الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نظرة مصرية على تونس

نظرة مصرية على تونس
20 مارس 2013 21:20
يكشف هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “نظرتان على تونس بعين مصريّة/ من الدكتاتوريّة إلى الديمقراطيّة” عن مجموعة الصحافيين المصريين ومن بينهم رؤساء تحرير ونقباء كانوا يتوافدون على تونس عديد المرات في العام الواحد أيام حكم الرئيس المخلوع، ينعمون بالإقامات الترفيهية مدفوعة الأجر والعطايا السخية من “وكالة الاتصال الخارجي” مقابل تلميعهم للرئيس بن علي وسياسته ونظامه، ويعمدون خلافا لميثاق شرف المهنة الى الخلط بين الإعلان الدعائي للنظام التونسي البائد وبين المتابعة الإخبارية. والغريب ان عددا من هؤلاء الصحفيين ينتمون الى صحف رسمية عريقة في بلادها، وكذلك إلى صحف المعارضة. ما لم يرد ذكره يذكر التونسيون ما كانت توفره وكالة الاتصال الخارجي من سيارات فارهة بسائقيها وإقامات في فنادق خمسة نجوم وإنفاق سخي وهدايا ثمينة لمجموعة كبيرة من الصحافيين العرب، وما لم يذكره الكتاب ان صحفية مصرية ـ على سبيل المثال ـ تم تحرير مادة الكتاب الذي نسبته الى نفسها، وهو يتحدث عن مكاسب المرأة التونسية ويمجد طبعا سيدة تونس الأولى: ليلى الطرابلسي زوجة بن علي، من محررين تونسيين متعاونين مع الوكالة. وقد ارتضت الصحفية المصرية ذلك مقابل مبلغ مالي هام. ومثل هذه الصحفية كثيرون وكثيرات من مصر ولبنان وبلدان أخرى، حتى من إفريقيا، ومن عرب مغتربين في أوروبا ألفوا الكتب الممجدة لبن علي وحبروا المقالات الدعائية الركيكة التي جعلت من تونس جنة على وجه الأرض ومن رئيسها حاكما عادلا رفيقا بشعبه ومتشبعا بقيم الديمقراطية والحكم الرشيد. والمؤلف كارم يحي، وهو صحفي مصري عمل بجريدة “الأهرام” وجرائد مصرية أخرى، يسرد في مقدمة كتابه الصادر بتونس عن دار محمد على الحامي، علاقته كصحفي مصري بتونس، وقد أهدى كتابه إلى: خالد سعيد الإسكندريّة ومحمد بوعزيزي سيدي بوزيد. وإلى شهداء وجرحى ثورة تونس ومصر معا، وإلى كلّ من كتب بصدق، وتحلى بشجاعة قول الحق، وأخلص للناس والوطن وللكتابة ولمهنة الصحافة. يتذكر المؤلف في مقدمة كتابه زملاء الدراسة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة بين 1976 و1980 وكانوا من جنسيات عربية كثيرة، ولكن لم يكن من بينهم ـ مع أنهم نحو ثلث دفعته في التخرّج ـ أي من التوانسة. وهو يؤكد انه لم يلتق بتونسي إلاّ عندما ذهب إلى أبوظبي نهاية 1986 فتعرف على شاب مخرج صفحات الجريدة التي عمل بها واسمه عبد الحميد. ويستعرض المؤلف سنوات الخصام السياسي بين بورقيبة وجمال عبد الناصر، وهي سنوات رأى فيها المصريون مع زعيمهم في “تونس بورقيبة” بلدا رجعيّا معاديّا في سياساته وتوجهاته لثورية المشرق العربي وقوميته ولشعارات “الحريّة.. والاشتراكيّة.. والوحدة”. بيرم التونسي.. المصري ويعترف المؤلف ان الوشيجة الكبرى بين الوشائج المصريّة التونسيّة الحيّة في الذاكرة الجماعيّة في مصر هو بيرم التونسي بأشعاره المصريّة الشعبيّة الصميمة. وربما لا يجد المصريون المحدثون أرقى وأصفى تعبيرا عن روح المصري وثقافته الحية الفكهة الساخرة الناقدة إلا ما حفره هذا الرجل القادم جده من تونس ليسكن أفئدة المصريين على مرّ الأجيال. ويتساءل “فكيف ننساه وكيف ننسى تونس؟”. ويستعرض كارم يحي ما عاناه هو وزميلته بقسم الشؤون العربيّة بجريدة “الأهرام” الدكتورة إيناس طه حينما كانا يعملان معا وحدهما بفترة الطبعة الثانية للصفحة الإخباريّة اليوميّة المختصة بالعالم العربي كلّ يوم جمعة، وكانت تأتيهما أنباء من تونس عبر الوكالات الغربيّة عن إضرابات جوع لنفر من النقابيين أو المحامين أو الصحفيين احتجاجا على دكتاتوريّة نظام بن علي. ولأنّ المؤلف وزميلته كانا كما يقول على نغمة واحدة، فقد سعيا لنشر تلك الأخبار بعد ترجمتها وتحريرها والدفع بها إلى بروفة الطبعة الثانية وإجازتها من المسؤول عن الطبعة. قاما بذلك دون يأس. والمؤلف استعمل تعبير “دون يأس” لأن تلك الأنباء عن تونس ـ وهي بالأصل على مساحة عامود واحد وفي سطور معدودة ليس إلاّ ـ تختفي عند طباعة عدد السبت من جريدة “الأهرام”. فقد اعتاد أن يلقيها رئيس القسم ومسؤوليه من زبائن “وكالة الاتصال الخارجي التونسيّة” على الفور في سلة المهملات. وكأنّ ثقبا أسودا يتكفل بابتلاعها جميعا قبل أن تصل إلى قارئ “الأهرام”. بحثا عن إجابات في الفصل الأوّل من الكتاب يجد القارئ أربعة نصوص تؤرخ لجانب من سنوات الدكتاتوريّة عند التونسيين والمصريين معا. وفي الفصلين الثاني والثالث، وهما جوهر الكتاب وغايته، يطلع القارئ على حصيلة كتابات صحفيّة لرحلتين قام بهما المؤلف إلى تونس، تتنوع بين الحوار والتقرير “الريبورتاج” والمقال. الرحلة الأولى بين 22 و27 سبتمبر 2011 . والثانية بين 21 و28 أكتوبر 2001. وهما أولى زياراته على الإطلاق لهذا البلد. واكتشف الكاتب عندما حل بتونس مع رحلته الثانية بهدف تغطيّة انتخابات “المجلس التأسيسي” أنه الصحفي الوحيد الذي جاء من مصر. ويجزم المؤلف إنّ “الأهرام” الذي يخصّص يوميّا صفحة على الأقل للشؤون العربيّة لم يتطرّق إلى التطورات السياسية في تونس ايام اندلاع الثورة إلا 14 مرّة على مدى أكثر من 240 يوما تفصل بين 25 يناير و20 سبتمبر 2011. وإنّ معظمها جاء على هيئة أخبار صغيرة. كلها من وكالات الأنباء الغربيّة. ونصفها يتصل بأحداث عنف.. أي سبعة أخبار، وثلاثة أخرى عن الملاحقات القضائيّة والمحاكمات لرموز نظام بن علي. وكان كلّ ما تبقى من اهتمام أكبر وأعرق صحيفة عند العرب بشأن التطورات السياسيّة للمرحلة الانتقاليّة في تونس مجرد أربعة أخبار، وعلى مدى نحو ثمانية أشهر من عمر الثورتين المصريّة والتونسيّة. ولقد اختار كارم يحي لهذا الكتاب عنوان “نظرتان إلى تونس” باعتبار أن حصيلة الزيارة الأولى السابقة لانتخابات المجلس التأسيسي كانت بمثابة النظرة الأولى، وأن الزيارة الثانية التي واكبت الانتخابات وتلتها مباشرة “نظرة ثانية” . وكلاهما ـ كما يقول المؤلف ـ اجتهاد حدوده ترسمها الأيام المعدودة التي استقر بها في تونس ومعها العبارة المأثورة “أهل مكّة أدرى بشعابها”. وفي كلّ الأحوال، فإنّ هذه الشهادة في كلّ ما حاور صاحبها وشاهد وسجل وكتب لم تكن أبدا، كما يقول، إلا هما مصريّا خالصا يبحث في تونس عن إجابات لأسئلة مرحلة الانتقال العسيرة في بلاده بعد ثورة 25 يناير. لا تأكلوا من لحمنا وفي فصل عنوانه: “لا تأكلوا من لحمنا” جاء في الكتاب ان هناك مسافة كبيرة بين الصورة المزيفة لتونس “الخضراء” تحت قيادة الرئيس زين العابدين بن علي “نصير الحريّات وحقوق الإنسان وصاحب معجزة التنميّة والتحديث”، وغيرها من الأوصاف والألقاب مدفوعة الأجر في الصحف المصريّة قوميّة وحزبيّة وخاصة وبين حقيقة تونس “الحمراء” التي تنتفض على الدكتاتور وأسرته وعصابته في الحكم والنهب والفساد والتبعيّة للغرب والتطبيع مع إسرائيل. ويؤكد المؤلف المصري ان في هذه المسافة الشاسعة بين التونسيين “خضراء” و”حمراء”، يقف رؤساء تحرير مصريون ومسؤولو أقسام وصفحات وكتاب رأي ودكاترة باحثون ومحررون. وقد انخرطوا في الخلط بين الإعلان والتحرير وبين المهام الصحفيّة والرحلات السياحيّة. بل وحتّى نقباء للصحفيين، خانوا مصداقيّة الكلمة وداسوا على القوانين والمواثيق. وقد تحولوا جميعا إلى زبائن لدى “وكالة الاتصال الخارجي” التونسيّة (أشبه بهيئة الاستعلامات في مصر)، والتي تنفق بسخاء وبذخ على تجميل صورة الدكتاتور في الخارج من قوت الشعب التونسي الذي ينتحر شبابه العاطل حرقا أو صعقا بالكهرباء ويموت بالرصاص الحي. ويؤكد كارم يحي ان لديه ما يملأ بالوقائع كتابا عن هؤلاء الزبائن في صحافة مصر. والكثير من هذه الوقائع عايشها بنفسه وكان شاهدا عليها من صالات التحرير إلى التنفيذ والطبع. ويشير انه لولا خشية الانزلاق إلى كتابة فضائحيّة لروى ما شاهد وعايش وحاول مقاومته وآخرون عبثا. وفي نوفمبر2007 أصدرت منظمة حقوقيّة مصريّة هي “الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان” تقريرا تحت عنوان “من يدفع الثمن؟.. إعلانات الصحف المصريّة لتجميل صورة الدكتاتوريّة التونسيّة”. ورغم أنّ التقرير لم يتطرق إلى أسماء السادة زبائن الدكتاتور من الصحفيين المصريين، حيث اقتصر على معالجة الموضوعات الإعلانيّة مجهولة المصدر والتي يجري نشرها بالمخالفة للقانون وميثاق الشرف الصحفي بوصفها موضوعات خبريّة دون تنويه إلى أنها مجرّد “إعلانات مدفوعة”. لكن التقرير (المتوافر على شبكة الأنترنت إلى حينه) وثق 25 إعلانا لـ “صديقهم الجنرال زين العابدين بن علي” موزعة على ثماني صحف مصريّة بين عامي 2006 و2007 . وهي “الأهرام” و”الأخبار” و”الجمهوريّة” و”روزاليوسف” (قوميّة) و”الأسبوع” (خاصة جديدة) و”الأحرار” و”العربي” و”الأهالي” (حزبيّة معارضة). وقد تصدرت “الأهرام” و”الأحرار” القائمة في عدد مرات النشر. لكن الأخطر من ذلك أن التقرير ذاته وثق مخاطبة “الشبكة العربيّة” في 21 مارس 2007 لرؤساء التحرير هذه الصحف بهدف مجرد حثهم على توضيح طبيعة مثل هذه المواد المنشورة في صحفهم. وما حدث أنه “لا حياة لمن تنادي”. فقد استمر ـ وفق ما أورده المؤلف ـ إهدار مصداقيّة الصحف والتحرير دون توقّف. وأخذ التقرير من “الأهرام” نموذجا بوصفه أكبر الصحف المصريّة وأغناها وأكثرها قدرة على الاستغناء عن هكذا خلط بين الإعلان والتحرير يهدر مصداقيته. ففي 2 نوفمبر 2006 يكتب “س. ع.” في عاموده تحت عنوان “تونس لن تتراجع” يهاجم فيه من وصفهم بـ” الحناجر التي تتهم تونس بالخروج على الإجماع العربي لدعوتها شارون للمشاركة في قمّة المعلوماتيّة”. وفي 25 نوفمبر 2007 تنشر مجلّة “نصف الدنيا” النسائيّة الصادرة عن مؤسسة “الأهرام” رسالة لزميل آخر (م. م.) تحت عنوان “تونس تنتقل من ديمقراطيّة العقيدة إلى ديمقراطيّة البرامج”!. ويتساءل مؤلف الكتاب: بالطبع علينا أن نسأل أيضا كم مرّة تمتع هو الآخر بضيافة “وكالة صديقه الجنرال بن علي”؟. وفي 22 مارس 2008 تنشر صحيفة “الأهرام”: “في ذكرى الـ 52 لاستقلال تونس/ “بن علي” يعلن قرارات جديدة لتعزيز الديمقراطيّة والمشاركة السياسيّة”. والموضوع إعلان واضح لكن دون أي تنويه لذلك، والمصدر (تونس ـ خاص). وفي 6 سبتمبر 2008 ينشر “الأهرام”رسالة بعنوان “في مؤتمر التحدي: تونس تدهش مرحلة الانفتاح”. وهو هذه المرّة بقلم الدكتور والمثقف (س. أ.). وبمناسبة انعقاد المؤتمر الخامس لحزب التجمع الدستوري الحاكم قال أيضا لافض فوه: “إنّ الحزب بناء مؤسساتي رصين وعميق ومتشعب”، ويعلق المؤلف ساخرا: “واللّه هكذا كتب وهكذا نشرت الصحيفة العريقة”. ويتذكر مؤلف الكتاب في هذا السياق كلمات قالتها التونسيّة نزيهة رجيبة “أم زياد” حين وقفت في نقابة الصحافيين المصريين يوم 3 مايو 2006 خلال الاحتفال بيوم الصحافة العالمي لتناشد زملائها المصريين الامتناع عن نشر الموضوعات الدعائيّة لنظام دكتاتور تونس، مذكرة بأن هناك مواطنين في بلادها تونس ينشدون حياة كريمة وإعلاما حرا هم في حاجة ملحة لما ينفقه نظام بن علي من أموال طائلة على تجميل صورته في الخارج. قالت في صرخة من القلب: “لا تأكلوا من لحمنا”. حوارات مواقف وتضمن الكتاب مجموعة من الحوارات أجراها المؤلف مع اهم الشخصيات السياسية او في المجتمع المدني والذين التقى بهم أثناء زيارته الى تونس لتغطية وحضور الانتخابات التي تم فيها انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي، من بينها حوار مع عياض بن عاشور وحوار آخر مع كمال الجندوبي رئيس اللجنة العليا المستقلة لانتخاب المجلس التأسيسي، كما نشر المؤلف كارم يحي حوارا طريفا مع حارس ليلي في تونس العاصمة تجاذب معه أطراف الحديث في السياسة وشؤون الحياة وغلاء المعيشة، كما أجرى حوارا مع الأكاديمي والجامعي الهادي التيمومي، ومع كلثوم كنو رئيسة جمعية القضاة التونسيين، ومع كمال العبيدي رئيس الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام. ومن أطرف اللقاءات التي تضمنها الكتاب حوارات أجراها المؤلف مع ركاب سيارة أجرة امتطاها من مدينة تونس الى مدينة سيدي بوزيد، وكان من بين الركاب امرأة في عقدها الثالث صوتت لقائمة الهاشمي الحامدي “العريضة الشعبية”، وشاب متخرج وعاطل صوت لحزب العمال الشيوعي وهو الحزب الذي يرأسه حمة الهمامي، كما تضمن الكتاب حوارا مختصرا في صفحة واحدة مع “سلفي” تونسي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©