السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

شمس «النفط الرخيص» لن تغرب غداً

شمس «النفط الرخيص» لن تغرب غداً
28 أغسطس 2009 23:50
تقوم نظرية «ذروة النفط» على أساس أن الندرة الجيولوجية سوف تصل إلى نقطة يصبح من المستحيل بعدها أن يتمكن الإنتاج البترولي العالمي من تجنب التراجع والانهيار، وبداية ما يعرف بـ«نهاية عصر النفط». ومع بدء تراجع أسعار النفط في الصيف الماضي اختفت تدريجياً الآراء المؤيدة لهذه النظرية، ولكن خرج الفاتح بيرول، أحد كبار الاقتصاديين في وكالة الطاقة الدولية ليؤكد أننا سوف نصل الى نقطة «ذروة النفط» خلال 10 سنوات فقط، أي قبل عقد كامل من التوقعات السابقة . ويروج لنظرية ذروة النفط العديد من العلماء غير المتخصصين الذين اعتمدوا في النتائج التي توصلوا إليها على تحليلات ضعيفة للبيانات وتفسيرات خاطئة للنواحي الفنية. ولكن تكمن المشكلة في أن الإعلام (الغربي) تلقف هذه النظرية، وأبرز التأييد الذي حظيت به من شخصيات بارزة مثل جيمس شيلزينجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق وبون بيكينز المتخصص في شؤون النفط، مما قاد إلى شعور الجمهور العادي بجدية وخطر المسألة. ويشير الكاتب مايكل لاينش في تحليله الذي أوردته صحيفة «انترناشيونال هيرالد تريبيون» مؤخراً إلى أن الفحص الدقيق للحقائق يكشف بجلاء أن معظم الادعاءات بشأن «ذروة النفط» اعتمدت على معلومات مبهمة ومراجع لا تتسم بالمصداقية وجهل تام بالطريقة التي تعمل بها الصناعة النفطية فيما يتعلق باكتشاف الحقول واستخراج البترول. وأوضح أن خطورة هذه النظرية هو استمرار الترويج ل لها في الأوساط النفطية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم، بل أن مؤسس جمعية دراسات الذروة النفطية كان قد ادعى في عام 1989 أننا قد تخطينا أصلاً نقطة الذروة كما أشار سيلزينجر أيضاً من جانبه قبل عقد من الزمان أن الإنتاج النفطي سوف لن يشهد الارتفاع مرة أخرى على الإطلاق. وشعر هؤلاء العلماء وكبار الاقتصاديين المؤيدين لنظرية ذروة النفط بالصدمة بعد أن اكتشفوا أن السائل المتدفق من حقل غوار النفطي العملاق في المملكة العربية السعودية الذي يعتبر المكمن الأكبر في العالم الذي يتم اكتشافه حتى الآن يحتوي على كمية من المياه بنسبة لا تزيد على 35 في المائة فقط بسبب أن السلطات السعودية استمرت تضخ كميات كبيرة من مياه البحر في داخل الحقل من أجل المحافظة على الضغط وتسهيل عملية الاستخراج. علماً بأن المتوسط العالمي لكمية المياه في عائدات الحقل النفطي يصل في بعض الأحيان إلى 75 في المائة. واستمر المؤيدون للنظرية يدافعون عن قضيتهم اعتماداً على ثلاثة ادعاءات رئيسية أولها: أن العالم أصبح يكتشف برميلاً واحداً من النفط مقابل ثلاثة أو أربعة براميل يتم إنتاجها. وثانيها أن عدم الاستقرار السياسي في الدول المنتجة للنفط أصبح يضع العالم في مواجهة خطر غير مسبوق من إمكانية إغلاق الصنابير المنتجة في معظم هذه الدول، وأخيراً أن العالم قد استهلك أصلاً نصف كمية النفط التي تحتويها الأرض في كامل أنحاء المعمورة (تبلغ نحو تريليوني برميل) . والآن دعنا نفند أولاً الادعاء الخاص بمعدل الاستكشاف، وهو ادعاء يعكس الجهل بالمصطلحات الخاصة بالصناعة إذ أنه عندما يتم اكتشاف حقل ما سرعان ما تشير التقديرات إلى الحجم الذي يمكن استرداده من النفط في نقطة محددة من الوقت. ولكن وبمرور السنوات فإن هذه التقديرات تظل تخضع للمراجعة بشكل يشير إلى ارتفاع الكميات المنتجة بسبب وجود المزيد من الجيوب التي يتم اكتشافها في وقت لاحق أو بسبب التقدم في التكنولوجيات، وبشكل يجعل بالإمكان استخراج كميات جديدة من النفط لم يكن من الممكن الوصول إليها في السابق. وهنالك ادعاء آخر يتعلق بذلك يعتمد على مقولة أن عصر «النفط السهل» قد ذهب إلى غير رجعة، وان عملية الاستخراج سوف تصبح أكثر صعوبة وتكلفة، وهو ادعاء يفتقد إلى المنطق ويقوم على قواعد لا أسس لها، إذ أن شركات الحفر في منطقة الخليج لم يكن تدرك بالطبع أن عملية الحفر سوف تكون سهلة قبل قرن من الزمان مقارنة بالصناعة التي اكتسبت المزيد من الميكانيكية والتكنولوجيا الرقمية في عالم اليوم وبشكل أصبح أكثر تقدماً بكثير من تلك الحفارات التي كانت تجرها البغال في القرن التاسع عشر. وآخر طلقة يمكن تسديدها للجدل الخاص بالاستكشاف والذي يقوم على أساس المعدل العام الذي يتناقص به الإنتاج في حقول النفط المعمرة، هي أن هذا الأمر يعود إلى التكنولوجيات «غير المتقدمة» إذا جاز التعبير والتي ظلت سائدة خلال العقد الماضي والتي استمرت تستنزف الحقول النفطية بوتيرة أسرع مما كان. وفي الحقيقة فإنه وبسبب عمليات الاستخراج السريعة فقد أصبح ضغط السوائل يتناقص بسرعة في الحقل وباتت الآبار كنتيجة لذلك أقل إنتاجية بمرور الوقت. أما فيما يختص بالادعاء الذي يطالب بضرورة أخذ عدم الاستقرار السياسي في الحسبان، فه، ادعاء لم يصمد في مواجهة التاريخ الحديث. فعلي سبيل المثال، فعندما شهد العالم أكبر تعطل للإمدادات النفطية في عامي 1973 و 1979 والذي أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى عنان السماء، آنذاك عزى معظم الخبراء السبب الرئيسي في ذلك وقتها الى ندرة المصادر البترولية وأشاروا إلى أن الأسعار سوف تمضي إلى ارتفاع أكبر، لذا فقد عمدت شركات النفط الى تنويع استثماراتها كما سارع الرئيس الأميركي جيمي كارتر إلى المطالبة بتطوير أنواع الوقود الاصطناعية المركبة مثل النفط الحجري، مشيراً في ذلك الوقت إلى أن الأسواق ما زالت ليست قادرة على إدراك الحاجة الملحة للوقود البديل. ووقتها سارع عدد كبير من واضعي السياسات واستشاريي الطاقة والاقتصاديين الأميركيين إلى ركوب الموجة، مؤكدين أن الأسعار سوف لن تكف عن الصعود والارتفاع. ولكن الأسعار استمرت عوضاً عن ذلك في الانخفاض لفترة عقدين من الزمان قبل أن تتجه للصعود مرة أخرى. ومثلما حدث في حقبة السبعينيات بسبب الحظر العربي للنفط وقيام الثورة الإيرانية، فقد أصبحنا نشهد اليوم أحداثاً مثل غزو العراق وعدم الاستقرار السياسي في فنزويلا ونيجيريا. ويبقى أن الحل يكمن في أن تسارع الصناعة إلى تحويل استثماراتها الى مناطق جديدة تماماً، كما ظلت تفعل دائماً. وفي النهاية سوف نتطرق الى أحد أكثر الادعاءات المضللة والقائلة بأن كوكب الأرضي لا يحتوي إلا على كمية بمقدار تريليوني برميل من النفط «القابل للاسترداد». ففي الحقيقة فإن هنالك اتفاقا عاما في أوساط الجيولوجيين بأن هنالك كمية بحوالى 10 تريليونات برميل من النفط في باطن الأرض. وقبل قرن من الآن كان الاعتقاد السائد يشير الى أن 10 في المائة فقط من هذه الكمية الضخمة قابلة للاستخراج والاسترداد. إلا أن التحسن الهائل الذي جرى في مجال التكنولوجيا سمح لنا باستخراج ما نسبته 35 في المائة من هذه الكمية حتى الآن - أي كمية إضافية بمقدار 2.5 تريليون برميل وبجدوى اقتصادية جيدة. وهي كميات تستثني النفط الموجود في رمال القارة على سبيل المثال والتي أصبحت في طريقها لأن توفر مصدراً جديداً هائلاً يمكن استخراجه بفعالية أيضاً. فالنفط سوف يستمر سلعة متوفرة، ومن المرجح أيضاً أن الأسعار سوف تمضي إلى انخفاض بالقرب من أدنى مستوياتها التاريخية في حدود 30 دولاراً للبرميل وبخاصة عندما تأتي الإمدادات الجديدة قادمة من البحار العميقة بالقرب من سواحل غرب أفريقيا ومن أميركا اللاتينية وشرق أفريقيا وربما من حقول صخور النفط الممتدة في ولايتي مونتانا وداكوتا الشمالية. وهذا الأمر لا يجب أن يشغلنا عن البحث عن مصادر الطاقة الأقل تكلفة أو أقل تأثيراً على البيئة. ولكنه يؤكد في ذات الوقت أنه لا يمكن لنا الإصغاء إلى التهديد المزيف عن اختفاء الريادة الخاصة بالنفط والذي سوف يجعل الحكومات تهدر أموالها في مشاريع الطاقة المتجددة التي تفتقد إلى الجدوى أو الفعالية الاقتصادية أو فرض تدابير باهظة التكلفة وغير الضرورية على عامة الشب الذين يعانون أصلاً من الظروف الاقتصادية القاسية. (عن انترناشيونال هيرالد تريببيون)
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©