تداعيات نقد كاذب

بدأت عيناي تعبران بحر الكلمات·· إذ رأيت امرأة ترسم أغصان الخريف·· كنت أسمع ضربات فرشاتها كأنها طبول تقرع·· أقبل نحوها، رجل دخل البحر وهو بكامل ثيابه، أمسك عنها الفرشاة·· ورسم على لوحتها صورة سطح البحر، لم تبال بتلك الأمواج التي غزت سطح اللوحة، بل أكملت لوحتها ووضعتها على الصخر بقرب الميناء حتى تتلقفها الأعين·· ظهر مرة أخرى ذاك الرجل، ليمسك بالفرشاة نفسها ويرسم على اللوحة مرة أخرى سطح البحر·· أقبلت نحو اللوحة لتعيد بناءها، فحاولت أن ترسم بجانب الشجر بحراً عميقاً، لكن طغت فرشاة الرجل على اللوح فظهر السطح بشكل بارز على اللوحة، أخذت لوحتها نحو مكتبة النقد، باحثة عن عمق البحر، ولم تجد ضالتها، ثم أخذتها نحو مجموعة من المعارض لتحصل على تقييم فني دقيق وصادق، لم تفلح محاولاتها لإيجاد التقييم الذي تأمل، إنتابها اليأس، بدأت جمرة القنوط تحرق لوحاتها· لم تعد تقدر على حمل الفرشاة ولم تعد ترسم، أو حتى تخربش على الأوراق· الآن لم تعد ترى النور، لقد أقبل إليها السواد بلحية بيضاء اللون، لقد طوقها بلحيته البيضاء حتى اختنقت وماتت منتحرة، وبعد غيابها عن الحياة، تم عرض لوحاتها ويا للمفارقة يأتي ذلك الرجل الذي ادعى النقد وشوه لوحتها وحطم آمالها لتكون فنانة تشكيلية، ليقول إن ''أغصان الخريف'' عمل عميق· ذلك الرجل يمثل الناقد غير الواعي بحقيقة الأصالة في العمل الفني، ولكن قلمه خربش على الأوراق فقيل عنه ناقد، هذا الرجل افترس لوحات تلك الإنسانة التي كانت تمتلك حساً مرهفاً وفرشاة ذات ضربات عميقة، لقد توقف الإبداع نتيجة كلمات تفوه بها ذاك الرجل المدعي النقد، ليبدي رأيه الخاص بعيداً عن الوعي، والغريب أن إدراكه لحقيقة العمق جاء متأخراً· سؤال نوجهه إلى الكتاب، هل تكتبون عن أعمال قد برزت، أم أنكم تريدون إبراز المنتج الفني؟ في الحقيقة ما نراه هو أن الكاتب الذي نتحدث عنه، يريد التحدث عن نفسه وليس عن المنتج الفني، فعندما نعت لوحات تلك الفنانة بأنها سطحية، يعني بأنه كان يقول عن نفسه: نظرتي النقدية لم تكتمل بعد والسطح يمثل عدم الوعي المعرفي لصدقية النقد·