الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موقف «أبو طالب»من رسول الله

موقف «أبو طالب»من رسول الله
28 أغسطس 2009 23:43
كان رجلا شهما وقورا ذا شخصية فذة، تتعاظمه نفوس الأعداء والأصدقاء، ولا يقابل مثله إلا بالإجلال والتشريف، كان معظما فى أصله، ومعظما بين الناس، رقيق الإحساس، ولا يجترئ على اقتراف الدنايا والرذائل! إنه رسول الله – صلوات الله وسلامه عليه. يقول محمد حسين هيكل فى كتابه «حياة محمد» إن أبا لهب وأبا سفيان وأشراف قريش وأمجادها بدأوا يشعرون بما في دعوة محمد من خطر على مكانتهم، فرأوا بادئ الرأي أن يحاربوه بالحط من شأنه، وبتكذيبه فيما يزعم من نبوته. وتقدموا يسألون محمدا عن معجزاته التى يُثبت بها رسالته كمعجزات موسى وعيسى، ولما لا ينزل عليه الكتاب الذى يتحدث عنه مخطوطا من السماء! ولم لا يبدو لهم جبريل الذي يطول حديث محمد عنه! ولم لا يُحيي الموتى ولا يسير الجبال حتى لا تظل مكة حبيسة بينها! وطال بهم اللجاج، فرد الوحي لجاجهم بما أنزل على محمد من قوله تعالى: (قلُ لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوءُ إن أنا إلا نذيرٌ وبشيرٌ لقوم يُؤمنُون) سورة الأعراف الآية 188. يؤكد الشيخ صفي الرحمن المباركفوري في كتابه «الرحيق المختوم».. أنه لما فرغت قريش من موسم الحج فكرت في أساليب تقضي بها على هذه الدعوة في مهدها، فرموا النبي -صلى الله عليه وسلم- بتهم وشتائم سفيهة، فكانوا ينادونه بالمجنون كما فى قوله تعالى: «وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون» سورة الحجر الآية6. وقد أكثروا من السخرية والاستهزاء حتى أثر ذلك فى نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما قال الله تعالى «ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون» سورة الحجر الآية 97. وكان المشركون يحولون بين الناس وبين سماعهم القرآن ودعوة الإسلام بكل طريق ممكن، فكانوا يطردون الناس ويثيرون الشغب والضوضاء ويتغنون ويلعبون إذا رأوا أن النبى- صلى الله عليه وسلم- يتهيأ للدعوة، ولكنه لما رأوا أن هذه الأساليب لم تجد نفعاً فى إحباط الدعوة الإسلامية استشاروا فيما بينهم، فقرروا القيام بتعذيب المسلمين وفتنتهم عن دينهم، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام، وانقض كل سيد على من اختار من عبيده طريق الإيمان، ولم يعلموا بأحد دخل فى الإسلام إلا تصدوا له بالأذى . ولم يجدوا سوى أن يختاروا سبيل المفاوضات مع المسؤول الأكبر «أبى طالب» عم محمد - صلى الله عليه وسلم-، ولكن مع شىء كبير من الحكمة والجدية، ومع نوع من أسلوب التحدى والتهديد الخفى حتى يذعن لما يقولون. يوضح الكاتب محمد حسين هيكل فى كتابه «حياة محمد»، ولم يكن عمه أبو طالب قد دخل فى دين الله، لكنه ظل حاميا لابن أخيه قائما دونه، معلنا استعداده للدفاع عنه. لذلك ذهب رجال من أشراف قريش إلى أبى طالب، وفى مقدمتهم أبو سفيان بن حرب، فقالوا: «يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلى بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلاف فسنكفيكه» فردهم أبو طالب ردا جميلا. ومضى محمد يشتد فى الدعوة إلى رسالته، ويزداد لدعوته أعوانا. ويضيف الشيخ صفى الرحمن المباركفورى فى كتابه «الرحيق المختوم»،: ائتمرت قريش بمحمد ومشوا إلى أبى طالب مرة أخرى ومعهم عُمارة بن الوليد بن المُغيرة، وكان أنهد فتى فى قريش وأجمله، وطلبوا إليه أن يتخذه ولدا ويُسلمهم محمدا، فأبى. وقال: والله لبئس ما تسوّموننى، أتعطونى ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابنى تقتلونه؟ هذا والله ما لا يكون أبدا. فقال المطعم بن عدى بن نوفل: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا، فقال: والله ما أنصفتمونى، ولكنك قد أجمعت خذلانى ومظاهرة القوم علىّ، فاصنع ما بدا لك. ومضى محمد فى دعوته ومضت قريش فى ائتمارها. ثم ذهبوا إلى أبي طالب مرة ثالثة وقالوا له: «يا أبا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك فى ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين». وقد عظُم على أبى طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد، فبعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال له: يا ابن أخى، إن قومك قد جاءونى فقالوا لى كذا وكذا، فأبق علىّ وعلى نفسك، ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن عمه خاذله، وأنه ضعُف عن نصرته، فقال: «يا عم، والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر – حتى يظهره الله أو أهلك فيه – ما تركته»، ثم استعبر وبكى، وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فلما أقبل قال له: اذهب يا ابن أخى، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشىء أبدا، وأنشد: والله لن يصــلوا إليك بجمعهم حتى أُوسـد فى التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر وقر بذاك منك عيونا ولما رأت قريش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماض فى عمله عرفت أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، اخترقت قريش ما كانت تتعاظمه وتحترمه منذ ظهرت الدعوة، فمدت يد الاعتداء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مع ما كان تأتيه من السخرية والاستهزاء والتشويه. وكان من الطبيعى أن يكون أبو لهب فى مقدمتهم وهو عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان عدوا لدودا للإسلام، وقد وقف موقف العداء من رسول الله صلى الله عليه وسلم - منذ اليوم الأول. وكان أبو لهب قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتى رسول الله عليه الصلاة والسلام رقية وأم كلثوم قبل البعثة، فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما بعنف وشدة حتى طلقاهما. وظل موقف أبى طالب من المواقف الجليلة التى لم ينسها النبى «صلى الله عليه وسلم».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©