الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأجداد يقفون على الأطلال والأحفاد يسايرون تطورات العصر

29 أغسطس 2009 23:38
يزفر أبو محمد الصالحاني، وهو يضرب كفاً بكف، ويقول:»سقا الله أيام زمان، كان في رمضان عادات وتقاليد وروحانيات وتواصل وتراحم. أما هذه الأيام، فقد تغير كل شيء، حتى أن بعض رجال الدين صاروا يظهرون على التلفزيون بالطقم الإفرنجي، وربطة العنق، ومن دون عمامة! لقد تغير كل شيء يا بني. الز من يركض ويتغير، والناس تتغير، والروحانيات تهرب، كما يهرب الماء من بين الأصابع. كل شيء أصبح على الموضة». ويأخذ زمام الحديث أبو يحيى فيقول:»لا تفهموا أبو محمد خطأ، فهو لا يتحدث عن الأشكال، بل يتكلم في الجوهر، إن رمضان لم يتغير، فهو شهر صوم وعبادة، لكن الناس تغيرت، وهناك من غيّرها. الفضائيات غيرتها والموبايلات غيرتها، وأماكن السهر واللهو سرقتهم من روحانيات رمضان. في الماضي كان الناس، وخاصة الأقرباء والأصدقاء يزورون بعضهم بعضاً ويباركون لبعضهم برمضان. أما الآن فأصبح الواحد منهم يكتفي برفع سماعة الهاتف للمباركة، أو بإرسال مكتوب (رسالة) بالموبايل. وكانت الأسر تتناوب على موائد الإفطار، فكل إفطار في بيت. أما اليوم، فالإفطار يحضر من المطعم جاهزاً، أو يذهب الصائمون إلى المطعم ليتناولوه. لقد تغيرت الحياة وتغير البشر». استيلاء على المشاهد عن سهرات رمضان يقول الحاج أبو فخري:»سهرات رمضان كانت تبدأ بعد صلاة التراويح، وكانت تجمع الأقارب والعائلات، وتخلق جواً أسرياً وروحانياً آسراً. أما اليوم فهناك الفضائيات التي تسرق بني آدم حتى من نفسه، سيل من المسلسلات وبرامج المنوعات والرقص والغناء، حتى أفراد الأسرة الواحدة، إذا جلسوا إلى التلفزيون لا يحدث بعضهم بعضاً، بل يشخصون إلى التلفزيون. وبعضهم ينفرد بتلفزيون خاص في غرفته كي يشاهد ما يعجبه». ويعقب أبو أحمد:»لقد أصبحت سهرات رمضان مسلسلات ومسابقات، وكل فضائية تسابق الأخرى في الاستيلاء على المشاهد، وهو داخل منزله، حتى قل عدد الذاهبين إلى صلاة التراويح، وقبل الإفطار كان المقرئ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد هو نجم أيام رمضان في الشام، ومثله المقرئ الشيخ مصطفى إسماعيل والمقرئ الشيخ صديق المنشاوي. أما اليوم فحدث ولا تسل عن الفوازير لرمضان وراقصات الفوازير، وبرامج المسابقات. إنهم يسرقون الشباب من أنفسهم». سياحة أم عبادة؟ أما الحاج أبو سعيد، فيرى بتشاؤم أن هذه الأيام هي آخر الزمان، لأن البعض جعل من أيام العبادة في رمضان أيام فرفشة وسياحة، في الخيم التي تنسب إلى رمضان ظلماً وعدواناً. ويتساءل: «ماذا يفعل الساهرون في الخيم الرمضانية، يتناولون طعاماً سياحياً ويدخنون الأرجيلة (الشيشة)، وربما وجد مطرب ومطربة أو أكثر، فهل هذه هي أجواء رمضان وروحانياته؟ لقد كنا نعيب على من يذهب لسماع الحكواتي. لكن معظم الناس، وخاصة الشباب والشابات يداومون بشكل يومي في الخيم الرمضانية التي توفر التسلية والطرب، وكأن ليالي رمضان موسم للتسلية والسياحة الداخلية، بدل أن يكون شهر عبادة وعودة إلى الله». ويقول المدرس المتقاعد أبو ليلى: لقد حولوا ليالي رمضان إلى فولكلور وسياحة، أما نهارات رمضان فإن كثيرين ينامون خلالها، لأنهم يقضون الليل في الخيام. وحتى الفقراء، فإنهم يتخذون من التلفزيون خيمة سهر، فلا يتركون مسلسلاً أو مسابقة إلا ويشاهدونه، حتى إذا حل موعد السحور، شبعوا ترفيهاً وتسلية، فأين هذه الأجواء من أجواء رمضان الإيمانية الروحانية؟!. المحادثة ثلثا المشاهدة هذه آراء كبار السن في ليالي رمضان. أما الشباب فيعتبرون أن ما حصل أمر عادي ويتفق مع الزمان والتطور، ويقول غسان عبد الله (27 سنة):»أنا أصوم في النهار، فما الذي يمنعني من التمتع بالتسلية البريئة في الليل في الخيم الرمضانية أو أمام التلفزيون؟! الأمر عادي جداً، لكن الأجيال القديمة تتبرم من كل ما تفعله الأجيال الجديدة». ويعترض زياد أحمد على من يحتجون على تبادل التهاني برمضان عبر (الموبايل) ويقول:»المحادثة ثلثا المشاهدة، وطالما أنني قادر على أن أقول لقريبي رمضان مبارك أو رمضان كريم على الهاتف أو برسالة sms فما هو المانع والضرر من ذلك؟» أما وليد مخللاتي فيعتبر أن كل جيل يحب أن يعيش عصره، ورمضان يجب أن يعيش العصر أيضاً، ويسأل من يحتجون:» لماذا ينتظرون آذان الإفطار ـ المغرب ـ على التلفزيون؟. خاصة إذا اعتقد بعضهم أن شاشات التلفزيون تخفي شيطاناً». ويقول سامي أنطكلي:»لكل جيل طريقة في التفكير والعيش، وعلينا أن نجاري عصرنا، وأن نعيش رمضان بحسب ما نعيش أيامنا. والأمور نسبية دائماً، فنحن نفرح برمضان ولطقوسه وعاداته، لكننا نعيشها بحسب تفكيرنا». ويحتج أنور زكريا، قائلا: «لماذا يريدنا بعض الآباء أن نكون نسخة عنهم في تفكيرهم وأسلوب حياتهم؟. إن هذا ظلم. وعلى أي إنسان أن يعيش زمنه، وأنا أرى أن الخيمة الرمضانية لا تتناقض مع روحانيات رمضان، وهل أعيش هذه الروحانيات إذا جلست وبكيت ولا أعيشها إذا ضحكت وتمتعت بليالي رمضان؟» رمضان يفقد تقاليده ما بين تذمر كبار السن، وآراء الجيل الجديد، يتبين أن أيام وليالي رمضان قد تغيرت في دمشق، وافتقدت الكثير من العادات والتقاليد، وروحانيات الزمن الماضي، وأصبح الصيام عند البعض مجرد طقس سنوي، حتى موائد الإفطار في البيوت لم تعد كما كانت. فالعصر الحديث والحياة السريعة وضغوطها لم تعد تسمح بأن تجتمع عدة أسر إلى مائدة إفطار واحدة إلا ما ندر. كما أن طقوس سهرات رمضان تغيرت كثيراً جداً، بحكم وسائل الاتصال والفضائيات الكثيرة ووسائل التسلية الحديثة وابتكارات أصحاب المطاعم والخيم الرمضانية، بحيث يمكن القول إن رمضان صار شهر سياحة داخلية ضمن المدينة نفسها. لكن هذا لا ينفي أن طلاب المعاهد الدينية الشرعية، مازالوا يواظبون على التمسك بروحانية ليالي رمضان، لاسيما لدى الطرق الصوفية التي تحيي ليالي الشهر الفضيل بالعبادة والذكر وقيام الليل. مرق وخرق وصر الورق يرى أبو توفيق أن بعض الأجداد لم يكونوا على صواب، حين وصفوا العشر الأول من رمضان «بالمرق»، أي بالشوربات والطعام، والعشر الثاني «بالخرق» أي شراء الملابس وكسوة العيد، والعشر الثالث (لصر الورق) أي إعداد حلوى العيد. لكننا اليوم نرى أن الأعشار الثلاثة أصبحت للمرق والخرق وصر الورق! لأن المطاعم والمحلات وأصحاب الخيم الرمضانية، تفننوا في وسائل الجذب والدعاية لمأكولاتهم وسهراتهم وحفلاتهم، فكأنهم يسرقون ليالي رمضان من الجيل الجديد ويحرمونهم من الحفاظ على تقاليد الآباء والأجداد. الحاج أبو نذير يقول:»رمضان صيام في النهار وعبادة في الليل، كان الكثير من آبائنا يمضون فترة ما بعد التراويح في المسجد للاستماع إلى الأحاديث الدينية والإنصات إلى تلاوات من القرآن الكريم حتى موعد السحور. وكانوا يصطحبون أولادهم معاً. أما اليوم فكثير من الأسر تذهب بقيادة الأب، وأحياناً بصحبة الجد إلى الخيم الرمضانية».
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©