الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أواني الضيافة أدوات تهمس بمعاني الكرم العربي

أواني الضيافة أدوات تهمس بمعاني الكرم العربي
1 ابريل 2014 00:48
خولة علي (دبي) تعد الحرف اليدوية، مهنة لها مدلولاتها وقيمتها التاريخية، لما تتميز به من إرث حضاري له واقعه المرتبط بقيم وعادات الشعوب، ومدى قدرة الحرفيين على تشكيل مقتنيات من أصلد المواد وأصعبها، ليحولوها إلى قطع فنية رائعة تلبي احتياجاتهم، وبالرغم من مشقة العمل والجهد الكبير الذي يبذله الحرفي، إلا أن كل تلك المتاعب تذوب عند أول قطعة ينتهي منها، لتظهر بين يديه كتحفة بديعة. ومن بين الحرف اليدوية التي صاغت رمز الضيافة العربية، وأصبحت قطعة لا يمكن أن تخلو منها المنازل، هي «الدلة»، حيث نلتقي مع الوالد إسماعيل صفر، من أواخر صانعي الدلال في الإمارات الذي لم يزل يمارس هذه الحرفة التي توارثها أباً عن جد، بكل شغف واهتمام، وهو يطلعنا في هذا اللقاء، على تفاصيل هذه القطع المتميزة من الدلال التقليدية، ومهارته العالية في صناعتها حتى ولجت هذه القطع قصور الطبقة المخملية في الخليج والعالم. أمضى الوالد إسماعيل صفر طفولته في تعلم حرفة صناعة «الدلة» من والده، فلم يكن يبرح المعمل الذي تعلم منه فصول التعب ومشقة العمل، والطَرق الذي يدوي بعنف على جدران الورشة، وبحكم أن الولد لابد أن يلازم والده ويتلقى منه المعرفة وفنون الحرفة حتى يكون اليد التي تسانده في وقت الشدة، ويرث منه الحرفة، فلم تكن تشغله صعوبة العمل والإنهاك الشديد لقضائه ساعات طوال بين المطرقة والسندان وأدوات لا تعرف الراحة، ولكن ما يشغله حقاً في هذا الوقت هو أنه لا يجد من بين أبنائه من يتعلمها، أو من يتقبل وجود الأعمال الحرفية القديمة، فالكل يبحث عن الراحة، ويرفض النظر إلى الماضي الذي ربما يحمل له الخير الوفير، لذا لا يجد الوالد صفر، من يحمل لواء هذه الحرفة، الذي ظل يحمل مهارة صنعتها لسنوات طويلة من عمره السبعين، حيث تلقى فنون الصنعة في الثامنة من عمره «فيما بين عامي 1940 إلى 1950»، حتى أصبح قادراً على مزاولة هذه الحرفة دون معاونة أحد. صعوبة صون الحرفة ولكن ما يحزنه ويؤرقه هو أنه لا يجد من بين أبنائه من يتعلمها حتى تصان هذه الحرفة من الاندثار، ولا تضيع مثلما ضاع الكثير من الحرف بعد وفاة الكثير من الحرفيين الذين كان لهم صيت عن أعمالهم الرائعة ومهارتهم التي لا يمكن أن تقاس حتى في ظل وجود الآلات الحديثة في الوقت الحالي، مؤكدا أن العمل الحرفي اليدوي بقدر صعوبته إلا أنه يحمل متعة غريبة، ويجعل النفس تنغمس في عالم بعيد كل البعد عن محيطه الخارجي، في جماليات العمل الحرفي والإبداع الذي يتوج بفكر ورغبة الحرفي في إظهار المنتج الذي بين يديه بميزة وخاصية مختلفة عن الأخرى التي ينجزها. وهكذا دائما ما يجد الوالد صفر نفسه يتوق إلى البحث عن أفكار متجددة غير تقليدية في صناعة «الدلة»، رافضا فكرة التكرار، منطلقا بفكرة وعشقه لهذه الحرفة، في أن يبهر عملاءه، الذين وضعوا فيه الثقة وبالعمل الذي يقدمه. رمز الضيافة العربية ويقول الوالد إسماعيل صفر، إن البيت العربي لا يخلو من «الدلة»، التي تعد عنصر الضيافة العربية الأول، وتحدد على أثره مدى كرم العرب لضيوفهم، فلا يمكن أن يستقبل الضيف أو يودع دون أن يرتشف فنجان قهوة، وهذه تعد ركيزة هامة يشيد على أثره المجلس العربي أو حتى خيمة منتصبة في بقعة رملية لصحرائنا الشاسعة، فالعرب لهم طقوسهم في تحضير القهوة، والتي لا تكتمل من غير «الدلة» العربية الأصيلة التي أبدع الحرفيون الأوائل في تصميمهما بطريقة انسيابية خفيفة ورائعة، وهذه «الدلة» التقليدية لا يمكن أن تخلو منها المجالس العربية سواء كانت قطعة فنية قابعة بكل أريحية، بين قطع تحضير القهوة قديما، أو قطعة مصونة في حافظة كقطعة أنتيك أو إكسسوار، لتسهم في إثراء المكان، وإبراز تفاصيل الجلسة. أو يمكن أن نجدها في يد «المقهوي» الذي يضيّف الحضور، فالدلة قطعة هامة لا تكتمل المجالس، ولا يقدر الضيف إلا بها. الدلة المغربية والشامية ويلفت الوالد صفر قائلاً: لو نظرنا إلى قطع الدلة التقليدية التي ينتجها عدد من الحرفيين المنتشرين في عدد من الدول العربية، كالدلة المغربية، والشامية، والسعودية والبحرينية، نجدها متشابهة تماما، ولا تختلف إلا في مسمياتها التي عادة ما تنسب إلى الدولة التي جلبت منها، وكان الحكام قديما يتهادون فيما بينهم «آنية الدلة» من الفضة والذهب، فهذه القطعة لها قيمتها نظرا لكونها قطعة فنية مختصة بها الدولة التي جلبت منها. ويتابع صفر موضحاً: كان الوالد رحمه الله ينتج عددا من الدلال التقليدية التي تحتاج إليها عدد من المنازل في العهد القديم، وكنت أعاونه في هذه المهمة، حتى أوجدت لنفسي خطاً معيناً في التعاطي مع مفهوم الدلة التقليدية، فكانت مكسوة بزخارف ونقوش تجعل منها قطعة لها خاصية الجمالية التي تمنحها ثراء وفخامة وقدراً من الأناقة في مظهرها. أبرز أنواع الدلال ويشير إسماعيل صفر قائلاً: من المسميات التي كانت تعرف أو تطلق على الدلة، أهمها الدلة القريشية التي تجلب من البحرين، والجبسة من السعودية والعمانية، والشامية، والمغربية، ويوضح أن العمل على قطعة من الدلة تتطلب مهارة ودقة وصبر، فالدلة لدي قد تستغرق في صنعها من أسبوع إلى ثلاثة أو أربعة أسابيع، بناء على ما تحويه الدلة من تفاصيل، وعادة ما تكون الخامة المستخدمة من الفضة والنحاس، والبرونز، وتطلى بالذهب، وذلك بناءً على رغبة الزبون. ومن أبرز أنواع الدلال التي قمت بتنفيذها دلة ذات قاعدة مربعة الشكل، وقد أخذت منى جهدا كبيرا لصعوبة العمل بها لكون القاعدة مع البدن قطعة واحدة دون توصيل وهذا ما لا نجده في الدلال الأخرى، التي عادة ما تنفذ أجزاؤها كل على حدة، ويتم الربط فيما بينها عن طريق لحمها، وبعد أن تشكل الدلة وتكتمل ملامحها، أبدأ بمرحلة التزيين، وزخرفة البدن وعنق الدلة والرأس وما يفتح الرأس وهو العقرب، والذي يُطعّم أيضا ببعض قطع الكريستالات والأحجار الكريمة، وتزينها بقطع ناعمة من الفضة المتدلى عند مقدمة الدلة، كما أحرص أيضا على زخرفة المسكة، أي يد الدلة، كما أن المنقار أيضا له نصيب من النقوش. عندها يتم طلاؤها بماء الذهب، لتظهر بفخامة تجعلها لا تخلو المجالس منها، لتكون خير من يستقبل ضيوفنا. الحفاظ على الدلة حول عملية حفظها يؤكد إسماعيل صفر: عند حفظ الأواني الفضية منها والمطلية بالذهب يمكن مسحها بانتظام بقطعة قماش جافة طرية وناعمة لا تخدش سطح الدلة، وتجفيفها جيدا عند غسلها بالماء، وحفظها بعيدا عن الرطوبة، فهذه القطع يمكن أن يتوارثها الأجيال كونها تدوم لسنوات طويلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©