الكتاب لم يكن قد مضى على سعى نابليون لامتلاك السيادة سوى ثلاثين سنة، وقد شاع افتراض أن من شأن فرنسا أن تجدد المحاولة، وعملية تأسيس الامبراطورية الثانية بدت مسوّغة لهذا الهاجس غير أن نابليون الثالث لم يكن يتمتع بأي شيء ملكي أو امبراطوري عدا الاسم، إضافة إلى أن توازن القوى نجا من تحديه دون أن يصاب ولو بخدش، وما لبث العرض الفرنسي أن انتهى في 1870. توازن القوى ثمة توازن جديد أعقب ذلك، لكن مضي أكثر من 30 سنة من السلام بدا كافياً لتقوم ألمانيا باحتلال موقع فرنسا بوصفها القوة المحتملة القاهرة لأوروبا. فالحرب العالمية الأولى لم تكن من وجهة نظر أعداء ألمانيا، بل حرباً للحفاظ على (أو لاستعادة توازن القوى)؛ غير أن هذا التوازن لم تتم استعادته رغم إلحاق الهزيمة بألمانيا لأنه لو بقيت الحرب محصورة بأوروبا لفازت ألمانيا، كون الأخيرة لم تهزم إلا لأن الولايات المتحدة دخلت الحرب. ويشير تايلور إلى أن تقديم التاريخ الدولي بوصفه مجرد سجل لتوازن القوى أقدمت على قطعه تحديات غازٍ منفرد هو “أمر خاطئ”، انطلاقاً من أن الناس ظلوا يحاولون التعويل على قانون أخلاقي شامل قدر تعويلهم على القوة المسلحة الطاغية للتحكم بالدولة السيادية، وظلوا يسعون إلى امتلاك “أيديولوجيا تحل محل عبادة الطاغوت”، وقد تمثلت تلك الأيديولوجيا في نهاية القرن الثامن عشر بأفكار الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان، غير أن الأيديولوجيات بقيت عنصراً ثانوياً في موازين القوى في السنوات السبعين الممتدة من 1848، 1918. ويؤكد تايلور على ذلك بالقول إن توازن القوى يفعل فعله المحسوب بدقة، وبدا هذا التوازن مكافئاً سياسياً للقوانين الاقتصادية على صعيد الحركة الذاتية، وإذا سعى كل شخص إلى تحقيق مصلحته فإن الجميع سيزدهرون، وإذا سعت كل دولة إلى تحقيق مصلحتها فإن جميع الدول ستكون سالمة وآمنة. مواطن الخلل يرى تايلور أن الحرب العالمية أبرزت مواطن الخلل في قوانين كل من الاقتصاد والسياسة، حيث تعطلت القوانين ذاتية الحركة وسارعت الاجتماعات الاشتراكية الأممية إلى إعلان أخلاق جديدة تكف في ظلها الدول السيادية عن الوجود، وما أن نجح البلاشفة في الاستيلاء على السلطة في روسيا، حتى ارتدت هذه المنظومة الأخلاقية ثوباً عملياً، إلا أن الليبراليين أنفسهم ما لبثوا أن توقفوا هم أنفسهم عن احترام القوانين التي كان النظام الليبرالي في أوروبا قد تسيد على أساسها وتماماً مثلما قاموا بتدوير زوايا نظامهم الاقتصادي بتدابير الأمن الاجتماعي ودولة الرخاء، عقدوا الآمال على تدوير زوايا السيادة بنوع من المرجعية الدولية القائمة على الموافقة لا على القهر أو على أيديولوجيا كونية شاملة. وتمثل رمزا هاتين النظريتين الجديتين في كل من لينين وولسن، حيث سارعت كل من الأممية الشيوعية، وعصبة الأمم إلى إعلان نهاية توازن القوى، وبات السؤال الوحيد متمثلاً بما إذا كان سيطاح بهذا التوازن بالثورة أم أنه سيتلاشى شيئاً فشيئاً دونما جلبة؟ ويعود تايلور ليؤكد أن التوازن الأوروبي بقي نافذاً من دون إعاقة على امتداد السنوات السبعين الممتدة بين تاريخ سقوط ميترنيخ وسلسلة التنصلات الصادرة عن لينين وولسن من هذا التوازن، ومع ذلك فإن أوروبا لم تكن مدينة بسلامها لتوازن القوى وحده، فمع أن أوروبا كانت فارضة هيبتها على العالم ومالكة للحضارة الخلاقة الوحيدة، فإن الأوروبيين ظلوا يتطلعون إلى خارج قارتهم. حتى إسبانيا وفرنسا كانتا قد انشغلتا بطموحات فيما وراء البحار أيام الفتوحات الأوروبية. أما في القرن التاسع عشر فكانت كل من بريطانيا العظمى وروسيا ستفضلان أن تديرا ظهريهما إلى أوروبا وكثيراً ما فعلتا ذلك، وقد كانت جوائزها في الهند وأفريقيا كما في تجارة العالم كله، بالنسبة للأولى، وفي آسيا الوسطى أولاً إضافة إلى شرق آسيا بعد ذلك، بالنسبة إلى الثانية بقيت فرنسا متطلعة نحو شمال أفريقيا، ثم ما لبثت إيطاليا أن قلدتها. أما ألمانيا فهي مدينة بانتصاراتها بتحررها من مثل هذه الانشغالات، وراحت تحلم هي الأخرى بأن تصبح قوة عالمية. وحدها الامبراطورية النمساوية كانت بريئة من الانشغال بخارج أوروبا، ولم يكن هذا دليل قوة بل علامة ضعف. وبالإجمال يمكن القول بأن علاقات أوروبا مع العالم الخارجي لا تظهر أهميتها إلا حين تكون مؤثرة في العلاقات بين القوى العظمى ومعدّلة للتوازن فيما بينها. صعود وهبوط يلفت تايلور إلى أنه بالرغم من أن القوى العظمى بقيت هي نفسها فإنها عاشت حالات من الصعود والهبوط، ففرنسا كسبت أرضا في 1860 وخسرت مزيداً منها في 1871، خسرت النمسا في 1859 و1966 مساحات أكبر مما كسبتها في 1878، أما روسيا فقد استعادت في 1878 ما كانت قد خسرته في 1856. ونجح الجميع، باستثناء النمسا والمجر، في كسب مساحات واسعة من الأراضي خارج أوروبا في السنوات الثلاثين التي أعقبت مؤتمر برلين. وبعد ذلك حدثت تغيرات أبطأ وأقل لفتاً للأنظار مهدت لحصول انقلاب جذري في توازن القوى، وتمثلت في التغييرات في مجالات مختلفة مثل السكان، والموارد الاقتصادية، والبنية الاقتصادية، والتي كانت تجري جميعاً على قدم وساق. وهذه المقدمة تحاول رسم الإطار الخلفي الذي كانت السياسة تصول فيه وتجول، وكما يشي الاسم فإن القوى العظمى لم تكن إلا منظمات قائمة على القوة، أي على الحرب ملاذاً أخيراً، قد تكون ذات أغراض أخرى مثل رفاهية شعوبها أو جلال قدر حكامها، غير أن المحك الأساسي لكونها قوى عظمى بقي متمثلاً بقدرتها على شن الحروب وخوضها غير أنه في الحقبة التي أعقبت 1848 بقي هذا المحك محكاً بسيطاً، فعلى الرغم من تطور سلاح المدفعية، بقي سلاح المشاة هو العامل الحاسم في تحديد حصيلة المعركة، وهذا بلا شك يرتبط بالحجم السكاني لكل دولة. تغيير مدهش يبين تايلور أن التغير الأكثر إثارة للدهشة، في هذه الفترة التاريخية، هو الطارئ على وضع فرنسا، التي بقيت على امتداد قرون من الزمن البلد الأغنى سكاناً في أوروبا وحتى في 1850 كانت متفوقة على سائر القوى العظمى سكانياً باستثناء روسيا، أما مع حلول 1910، صارت البلد الأفقر سكاناً بعد إيطاليا، كانت تشكل 14 في المائة من أوروبا سنة 1850، ثم باتت أقل من 10 في المائة بعد خمسين سنة، ومقابل ذلك فإن بروسيا كانت 5 في المائة سكانياً عام 1850، وكانت ألمانيا 15 بالمائة في 1915، هذه الأرقام منطوية على نوع من المغزى النفسي. راح الناس يفكرون من منطلقات إحصائية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقوة فرنسا المتضائلة ساهمت في مضاعفة فقدان الثقة الذي ربما كان السبب، وبالفعل فإن الأرقام كانت أكثر إثارة للكرب من الواقع ففرنسا ذات معدلات الولادة المتدنية كانت متمتعة بكتلة سكانية أكثر توازناً، وعلى الصعيد النسبي خصوصاً، بعدد أكبر عن الرجال في سن الخدمة العسكرية من ألمانيا مما أبقاها قادرة على سوق أعداد تكاد أن تكون موازية إلى ساحات المعارك مع تحمل أعداد مكافئة تقريباً من الإصابات. هنا يشير تايلور إلى أن الناس كانوا قد بدأوا سلفاً يفترضون أن المنحنى الإحصائي كان سيدوم بعناد، وهو افتراض قلما أكدت الأحداث صحته، ذلك ما جعل مستقبل فرنسا يبدو ملتبساً غير أن الألمان كانوا، فيما بقي الفرنسيون عاكفين على مقارنة مستقبلهم بمستقبل ألمانيا، مشغولين بمستقبل روسيا السكاني، ففيما كانت أوروبا كلها شاعرة بتفوق ألمانيا، لم تكن الأخيرة ترى سوى الشبح الروسي الأبعد. وراح ألمان كثيرون يفكرون باستباق الخطر الروسي وقطع الطريق عليه على نحو من الجدية كادت توازي جدية تفكير آخرين دأبوا على التخطيط للتضافر من أجل التصدي لألمانيا. ثم يشير الكاتب إلى مفارقة أخرى هامة في معادلات وموازين القوى في ذلك الوقت، وهي أن الأسلحة البحرية أغلى من الجيوش البرية، وكانت جيوش المتطوعين أغلى من الجيوش المؤلفة من المجندي. ذلك هو السبب الكامن وراء ظهور بريطانيا العظمى بوصفها الأكثر عسكرة بين القوى العظمى. التحكم بالعالم يعرج الكاتب إلى الحرب العالمية الأولى باعتبارها كانت أوضح المحكات لاختبار موازين القوى العظمى في ذلك الوقت، بحيث يتم تقويم الموارد الاقتصادية انطلاقاً من أهميتها إلى جانب الموارد البشرية، فيتناول تاريخ القوة الصناعية في أوروبا منذ 1850 وحتى 1919 قائلاً إنه “في العام 1850 كانت بريطانيا العظمى القوى الصناعية الوحيدة ذات الشأن، أما فرنسا فكانت الدولة الأوروبية الوحيدة التي كانت الصناعة تعني فيها شيئاً، ومع حلول 1870 تمكنت ألمانيا من التفوق على فرنسا في إنتاج الفحم على الرغم من أن الأخير ظلت محافظة على مكانتها في مادتي الحديد والفولاذ”. من وجهة النظر الاقتصادية كانت الحرب الفرنسية الروسية حرباً بين ندّين، أما في عهد بسمارك بين 1971، 1890، فإن الألمان صاروا سابقين لفرنسا، باتوا على مستوى بريطانيا العظمى في العقد الأخير من القرن، فيما نجحت صناعتهم الثقيلة في تجاوز نظيرتها البريطانية في القرن العشرين. ويستعرض تايلور في استعراضه لموازين القوى والصراعات التي سادت أوروبا حتى يناير 1918، في ذلك الوقت توقفت أوروبا عن أن تكون مركز العالم. وذابت المنافسات الأوروبية في بوتقة حرب عالمية، كما كانت حروب البلقان من قبل قد فتحت الطريق أمام الصراع فيما بين القوى العظمى. جميع الطموحات والمطامع القديمة، بدءا بالإلزاس واللورين وانتهاءً بالمستعمرات، باتت تافهة وثانوية، مقارنة بالصراع الجديد من أجل التحكم بالعالم. حتى الهدف الألماني المتمثل بالسيطرة على أوروبا أصبح بالياً ولي زمانه. تقزيم أوروبا أدى بروز قوتين عالميتين، الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وهما متنافستان عنيدتان وإن على نحو لا شعوري، إلى تقزيم أوروبا. كان هذا أكثر من مجرد منافسة بين قوتين؛ كان تنافساً بين مثاليتين. كان الطرفان، كلاهما، يحلمان بـ “عالم واحد”، عالم بات خالياً من الصراعات فيما بين الدول. الثورة العالمية الشاملة من ناحية والنقاط الأربع عشرة من الناحية المقابلة مثلتا برنامجين طوباويين (حالمين) لتحقيق سلام دائم. منذ تعرُّض الثورة الفرنسية للهزيمة كانت أوروبا قد دأبت على إدارة شؤونها بمجرد التوفيق بين مطالب الدول السيادية فيما بينها لدى بروز هذه المطالب على السطح. في 1914 شعرت ألمانيا بأنها متوافرة على ما يكفي من القوة لتحدي هذا النظام وكانت قد استهدفت إبداله بهيمنتها على الآخرين. كانت أوروبا، وفق تايلور، ستحقق وحدتها في إهاب ألمانيا كبرى، الطريقة الوحيدة التي كان من شأنها أن تجعل من القارة قوة عالمية، قادرة على الصمود في وجه الأُخريين. على الرغم من أن ألمانيا قد هُزمت بهامش ضيق، فإن التركة التي أورثتها محاولتها تجسدت متمثلة بكل من البلشفية من جهة ونزعة التدخل الأميركية في أوروبا من جهة ثانية. أيُّ توازن قوة جديد، إذا ما تسنى له أن يتحقق، كان من شأنه أن يصبح شاملاً للعالم؛ كان من شأنه ألا يبقى مسألة حدود أوروبية. حيث تم تجاوز أوروبا؛ وفي يناير 1918 ثمة منافسة انطلقت بين الشيوعية والديمقراطية الليبرالية ظلت متواصلة إلى منتصف القرن الماضي، وأثرت بشكل بالغ على موازين القوى داخل القارة ومن ثم على كافة أرجاء العالم الذي ما زال يدور في الفلك الغربي. المسألة الإيطالية ظلت المسألة الإيطالية تقض مضجع نابليون منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية في 1848. وكانت هذه، في جزء منها، مسألة مشاعر. كان الفرنسيون يعرفون إيطاليا؛ أما ألمانيا فكانت غريبة وغير محببة بنظرهم. ظل تحرير إيطاليا يدغدغ مشاعر الفرنسيين أكثر حتى مما كان يفعل استرجاع ضفة الراين اليسرى. والتشديد على إيطاليا كان أيضاً مسألة حسابية بالنسبة لنابليون فقد كان مؤمناً بأن وضعه لن يكون آمناً بالمطلق “ما لم تكن الإمبراطورية قد سيطرت على علتها الأصلية، الوراثية، المقدَّرة سلفاً، علة الرد على معاهدات 1815”. تصور، أو زعم أنه فعل، أن من شأنه تسوية 1815، ما إن يطاح بها في إيطاليا، أن تتهاوى في أمكنة أخرى في أوروبا دون أي حروب جديدة. ونظراً لأن مترنيخ كان متبنياً القناعة ذاتها، فإن هذه كانت نظرية مقبولة بل وحتى معقولة. قبل إطلاق التطور الهائل للصناعة الألمانية منتصف القرن التاسع عشر، ومن المؤكد أن إيطاليا كانت أكثر من مجرد قوة توازن أوروبية مقارنةً مع حالها فيما بعد. مكان تحت الشمس تمخض سقوط مترنيخ في الثورات التي اكتسحت أوروبا في 1848 عن تدشين حقبة قومية غير مسبوقة تكللت بانهيار أسر هابسبرج، رومانوف وهوهنزولرن الحاكمة في نهاية الحرب العالمية الأولى. وعلى امتداد فترة الأعوام السبعين الفاصلة التي هي موضوع هذا الكتاب، شهدت حدود أوروبا تغيّراً مسرحياً مثيراً عمّا كانت عليه تلك المقررة في فيينا سنة 1915 حيث تولى كافور ريادة حركة الريزورجيمنتو (Risorgimento) في إيطاليا؛ ونجح بسمارك في إنجاز توحيد ألمانيا؛ في حين بقيت القوى العظمى متزاحمة على مكان تحت الشمس في أفريقيا.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©