الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا·· تراجع العدالة وعودة جولين

تركيا·· تراجع العدالة وعودة جولين
30 يونيو 2008 22:40
كان يفترض أن يهم قادة الحزب الحاكم والحكومة معا لقضاء بضعة أيام في المدن الساحلية هربا من صيف العاصمة الحار، لكن يبدو أن كافة مشاريع الأجازات -تسمى ''تعطيل'' باللغة التركية- قد كتب عليها أن تدرج في النسيان، فلا وقت لراحة البال، كما أن الأمل معدوم في إغلاق الملفات التي جعلت الحياة السياسة لا تقل سخونة عن لهيب شمس أنقرة، فالمحكمة ستقرر حكمها في بقاء العدالة والتنمية أو إغلاقه مع بدايات الشهر القادم على أقل تقدير، وهو ما يعني أن الصيف سيكون على وشك الوداع خاصة، وأن الأمطار تبدأ في الهطول اعتبارا من منتصف أغسطس· أذن الصخب والضجيج مستمران طوال الشهور القادمة، وتكريسا للجدل المحتدم بين أنصار مبادئ الكمالية -وهؤلاء المنطلقين سياسيا من جذور إسلامية- هبطت مفاجأة من العيار الثقيل، والدليل على ذلك أنها رجت الأركان، متصدرة عناوين الصحف السيارة على اختلاف توجهاتها وانتماءاتها، فكل تهم الرجعية سقطت دون رجعة، ومعها فُتح الباب على مصراعيه أمام عودة الداعية الإسلامي ''فتح الله جولين'' من منفاه الاختياري بالولايات المتحدة الأميركية، والحق أن قطاعات من البشر التي انهكتها -ولازالت- أسعار السلع الأساسية كادت أن تنسى الرجل الذي يرعى عشرات المدارس التي تنشر التقوى والفضيلة مع علوم الدنيا، ولكن القضاء التركي أعاد للهوجة المُعلم إلى الضوء من جديد، وبدوره لم يخب الشيخ المسن ظن رعاة العدالة، الساهرين على بسطها لتشمل الجميع دون استثناء، أيديولوجي أو طبقي، إذ قال إن العدالة مستمرة في بلاده وتأبى الغروب أبدا، والأناضول عليه أن يكون فخورا بنزاهة قضاته، وفي رد غير مباشر على حالات هلع، وجدت طريقها إلى كافة وسائل الأعلام، شدد ''جولين'' -لم يقرر توقيت العودة للوطن- أنه لن يكون بأي حال من الأحوال ''خميني'' آخر! هنا لا يمكن أن يمر هذا المشهد دون أن يلفت نظر أي مراقب للشأن التركي، لما ينطوي عليه من دلالتين في غاية الأهمية، فالقضاء الموصوف بالنزاهة متهم دائما من قبل رعايا ومحبي ''جولين'' بالتطرف العلماني من جانب، والعداء للدين من جانب ثان! تلك الأولى، أما الدلالة الثانية فتمثلت في كونها تأتي بعد أسابيع قليلة من صدور حكم القضاء الدستوري، الذي ألغى التعديلات الحكومية التي طرأت على مادتي 10 و 42 من الدستور والمادة 17 من قانون التعليم العالي وتجيز ارتداء الحجاب بالجامعات، ودور العلم المتوسطة والعليا، وسبق وقررها البرلمان· وبين الدلالة الأولى والثانية، بدا مشهد الانقسام وقد تسيده معسكران، كل منهما يتربص بالآخر، فقبل أيام وتحديدا يوم الاثنين الذي وافق السادس عشر من يونيو، استقبلت الطالبات في جامعة ''بيل كنت'' الشهيرة بقلب العاصمة الرئيس ''عبد الله جول'' بصور ضخمة لمؤسس تركيا الحديثة ''مصطفى كمال أتاتورك'' والعلم التركي يحتضنه، المعنى واضح لا يدانيه شك، فالجمع مدعوم من أساتذة الجامعة، أبدى رفضا ''مهذبا'' للرجل المؤيد لغطاء الرأس، وتأييداً لما ذهبت إليه المحكمة الدستورية، برفضها التعديلات الخاصة بالحجاب، ''فلا مكان بتركيا للثأر الشخصي، إشارة إلى حرمان حرم رئيس الحكومة من دخول القصر الرئاسي أبان رئاسة ''أحمد نجدت سيزر'' وزوجة الرئيس ''جول'' التي لم تتمكن من دخول الجامعة قبل خمسة عشر سنة بسبب غطاء الرأس· وفي الوقت الذي يتكاتف فيه العلمانيون يوحدون صفوفهم أمام ''هجمة دولة الشريعة''، كانت هناك فصول درامية تحكي -ولازالت- عن تباعد في الرؤى داخل صفوف أروقة الحزب الحاكم، فالذين سبق وأبدوا تحفظا على إثارة قضية الحجاب كونها ستؤجج صراعا غير مبرر، صاروا يجاهرون علانية برفضهم لسياسة رئيس الحكومة والتي ستؤدي لا محالة إلى إغلاق الحزب· أما في قصور الحكم التي يسيطر عليها العدالة والتنمية، فقد أزاحت الصحف النقاب عن تنافس نسائي شديد ''في حريم السراي'' -كما ورد في إحدى الصحف الكبرى- بين السيدة الأولى ''خير النساء'' التي تتبوأ مقعدها في القصر الرئاسي، ووصيفتها ''أمينة'' هانم التي أخذت عهدا على نفسها، ألا تطأ قدماها الكشك (القصر الجمهوري)، لسبب غير معلن، لكن تسريبات المقربين كشفت عن غيرة تعتمل في نفس حرم رئيس الحكومة، التي تمنت أن تكون هي السيدة الأولى، وكم حاولت الإيعاز للزوج بأن يعرقل زحف صديقه ''جول'' نحو المنصـــب الرفيع بحجـــة تجنب الصراع مع العسكريين· هذا الصراع أغرى البعض بالتطاول على الحكومة حتى ولو أقدمت على فعل إيجابي، فمن جانبها وفي برنامج جماهيري بالتلفاز سخرت الفنانة التركية الشهيرة ''ياشيم سالقم'' من ''الطيب رجب اردوجان'' محذرة إياه أن يحذو حذو السلطان ''مراد الرابع'' الذي كان يتخفى في ملابس عادية ويمشي بين العامة يراقب هؤلاء المصرين على عدم تنفيذ أوامره بمنع الخمور، ورغم أن التشبيه قاس خاصة وان الإجراء الذي انتقدته الفنانة كان بدء تنفيذ منع التدخين في الأماكن العامة، لكنه السخط على أي شيء طالما جاء من حكومة العدالة! ومن ثم لم يكن الأمر غريبا في تراجع شعبية الحزب الحاكم، وهو ما أظهرته استطلاعات الرأي التي قامت به مؤسسات -نفسها كانت قد بشرت بفوز العدالة بنسبة 47 بالمائة في الانتخابات العامة وهو ما تحقق بالفعل-، ولكن الشيء الملفت الآن هو الحنين نحو الماضي القريب، فقطاعات من الجماهير تطالب بعودة ''تانسو تشللير'' رئيسة الحكومة السابقة والتي اعتزلت العمل السياسي منذ أكثر من خمس سنوات إلى الحياة السياسية من جديد، وقيادة حزب الطريق القويم اليميني العلماني الذي كانت تتزعمه طوال الفترة من 1993 وحتى 2002 · في المقابل تبدو ملاحظة جديرة بالاهتمام فالجنرال ''يشار بويك آنك'' رئيس المؤسسة العسكرية، الرجل القوي الذي جاء يصحح مسار سابقه الجنرال ''حلمي أوزكوك'' الذي تساهل تجاه الأصولية والأصوليين، كان قاطعا وحاسما، بأنه لن يستمر بعد أغسطس حيث نهاية خدمته، مؤكدا على أن هناك قيادة تستعد لاستلام زمام القيادة متمثلة في الجنرال قائد القوات البرية ''اليكار باشبورج'' الذي شدد بدوره على الحفاظ على الطابع العلماني للدولة، قاطعا الطريق على ''أردوجان'' الذي قيل إنه بصدد التودد له لعل وعسى أن يتمكن هو وحزبه من النجاة· ويالها من مفارقة، العدالة الذي كان يفتخر بأنه قلص دور العسكر ها هو الآن يقحم الجيش في السياسة!! سيد عبدالمجيد- انقرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©