الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إصرار على الخطأ

إصرار على الخطأ
21 مارس 2013 20:27
(القاهرة) نحيت فكرة الزواج جانباً بعد التجربة الفاشلة التي خضتها، واستمرت عدة سنوات وانتهت الخطبة، وبعدها قررت أن أستريح وأن أتريث أكثر في الاختيار وأن أمنح نفسي فرصة للاستراحة والتخلص من آثار الماضي، مع الحرص على عدم تكرار الأخطاء التي وقعت من جانبي ومن جانبها، فقد كان الارتباط مبكراً بعدما انتهيت من الدراسة الجامعية بعامين، ولم تكن إمكاناتي تسمح بالدخول في هذه الخطوة على الإطلاق، لكن لأننا كنا نرتبط بمشاعر متبادلة، خشيت أن يسبقني أحد إليها، ولا أنكر أنني تعجلت كثيراً في إعلان الارتباط رسمياً. اتصلت بي يوماً على الهاتف المحمول تخبرني بالنبأ المزعج لكلينا، فقد جاءها عريس يطلب يدها ولا عيوب فيه ولا يمكنها أن ترفض إلا إذا ظهرت وأعلنت صراحة رغبتي في الارتباط بها، ولم تكن لأسرتي أي تحفظات على الفتاة، فهي مناسبة وتمت لنا بصلة قرابة من بعيد، غير أنني لست مهيأ لذلك وخاصة أنني لم أعمل بعد، وبعدما لاحظوا أن حالتي النفسية تسوء اضطروا للاستجابة والاستعداد للخطبة، وكانت سعادتي لا توصف، فكنت أشعر بأنني أطير في الهواء وأكاد ألامس النجوم بيدي، فهذه أهم وأجمل أمنية في حياتي كلها وها هي تتحقق. في البداية كان بيني وبين خطيبتي تفاهم وتجاوب واتفاق في معظم القضايا التي نطرحها للنقاش، وخاصة ما يتعلق بمستقبلنا وحياتنا ونحن نحلم بالعش الصغير الهادئ والاستقرار وحدنا، ثم كيف نربي أولادنا ونلحقهم بأفضل المدارس وكم كانت مرحة تتمتع بروح الدعابة ويسرني ذلك ويجعلني أتفاءل بأنها لن تكون زوجة نكدية، ولن أكون زوجاً كثير الشكوى مثل كل الأزواج من حولي الذين لا يكفون عن الشكاوى من زوجاتهم وأنا أستنكر هذا بشدة وأرفضه. مر عام على تلك الحال، وبعده بدأ التغير الواضح يظهر على خطيبتي، اختفت ابتسامتها التي كانت تميزها وحلت محلها تكشيرة عريضة، لم تعد تستقبلني بتلك البشاشة السابقة التي عهدتها منها، ولم يعد لروح الدعابة وجود، وحتى أفراد أسرتها كانوا كذلك مما جعلني بالضرورة أتوقف لأتساءل: ماذا حدث مع أنه لم يصدر مني أي تصرف ولم أتغير، كل ما جال بخاطري أنه ربما يكون وقع مني أي تصرف من دون أن أدركه وقررت الاستفسار منهم مباشرة، وكان الجواب بسيطاً ومع أنه حقيقة، لكنه صدمني، فأنا حتى الآن لم أتخذ أي خطوة عملية في طريق زواجنا، لا شقة ولا أثاث ولا أجهزة كهربائية بمعنى أننا لم نتحرك من نقطة الصفر، كان لابد أن أعترف بضيق ذات اليد وبأن الظروف التي أعيشها أقوى مني، لم أستطع أن أكابر أو أراوغ، فعندهم كل الحق فيما طرحوا، وما زلت متعطلاً ولم أجد وظيفة. التقت الأسرتان وبعد مناقشة الأمر طلبوا مني موعداً محدداً، عدة أشهر أو حتى أعوام لا يهم، المهم تحديد فترة زمنية لشراء الشقة وتأثيثها والزواج، شعرت بضعفي أكثر فكيف يمكنني أن أضرب موعداً وكل شيء في حياتي مجهول ومتوقف ومتجمد، فلا يمكنني أن أفعل ذلك إلا بعد أن أجد عملاً مناسباً حتى يمكنني أن أتحمل مسؤولية بيت وأسرة، صحيح أنهم كانوا يعرفون كل ظروفي بكافة تفاصيلها، ولم يتطرقوا إلى أي منها قبل الخطوبة ولم يكن خافياً عليهم كل هذا ولم يقع في الأمر جديد، لكن لا يجوز أن تكون الخطوبة مفتوحة إلى ما لا نهاية أو إلى حين ميسرة، ولم أحسب حساباً للحظات كهذه ولم أتوقعها، فقد كنت أتوهم أنني سأحصل على وظيفة وأبدأ حياتي بشكل جيد وسريع، وكانت النهاية المؤلمة وتم فسخ الخطبة، ومضى كل إلى غايته ولم تشفع المشاعر في حل المشكلات الحياتية وإن كانت ما زالت موجودة. تركت التجربة جرحاً غائراً في صدري استمرت آلامه موجعة كثيراً وربما حتى الآن رغم مرور سنوات طويلة، ولا أنكر أنها جعلت في داخلي حاجزاً يمنعني من التفكير في الخطبة مرة أخرى، لأن المخاوف تطاردني ولم أتخلص من آثارها بعد، واستجمعت قواي وحاولت ألا أكون ضعيفا، تظاهرت بأن الأمر عادي وغير مؤثر، وبدأت جدياً البحث عن عمل وخلال عدة أشهر عملت في وظيفة حكومية جيدة، وانغمست في عملي تماما وتعمدت أن أنشغل به حتى أتخطى ما حدث، لكن بعد عام تقريباً وفي خضم هذه الظروف ظهرت في حياتي زميلة في العمل فيها كل المواصفات التي أتمناها وحدث بيننا تقارب سريع على غير ما كنت أتوقع، وقد كنت متحفظاً جداً ومقلاً في كلامي معها، ولم أعترف لها بشيء مما يدور بداخلي، لكنها كانت تدركه وتقرأه بوضوح في عيني، فاجأتني بصراحة بما تكنه لي، كنت بين نارين وخيارين كلاهما مر، بين أن أتقدم لها وأكرر تجربة الفشل لأن ظروفي، كما هي ولم تتغير، وبين أن أرفضها وأخسرها، ووجدت أن الخيار الثاني هو الأنسب مع الاعتذار لها بسبب ضيق ذات اليد، ورفضت أيضاً اقتراحها بأن نعلق الارتباط الرسمي إلى أن تتحسن الأحوال، فلم أكن أبداً مستعداً لجرح جديد قبل أن يندمل الأول، وفي نفس الوقت ما زالت آثار الماضي عالقة. بينما أنا منشغل في العمل جاءني اتصال هاتفي على تليفون مكتبي، كانت على الطرف الآخر خطيبتي السابقة، استغربت بالطبع واندهشت، لأنني قطعت كل صلتي بها وبأسرتها ولا أعرف عنهم أي شيء ولم أشغل نفسي بذلك، فقد كنت أرى ضرورة طي صفحة الماضي وإغلاقها تماما، وبعد تبادل التحية بررت اتصالها بأنها أرادت أن تطمئن عليَّ، فنحن كانت بيننا عشرة ومشاعر، وشكرتها من باب المجاملة، لكن هذا الاتصال جعلني أحن إلى الماضي وأبدو ضعيفاً أمامه وأنه ما زال يتحكم في تصرفاتي، وفي الحقيقة تمنيت لو أنها عاودت الكرة، وندمت لأنني لم أطلب هاتفها، لكنني أعود وأجد أنني أحسنت صنعاً لأن كرامتي لا تسمح. ما تمنيته حدث بالفعل، فها هي تتصل مرة أخرى بعد حوالي شهر من الاتصال الأول، وأيضاً تكرر فيه ما قالته في المرة السابقة، ولكن زادت عليه، أن الحنين هو الذي دفعها إلى ذلك، وسألتها وما الجديد وما هي الفائدة من الاتصالات؟ فقالت إنها ترغب في إعادة المياه إلى مجاريها، ولا يجب أن نجعل الحسابات المالية تفرق بيننا وتعترف بأنها أخطأت هي وأسرتها، ولم نحسم الأمر على أمل معاودة الحديث والنقاش حوله، خاصة أنني ما زلت لا أملك المسكن ولا المال الكافي للزواج، فقط الوظيفة التي لا يمكن أن يكون عائدها كافياً لذلك. بالصدفة البحتة علمت أن خطيبتي السابقة تمت خطبتها لشاب آخر فور فسخ خطوبتنا، بل إنهم فسخوها لترتبط به بعد أن ظهر وهو جاهز بماله وشقته وعمله، لكن وقعت بينهم خلافات حادة، لأنه يعمل في الخارج وأنه سيتزوجها ويتركها تقيم مع أمه، ورفض أن يصطحبها معه ولا يعتزم أن يعود قريباً، فوجدوا أنها زيجة محكوم عليها بالفشل، كما علمت أيضاً أن الفتاة تتصل بي بعلم أمها، وأنهما تخططان معاً لإعادتي. رغم أنني ما زلت أحمل لها الكثير من المشاعر، وأتمناها زوجة، لكنني عندما توقفت مع نفسي وجدتني عريساً احتياطياً، أو قطعة ملابس يرتدونها متى أرادوا ويخلعونها ويلقون بها عندما لا تكون لها قيمة عندهم، وربما قطعة شطرنج ضعيفة يضحون بها من أجل مصلحتهم ومن أجل الحفاظ على قطعة أخرى ثمينة، استشطت غضباً وفي الاتصال التالي كنت حاسماً وجازماً بأن الموضوع قد أغلق تماماً، ولن أوافق على العودة وأظهرت ما لديَّ من معلومات لم تستطع أن تكذبها وحاولت أن تصحح لي المفاهيم والأفكار التي دارت في رأسي، وأسرتي من جانبها رفضت تلك المحاولات ونصحوني بعدم التهاون. خطيبتي السابقة لم تفقد الأمل، لأنها تعرف قدر ما أكنه لها وتأمل أن تأتي ضغوطها ومحاولاتها بنتيجة، لدرجة أنني بدأت فعلاً أشعر بالضعف، وأتهاون معها في الكلام وأبدي مرونة، لكن سرعان ما أفقت، عدت إلى صوابي، وقررت أن أقطع الشك باليقين وأن أقطع خط الرجعة ولن يكون ذلك إلا بأن أخطب أي فتاة، ولسوء الحظ، فإن زميلتي قد تمت خطبتها منذ ثلاثة أشهر، وهي الآن في حالة تشبه الخصام معي، ولا تعاملني إلا في حدود العمل الضيقة ولا يمكن أن أطالبها بفسخ خطبتها، فهذا ليس من الدين ولا من الأخلاق. جارتنا فتاة سمراء نصف متعلمة، لكنها على خلق، فاتحت أسرتي في الارتباط بها فوافقوا جميعاً بلا تردد، وما كنت أقصد من وراء تلك الخطبة إلا أن أتخلص من إلحاح خطيبتي السابقة وأوصد أمامها وأمام نفسي أيضاً كل الأبواب، وبعد أن تمت خطبتي هذه أتمت هي الأخرى خطبتها من شاب آخر وانقطعت أخبارها عني ولم أهتم بذلك ولا أريد أن أعرف، وكأنني في متاهة الفئران ألف وأدور في نفس المسالك الضيقة وأعود إلى نفس الأماكن التي كنت فيها قبل عدة مرات، فها هي زميلتي التي كنت أرغب في فترة من الفترات في الاقتران بها تفسخ خطبتها لعدم التوافق بينها وبين خطيبها لأنه كان حاصلاً على مؤهل متوسط، وهي حاصلة على مؤهل عال، وهناك فارق ملحوظ في المستوى الاجتماعي بينهما. ها أنذا أعض الأنامل على ما يحدث، ففي كل مرة تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ولا أستطيع أن أفسخ خطبتي الآن بلا سبب، ولم يصدر من خطيبتي وأسرتها أي تصرف يجعلني أسيء إليهم، لكنني لا أشعر نحوها بأي مشاعر، وضعت نفسي في هذا الوضع بلا حسابات دقيقة، وحتى أخطائي أكررها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©