السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلة سينمائية إلى «هناك»..

24 مارس 2011 16:35
الطيب بشير يروي فيلم “البلكونة المطلّة على البحر Un balcon sur la mer، شذرات من حياة مخرجته الفرنسية في الجزائر. المخرجة هي نيكول جارسيا التي ولدت بوهران بالجزائر، ومن بطولة ماري جوزيه كروز Marie Josée Croze وجان د ي جاردان Jean Du Jardin، وقد عدّ النقاد هذا الفيلم واحدا من أهم الأفلام لعام 2011، والمخرجة هي في الأصل ممثلة ولدت عام 1946 بمدينة وهران وسبق لها أن فازت عن فيلم “Le Cavaleur” بأوسكار أحسن دور نسائي ثانوي، وقد أخرجت لحد الآن ستّة أفلام من أهمّها “ساحة فاندوم” Place Vendôme “والمنافس” L’adversaire . تتخلل فيلم “بلكونة مطلة على البحر” أحداث فيها الكثير من المفاجآت والتشويق وطبعا قصة حب. فالبطل هو صاحب وكالة عقارية بمدينة “نيس” الفرنسية، تعرف على إمرأة تبدو في البداية يلفها الغموض، ويجمعها مع البطل قاسم مشترك هو إنهما ولدا بالجزائر أيام الاستعمار، وإنه أحبها هناك عندما كان عمره 12 عاما، وحصل اللقاء بينهما صدفة تذكرنا بالصدف التي نراها في الأفلام المصرية القديمة، إذ إنه بحكم عمله في وكالة عقارية صادف أن توسط في بيع فيلا مطلة على البحر، وكانت المشترية هي المرأة التي أحبها طفلة يوم كانا يعيشان في جيرة بالجزائر، هي صدفة من صدف الحياة ورغم أن الرجل متزوج وله إبنة في الحادية عشرة من عمرها إلا أن هذا اللقاء أثار فيه الحنين الى الماضي وتجدد الغرام بينهما وعاشا قصة حب ساخنة. وتؤكد المخرجة أنها بثت في أجواء الفيلم ومناخه شيئا من ذاتها وذكرياتها، تماما مثلما حصل في شريطين سابقين لها: Un Week end sur deux و”الابن المفضّل” Un Fils Préfère ولكن ذكريات المخرجة تذوب وسط القصة، وقد اعتمدت أسلوب “الفلاش باك” لتعود إلى عام 1962 تاريخ استقلال الجزائر، وكانت مدينة وهران قبل شهرين من هذا التاريخ تعيش في ظل حالة طوارئ. والمشاهد للفيلم يلاحظ أن ارتماء المخرجة في ذكرياتها القديمة في مدينة “وهران” الجزائرية كان خاليا من الشاعرية، ولم يكن تأثير العودة الى الماضي مشحونا بعاطفة جياشة، حتى إن بعض المشاهدين الفرنسيين للفيلم من الذين عاشوا في الجزائر في تلك الفترة، لم تحرك القصة فيهم الحنين بل أن البعض منهم شعر بالملل. في تلك الفترة كان عمر المخرجة ستة عشر عاما، ولكنها احتفظت في مخيلتها بكل ما جد حولها وقتها، ونقلته اليوم من خلال قصة الشريط السينمائي، وهي تتذكر الأجواء المشحونة التي سادت وقتها بين الفرنسيين المتعصبين لـ”الجزائر الفرنسيّة” رافضين مبدأ استقلال الجزائر مهما كان الثّمن، وبين المعتدلين الذين يرون أن من حق الشعب الجزائري أن يقرر مصيره. من المفترض أن يكون الفيلم قد جاء على شكل رحلة في الذاكرة، ولكن المخرجة التي أرادت الوقوف عند جزئيات كثيرة أضاعت أحيانا في خضم ذلك، الجوهر ولكن الممتع هو الإحالة الى أحلام الطفولة وهي أحلام عذبة، فكان استرجاعها مغذيا الشريط خصوصا بعض اللقطات التي تظهر الحنين الى تلك الأيام الخوالي. ويظهر من بين الشخصيات في الفيلم رجل صاحب محل لبيع لوازم البيوت من أقفال وطلاء، وكان والد المخرجة يمتلك محلا لبيع نفس هذه المواد، وقد أختار والدها ـ وهو إسباني الأصل ـ أن يحصل على الجنسية الفرنسية منذ أن كان عمره 17 عاما، فتواجدت عائلة المخرجة في الجزائر على امتداد أجيال ثلاثة وكان الفقر هو الدافع لجد المخرجة للهجرة إلى الجزائر نازحا من قريته القريبة من مدينة “الحمراء” بإسبانيا. وبعد استقلال الجزائر غادرت عائلة غارسيا البلاد نحو فرنسا، وعلى غرار الفرنسيين فإنّ هذه العائلة عاشت الألم والحزن والحسرة وعاشت كذلك الهجرة كجرح مفتوح، وقد احتفظت المخرجة على مر السنين في اللاشعور بما عاشته في طفولتها ومراهقتها في مدينة وهران، وهي تقول بأنّها وجدت في روايات الفرنسي البير كامو الذي عاش في الجزائر ردحا طويلا من حياته بعد هجرتها، خيطا وصلة بينها وبين البلد الذي ولدت وترعرعت فيه. وقد أظهرت المخرجة الكثير مما ادخرته من ذكريات من خلال الشخصيّات التي حركت الأحداث في الفيلم، فهي تتذكر انه لما كانت تلميذة في فرنسا كان بعض أساتذتها يتحدثون عن الجزائر مستعملين عبارة “هناك”، وكانت تحس أنها عبارة مهينة، فالمخرجة في هذا الشريط أرادت ان ترسم صورة عن طفولتها الجزائرية. وتتخلل الشريط أحداث سياسية عرفتها الجزائر في تلك الحقبة العصيبة، على غرار حادثة الانتقام من شاب وطني على أيدي الاستعماريين الفرنسيين واغتياله. وقد تم تصوير اللقطات التي تحيل الى الماضي في مدينة وهران. والحقيقة ان قصة الحب في الفيلم جعلتها المخرجة مطية لرحلة لها في الذاكرة ولاسترجاع ذكرياتها عن فترة ومدينة بقيت راسخة في مخيالها، وغلفت كل ذلك بقصة رجل يبحث عن ذاته وعن الآخر من خلال ماضيه، فالمرأة التي التقاها صدفة حركت فيه صور الماضي، ولأنها عاشت معه ليلة حب واحدة ثم اختفت فان المخرجة أرادت بذلك أن تجمع الحاضر بالماضي ثم ان تفرق بينهما بسرعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©