الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«رابتر» تزيح الستار عن آلام نفسية و «طوفان» ترصد آثار اقتحام المنظومة الاجتماعية المستقرة

«رابتر» تزيح الستار عن آلام نفسية و «طوفان» ترصد آثار اقتحام المنظومة الاجتماعية المستقرة
21 مارس 2013 00:37
كان اليوم الثالث من مهرجان أيام الشارقة المسرحية على موعد مساء أمس الأول مع عرضين مسرحيين، ضمن عروض المسابقة الرسمية للمهرجان، وأقيم العرضان بمعهد الشارقة للفنون المسرحية بمنطقة الشارقة القديمة، حيث استضافت القاعة الأولي في المعهد عرضاً بعنوان «رابتر» لفرقة مسرح خورفكان، من تأليف وإخراج الفنان عبدالله زيد، أما القاعة الثانية فاستضافت عرض «طوفان» لفرقة مسرح الفجيرة، تأليف الفنان حميد فارس، وإخراج صابر رجب. في العرض الأول «رابتر» الذي يحيل على الدراجة ذات الدفع الرباعي، شارك ثلاثة ممثلين في صياغة تطلّعات ومرامي العرض، وهم: الفنان علي القحطاني في دور الزوج، والفنانة فاطمة حسن في دور الزوجة، والطفل عبد الله نبيل في دور عمر، ومنذ قراءة المتفرج لمدونة العرض فإنه يتلمّح إشارات ورسائل العمل، والتي يصفها المؤلف والمخرج عبد الله زيد، أجواء العرض بأنها تتضمن: «آلة مصنوعة من الحديد، على متنها أناس في دواخلهم ألم، وعلى وجوههم تجاعيد الرمل، تلقفهم الدهر، ولا نعرف ماذا ستفعل بهم الأقدار، يجتمعون في مكان ما، ويتفرقون لسبب ما». الخشبة وهذا المدخل سيكون ملتصقاً ومطبوعاً بشكل مباشر على ذهنية المتفرج، ومع مشاهدته للسينوغرافيا الحيادية قبل دخول الممثلين واشتباكهم مع تفاصيل المكان، حيث نستمع إلى صوت الأزيز العالي لمحرك دراجة نارية تقبع في الكواليس، وعلى طول وعمق الخشبة ثمة تلال من الرمل ونباتات عشوائية وشجرة متوسطة الطول مغروسة على يمين الخشبة، وكأننا وسط صحراء متروكة لوحشتها وعزلتها الكبيرة، وعندما يدخل الممثلون الثلاثة، وهم متراصّون على ظهر الدراجة، ويتوقفون في وسط الكادر، تبدأ بوادر مع صراعات خفية في التوافد والانكشاف، وتجمع الثلاثة في اختبار مشترك من الخوف وهاجس الضياع في برية قاحلة وخالية من أي مظاهر للحياة، بخلاف الشجرة والنباتات الشوكية المبعثرة حولها، ومن خلال حوارات متوترة وذات رتم صاخب وعالٍ بين الثلاثة، وبين الزوجين خصوصا نكتشف أن سيارة الزوج كانت قد تعطلت في الطريق الرئيسي بعد العودة من حفلة عرس في قرية بعيدة، وأن الطفل عمر أراد مساعدتهما، وقرّر أن يختصر درب الوصول إلى الشارع الرئيسي من خلال اختراقه للصحراء، ولكن الحظ السيئ وضع الثلاثة في قلب متاهة ليلية وفي العراء الواسع الذي يصعب الاهتداء فيه لمخرج أو خلاص، من حيرة خارجية منهكة أولاً، ومن حيرة داخلية أكثر إنهاكاً وتشويشاً ثانياً. لحظة المتاهة ومن هذه اللحظة بالذات، «لحظة المتاهة» يبدأ المؤلف والمخرج في تكوين شبكة من الحوارات والانفعالات المتفاوتة، بين الصعود والتوتر، وبين الهدوء والتأمل، والتي توضح لنا في النهاية المكامن الإنسانية والقصص الذاتية التي تعبّر عن تاريخ متراكم من الآلام النفسية والجسدية التي يعانيها الثلاثة، فالطفل عمر يعاني مرض الربو، ومن فقدانه المبكر لوالديه بعد ولادته مباشرة إثر حادث سير مفجع، أما الزوجان فيعانيان من العقم وعدم القدرة على الإنجاب، على الرغم من أن كل منهما يلقي باللوم على الآخر، ومع تعدد وتوسع لحظات الشد والجذب بين الثلاثة، ومع ازدياد جرعة اليأس، وتولّد شرارة طفيفة من الأمل والرهافة والتعاطف بين الثلاثة، يستقر الزوجان على قرار تبني الطفل والاهتمام به بعد خروجهما من هذه المحنة، ولكن الحظ السيئ يعيد تحريك دولابه الجهنمي مرة أخرى عندما تتعطل الدراجة، ويشتد مرض الربو على الطفل فيموت صريعاً بين يدي أمه الجديدة التي لم تكد تلامس معنى الحنان والأمومة، حتى تبخّر هذا الإحساس منها ومن زوجها في طرفة عين. المبالغة في العرض عرض: «رابتر» وعلى الرغم من الجهد المبذول فيه أدائياً وتقنياً وخصوصاً في التوزيع الأنيق والمرهف للإضاءة، إلا أنه لم يستطع التخلص من الإرث الميلودرامي المستند على المبالغة في الحوارات العاطفية والموسيقا التقليدية المصاحبة للحظات الحزن خصوصاً، مما أعادنا لصورة المسلسلات التلفزيونية الملأى بانكسارات وانعطافات مقحمة وغير قابلة للتصديق، من حيث القصدية وفداحة الخسارات الشخصية المحشورة في زمن لا يتعدى الساعة الواحدة، والتي تقوم على لعبة المصادفات المشوشة للغة المسرح، ولهواه ومزاجه الفني المستقل، الأمر الذي نقل المتفرج وبشكل تعسفي إلى منطقة تلغي المسرح ذاته وتضعه في المنطقة الرمادية التائهة الشبيهة تماماً بالصحراء المهيمنة بلا ملامح على الخشبة. «الطوفان» وفي العرض الثاني «الطوفان» تتناول حكاية العمل الأثر المدمر لدخول الغرباء إلى منظومة اجتماعية مستقرة وذات إرث وسلوكيات متعارفة ومتفق عليها وذلك من خلال شخصية شاهين (الممثل عبد الله سعيد) الذي يتسلل بخبث ودهاء للاستيلاء على ثروة النوخذة الكبير سيف (الممثل عبيد العرش)، من خلال زواجه من ابنته غالية (الممثلة علياء المناعي)، وإثارة الضغائن والفتن بين سيف وشقيقه النوخذة زيد (الممثل عبد الحميد البلوشي). ويستطيع شاهين من خلال تعاونه مع تجار ومتنفّذين أجانب- السير الإنجليزي والتاجر الهندوسي- أن يستولي على حصة سيف من السوق، وأن يهيمن على البضائع والمؤن المخزنة عنده، وتأليب سيف على أخيه باعتباره هو السارق والمتسبب في خسائره المتوالية. وفي نهاية العرض تتكشف النوايا الشيطانية لشاهين أمام الجميع، عندما يصرع سيف، ويعلن نفسه النوخذة الأوحد والأقوى في القرية، بينما نستمع لزوجة سيف، وهي تبوح بحقيقة مرة، تشرح فيها أن شاهين لا ينتمي للعائلة ولا للمكان أصلاً، لأنه مجرد لقيط تستر العارفون على ماضيه وجعلوه يندمج في منظومة المكان، ولكن هذه الحقيقة لن تجدي الآن ولن يكون لها أي تأثير بعد استيلاء شاهين على كل ثروات القرية وتهميشه وقهره لكل من يقف حجر عثرة في طريقه. العرضان غاب عنهما فن المسرح كقيمة ومعنى وانتماء جمالي للتعبير إن الانطباع الذي تركه عرض «طوفان» علينا كمتفرجين حياديين لم يكن أفضل حالاً مما شاهدناه في عرض «رابتر»، ففن المسرح كقيمة ومعنى وانتماء جمالي للتعبيرية الفائضة بالرموز والإيحاءات كان غائباً عن العرض، لأن ما رأيناه وسمعناه كان مجرد خطابات شعرية متطاحنة ولاهثة، انتفى منها جوهر الشعر ونقائه، وذلك من شدة اكتظاظ هذا الخطاب وانفلاته الكبير وعدم خضوعه للمراجعة والتشذيب والصقل والاعتناء الهادئ بالمفردة وإعطاء الحوار حقه من واقعية واتزان تفسح له مجالاً للتنفس والتواصل مع المتفرج، فكان التواصل بين هذه الحوارات الغامضة الصادرة من أصوات الممثلين الخافتة وبين جمهور القاعة، تواصلاً مقطوعاً ومبتوراً ومليئا بالفجوات التي عززها الأداء التمثيلي المبالغ به، والذي يفصل الممثل عن تكنيكات مهمة مثل العفوية والارتجال واستدعاء الدور من دون الحاجة إلى التقمص الجبري فيه، وبالتالي فإن الفاصل الوهمي بين الممثل وبين فعل التمثيل، والمفترض أن يكون شفافاً وضبابياً، تشكّل مثل فاصل سميك وصلد، أثر على التفاعل الحرّ والحيوي بين مكونات العرض وبين الجمهور. وعانت مسرحية (طوفان) أيضاً من الموسيقا التغريبية البعيدة تماماً عن الزمن والأجواء التي تدور وتتشكل فيها مسارات الحبكة الدرامية، وكان وجود العازف ضمن طاقم التمثيل، وضمن الهيكل الأساسي للسينوغرافيا وفي الجهة العلوية لمنزل أبو سيف مقلقاً للسياق البصري والسمعي لدى المتفرج، وكان من المستغرب أن يلجأ المخرج صابر رجب لهذا التكوين المقحم داخل فضاء العرض لمجرد كسر الانطباع الزمني وعزله في منطقة الماضي المتخيل أو الافتراضي، لأن ما حدث فعلاً أن وجود العازف بملابسه الغربية الحديثة وسط بيئة ساحلية قديمة أشاع جواً من التهكم وسط الحضور، وعزل المتفرج في منطقة من العبث السلبي واللا معقول الجارح لمعنى التجريب والمغامرة في المسرح.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©