الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صور نمطية حول الشريعة الإسلامية

20 مارس 2012
أصدر مجلس النواب في ولاية فلوريدا الأميركية مؤخراً قانوناً (لم يمرر بعد في مجلس شيوخ الولاية)، يمنع استخدام "القانون الأجنبي" في المحاكم المحلية. وقد يبدو مشروع قانون كهذا غير مؤذٍ، ولكن حسب صحيفة "ميامي هيرالد"، فقد جرى تداول منشورات في مكاتب مجلس الشيوخ تصف بعض مبادئ الشريعة الإسلامية بأنها "تهديد إسلامي للدستور الأميركي". وقد رأيت هذه المواقف الجاهلة نفسها في ردود فعل بعض زملائي حيالها أثناء دراستي النوعية التي استمرت مدة أربع سنوات حول نظام الزواج والطلاق في الإسلام بأميركا الشمالية. وكان جوابهم أحياناً مقتصراً على أن يقولوا باستغراب: "هل هناك طلاق في الإسلام؟". وعندما شرحْتُ لهم أيضاً أنه على رغم كون المرأة في الإسلام تُعامَل بطريقة مختلفة عن الرجل، (الذي يملك وحده الحق في الطلاق في التشريع الإسلامي)، إلا أنها تملك الحق في طلب الطلاق على أسس عديدة ولاعتبارات يأخذها الشرع في الحسبان، (وأن ذلك يُطبّق منذ القرن السابع)، كان الجواب في الغالب "ولكن ألا يرجمون النساء بالحجارة فحسب؟"، في ترداد واضح لصورة نمطية سلبية متفشية لدى كثيرين في الغرب. ويتأصّل النقاش الأميركي العام في هذا السياق أساساً في مفهومين خاطئين حول الإسلام والمسلمين بشكل عام، والشريعة بشكل خاص. أولها أن المسلمين يملكون قيماً مختلفة جداً مقارنة بالثقافات والديانات الأخرى. ونادراً ما يستطيع أحد أن يفسر، مع ذلك، ما هي هذه القيم المختلفة. والانطباع الوحيد الذي يمكن استنتاجه من تصورات هؤلاء هو أنها قيم مخيفة! أو كما قالت إحدى الطالبات لأستاذها "لا أعرف في الحقيقة شيئاً عن الشريعة، فقط أعرف أنها شيء مخيف"! والحال أن معظم الأميركيين لا يعون أن الجانب الأغلب للشريعة، كما يفهمها ويمارسها الأميركيون المسلمون والدول ذات الغالبية المسلمة ذات الأنظمة القانونية الإسلامية، يتعلق بقضايا الأسرة، بما في ذلك قوانين الطلاق والميراث. وتنحصر الشريعة بالنسبة للأميركيين المسلمين في الالتزام بشعائر الزواج الإسلامية، وفي بعض الحالات الاستعانة بإمام لرفع أمر طلب الطلاق، وكل هذه أمور بعيدة كل البعد عن الصورة النمطية السلبية في المخيال الغربي حول الشريعة. والمفهوم الخاطئ السائد الثاني هو الاعتقاد بأن الأميركيين المسلمين يرفضون القواعد السلوكية والقيم الغربية لصالح قواعدهم وقيمهم الخاصة "المختلفة". وفي دراستي حول الزواج والطلاق بين مسلمي أميركا الشمالية، يتمثل المستَطلَعون الذين يزيد عددهم عن 200 شخص من الرجال والنساء المطلّقين وأئمتهم، الأنظمة القانونية الأميركية أو الكندية، واعتبروا تقاليدهم الإسلامية على أنها مكمّلة وليست بديلة لمتطلبات الزواج والطلاق القانونية. وكان 95 في المئة منهم قد تزوجوا بعقد نكاح ورخصة قانونية. كما تطلّق العديد منهم "مرتين"، مرة وفق شعائر الإسلام بموافقة إمام مسجد، ومرة بصورة قانونية من خلال الحصول على مرسوم طلاق من محكمة مدنية. ولم أجد أي اهتمام تقريباً بإنشاء نظام قانوني ديني موازٍ، حيث يعتبره معظم الأميركيين المسلمين غير ضروري بتاتاً، لأنهم يرون التزاماتهم الإسلامية على أنها خاصة بهم فقط وأنها متناسقة مع النظام القانوني الرسمي. والواقع أن أولئك الذين شاركوا في الاستطلاع الذي أجريته اتجهوا إلى المحاكم المدنية بشكل منتظم لحل القضايا الخلافية في الطلاق عندما لم يتمكنوا من التوصل إلى الحلول الشخصية الخاصة بهم، تماماً مثل بقية الأميركيين العاديين. وقد كُتِب على يافطة إعلامية كبيرة خارج مدينة ديترويت بولاية ميشجان عام 2008 "قانون الشريعة يهدد أميركا"! والحال أن تصرفات مستفزة كهذه، والمشاعر الكامنة وراءها، تروج للفرضيات الواسعة التي ما فتئت تتفشى وتزعم أن المسلمين مصممون على فرض قيمهم "هم" على غير المسلمين من خلال النظام القانوني (كما ظهر في جهود متنوعة على مستوى أميركا لإصدار قوانين مضادة للشريعة، مثل ولاية فلوريدا). وتُظهِر دراستي المذكورة حقيقتين مخالفتين. فليس المسلمون مهتمين بتاتاً بفرض الشريعة على غير المسلمين. وإضافة إلى ذلك فإن المحاكم الأميركية، بعيدة عن أن تطبّق التشريعات الدينية. ويتركز معظم حالات الطعن المتعلقة بالقانون الإسلامي في المحاكم الأميركية بقضايا دفع المهور. والزواج الإسلامي عقد مماثل لاتفاقية ما قبل الزواج التي يُحدِّد فيها المهر مسبقاً ما تحصل عليه الزوجة عند الزواج أو عند الطلاق. وفي هذه الحالات رفضت المحاكم وبشكل مثابر وبإصرار تطبيق هذا الوعد، على رغم أنه يحقق جميع المتطلبات التعاقدية (أنه أعّد خطيّاً وشهده مئات المدعوين إلى حفل الزواج، وأنه تم أيضاً طوعيّاً، وبالتراضي)، لأن عقد النكاح اعتبر عقداً دينيّاً من وجهة نظر المحاكم. والواقع أن بعضاً من المسلمين ممن استخدموا عقد النكاح كانوا أيضاً علمانيين إلى درجة كبيرة، ولكنهم أرادوا احترام التقاليد الثقافية الخاصة بمجتمعاتهم. وعند تفحّص ذلك عن كثب نرى أن الادعاء الذي كثر الحديث عنه بأن المحاكم الأميركية تحتاج إلى حصن ضد "الأسلمة الزاحفة" لا أساس له من الصحة. ولا يمكن مجابهة سلبيات ثقافة الخوف والعداء ضد المسلمين إلا بمزيد من المعرفة وبالاستناد إلى بيانات بحثية وعلمية دقيقة، بعيداً عن أية صور نمطية، أو مغالطات لا طائل من ورائها. جوليا ماكفارلين أستاذة القانون بجامعة «ويندسور» الكندية ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©