الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«رجال الشركة» سينما ترصد تعامل الناس مع المستجدات المصيرية

«رجال الشركة» سينما ترصد تعامل الناس مع المستجدات المصيرية
24 مارس 2011 21:25
رجال الشركة، كما توحي التسمية، عبارة تحتمل معناها، فنحن نتحدث عنها عن مجموعة من الأشخاص الأنيقين الذين يتباهون ببراعتهم الكلامية، وبقدرتهم على الخوض في ما لا يفقهه الآخرون، يجيدون الكلام بالرموز، ويعرفون كيف يحصلون أرزاقهم بطريقة بعيدة عن الاعتيادي من المدارك. هم أيضاً رجال الحداثة والجديد من المفاهيم، يربطون المصطلحات المعقدة بعضها ببعض لتصير أشد تعقيداً، وهم أيضاً واثقون من غدهم، مطمئنون إلى كونهم موضع رضا الظروف التي آمنوا لها، وكانوا على ثقة من أنها لن تغدر بهم كما تفعل مع العاديين من البشر الذين يقصرون كلامهم ووعيهم على المألوف من الكلام والوعي. إذا تعمقنا قليلاً في حياتهم اليومية سنجد أمامنا مجموعة من أصحاب المكاتب الفخمة، والسيارات الحديثة، والتماس اليومي بكل ماهو محرض على الرفاهية، يتعاملون معه كما لو أنه صنع خصيصاً لأجلهم، وهو سيبقى متاحاً لهم ما ظلوا على قيد الفعالية والوجود. هذه التفاصيل هي بعض ما يقدم به الفيلم الذي يحمل اسم «رجال الشركة» نفسه من خلاله، الفيلم من بطولة بن أفليك، توماس كييه، كيفن كوستنر، تومي لي جونز، ومن إخراج جون ويلس. ضيق بعد يسر تسير الأيام مبتسمة لرجال الشركة، وبينهم بوب (بن أفليك) رئيس قسم المبيعات الذي كان يعتبر نفسه موهوباً في عمله، حتى أتى اليوم الموعود، صبيحة أحد الأيام من العام 2008 الذي شهد بوادر الانهيار الاقتصادي العالمي، كان بوب مقبلاً على الحياة، مستعجلاً على إخبار زملائه بإنجازاته الرياضية، عندما لمس لديهم شروداً وحالة من انعدام القدرة على الكلام، لم يتمالك نفسه من السؤال بصوت عال: «هل مات أحد»؟! حينها جوبه بقرار الاستغناء عن خدماته بين آلاف الموظفين في عملية دمج للشركات المتعددة التي تنطوي في إطار مجموعة كبرى تعمل في بناء السفن وسواها من وسائل النقل العملاقة، قرار واحد حمل بين طياته الإطاحة الشاملة بأحلام آلاف من الأسر التي كانت تعيش حالات متفاوتة من الرخاء، إذ كان بوسع بوب مثلاً أن يقتني سيارة فاخرة، وأن يشتري منزلاً باذخاً، كما كان بوسع عائلته أن تتمتع بمزايا النوادي والمطاعم والسهرات، أما الموظف الأعلى رتبة، نائب المدير مثلاً، فكان باستطاعته الاستفادة من طائرات الشركة الخاصة في رحلاته المتعددة، باختصار كان في الأفق الكثير من المؤشرات التي تدل على أن الحياة تبتسم لهؤلاء الناس، وتتيح لهم مكانة واسعة في رحابها. لكي تستمر الحياة صدر قرار الفصل، وكان على الحياة أن تستمر، أي كان على المفصولين أن يبحثوا لأنفسهم عن أعمال أخرى تتيح لهم سبل العيش، هنا كان بوسع الفيلم أن يسلط الضوء على الأعماق البشرية المتباينة في طريقة تعاملها مع المؤثرات الوافدة إليها، وإن تكن متشابهة، هكذا كان بوب يحرص في بداية تبلغه قرار الفصل على عدم إبلاغ أحد بالأمر، قبل العثور على عمل بديل، لم يكن يريد رؤية نظرات الشماتة والشفقة في عيون الآخرين، أما زوجته فكانت ترى في تعميم الخبر وسيلة لتسهيل تجاوز، المحنة المستجدة، حيث بوسع الأهل والأصدقاء تقديم أيدي المساعدة كل حسب قدرته، في منزل أحد زملاء بوب كان الوضع معكوساً، الزوجة تمنع زوجها من البقاء في المنزل خشية أن يتنبه الجيران إلى كونه قد تعرض للفصل، هكذا تعين على الرجل الستيني الذي أمضى الجزء الأكبر من عمره في العمل بصفة ميكانيكي، يجمع قطع الصفيح ويلحم بعضها ببعض كي تصير سفينة، والذي ما كاد يتحول إلى العمل الإداري حتى تلقى كتاب الاستغناء عن خدماته، كان عليه بعد فصله من العمل أن يحمل حقيبته المهنية، ويغادر منزله كل صباح في موعد الذهاب المعتاد إلى الوظيفة، ليمضي نحو أماكن مجهولة ثم يعود في موعد مغادرة الموظفين، كل ذلك لأن زوجته تخشى أن يكتشف الجيران أمر زوجها. اختلاف النفوس أيضاً كان للمناخ النفسي الذي يتمايز كل شخص عن الآخر أن عكست نفسها على الطريقة التي اعتمدها كل منهم في بحثه عن عمل جديد، وهنا كان يمكن رصد حالة التعالي التي تحكمت في بوب، حيث لم يكن مستعداً للقبول بما تتيحه الظروف، مصراً على تمايزه السابق، كما لو أنه على موعد راسخ مع البحبوحة والرخاء، وأن الاستقرار الاقتصادي له ولعائلته هو حق راسخ لا يمكن الافتئات عليه. هذا الأسلوب الذي تعامل به بوب، والذي يمثل حالة تقبل التعميم في حالة الموظفين ميسوري الحال، هو التوصيف الأبرز في الاستهدافات الإيحائية التي دار حولها الفيلم، فقصة «رجال الشركة» لم تكن تحمل أبعاداً مباغتة، ولا هي انطوت على مفاجآت شأن الأفلام التقليدية التي تراهن على رفع نسبة الأدرينالين في أجساد مشاهديها، لكنها نجحت، وإلى حدود بعيدة، في الكشف عن خبايا النفس البشرية لجهة طريقة التعامل مع المستجدات الطارئة، خاصة تلك التي تحتمل مخاطر من طابع مصيري. محاولات يائسة بحث بوب طويلاً عن عمل ملائم، صمد طويلاً في محاولاته الاحتفاظ بسيارته الفارهة، واشتراكه في النادي الذي تنتمي إليه علية القوم، لكنه في المحصلة قنع بالعمل مع شقيق زوجته في مهنة النجارة متحملاً الصعوبات البدنية التي لم يألفها في عمله السابق، وعندما تلقى عرض عمل مماثل لعمله الأصلي بنصف الراتب الذي كان يتقاضاه في السابق، أخبر شقيق زوجته أنه يفضل الاستمرار معه في مهنته الجديدة، لكن الأخير نصحه ضاحكاً: «الأفضل لك يا بوب أن تقبل العرض، فأنت للحقيقة نجار فاشل»!
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©