الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عقود النفط العراقي··· أكانت وراء الغزو؟

عقود النفط العراقي··· أكانت وراء الغزو؟
29 يونيو 2008 21:27
منذ الأيام الأولى لبسط القوات الأميركية سيطرتها على العراق، واجه الجيش الغازي مصاعب كبيرة في إقناع العراقيين والمراقبين الدوليين، بأنه جاء لتحرير العراق وليس لاحتلالــــه، ناهيك عن عــــدم مجيئه بدافـــع نهب ثرواته، ولهذا فما من قضية تعامــــل معها الجيش الأميركي على مستوى التصريحات الرسمية الصادرة عنه، فاقت الحذر الذي صحب حديث مسؤوليه عن النفط العراقي، وعندما أجرى المسؤولون الأميركيون مسحاً عاماً لمنشآت النفط العراقية على إثر انهيار نظام صدام حسين، صرحوا قائلين: إن دورهم ينحصر في تقديم الاستشارة للعراقيين حول الكيفية التي تمكنهم من زيادة سعة إنتاجهم النفطي، حتى تسهم العائدات الإضافية في تمويل عملية بناء دولة ديمقراطية لبلدهم الذي يعـــد ثالـــث كبرى الدول قاطبة من حيث حجم الاحتياطي النفطي· إلا أن الكثير من منتقدي الحرب هزئوا من ذلك التصريح الماكر، فسواء في العالم العربي أم في أميركا نفسها، سادت الشكوك منذ ما قبل شن الغزو، حول أن فكرة الحرب نفسها لم تقم إلا على طمع مكشوف ورغبة في وضع اليد الأميركية على النفط العراقي، بما يفتح هذه الثروة الجبارة أمام عمالقة الشركات الدولية المتعددة الجنسيات، والمعلوم أن للرئيس ''بوش'' جذوره العميقة في صناعة النفط في ولاية ''تكساس''، بينما ترأس نائبه ''ديك تشيني'' شركة ''هاليبيرتون'' المستثمرة في الخدمات النفطية، وعليه فإن من رأي منتقدي الحرب أنه ومهما يكن فإن الذي لا ريب فيه أن يحظى اللاعبون النفطيون ممن تربطهم صلة وثيقة بالبيت الأبيض، بنصيب مقدر من عائدات النفط العراقي· بين وجهات النظر المتصارعة فيما بينها بشأن تفسير دوافع الغزو الأميركي للعراق، يبرز العامل الأساسي الذي ربما يكشف النقاب عن مجمل دوافع علاقات أميركا بالشرق الأوسط، فليس سراً أن النفط وما يحظى به من أهمية بالغة بالنسبة للاقتصاد الأميركي، ظل في مقدمة المصالح الأميركية في المنطقة، واستناداً إلى هذا العامل، فأياً كان الذي تفعله ''واشنطن'' في المنطقة سواء دحر النفوذ السوفييتي في السابق، أم دعم النظم الشمولية الأوتوقراطية ومؤازرتها تارة، أم نشـــر الديمقراطيـــة وقيم الحرية تارة أخرى، وما يتداخل بينهما من إسقاط لنظام صـــدام حسين ومكافحــــة الإرهــــاب، فإن عين واشنطن لا تبرح النفط الشرق أوسطي مطلقاً، وفي البال دائماً سؤال لا يجف عن مدى التأثير الذي يمكن أن يتركه أي من تلك التطورات السياسية والأمنية على أسواق النفط الأميركية، وحساب تلك التأثيرات جيداً· واليوم فإن السؤال المثار من قبل منتقدي الحرب ومراقبي مسيرتها هو: هل تعود عائدات الثروات الطبيعية العراقية خيراً ورخاءً على العراقيين، بما يعينهم على إنشـــاء دولتهم الديمقراطية المستدامة، أم أنها تدار على نحو تعود فيه ''حلوى'' العائدات إلى جيوب أذيال وحلفاء الدولة العظمى الغازية، التي مهدت قواتها الطريق أمام اقتســـام ''كعكــة'' النفـــط، أم أنهـــا توظف لخدمة كلا الغرضين معاً؟ والذي دفع بهذا السؤال بإلحاح إلى السطح، تقرير صحفي نشرته مؤخراً صحيفة ''نيويورك تايمز'' جاء فيه: إن وزارة النفط العراقية على وشك إبرام عقود مع بعض كبريات شركات النفط الغربية، بهدف تشغيل بعض حقولها، وعلى الرغم من أن هذه العقود ربما تكون محدودة وصغيرة نوعاً ما، إلا أنها قد تفتح الطريق أمام حصول الشركات نفسها في المستقبل على عقـــود ''أسمن'' تتيح لها فرصة التنقيب الأوسع نطاقاً في حقول النفط العراقية· وحتى الآن هرعت حوالي 40 شركة نفطية من شتى أنحاء العالم من أجل الحصول على تلك العقود، إلا أن الفوز بها لم يحدد على أساس تنافسي، حسبما ورد في تقرير صحيفة ''نيويورك تايمز'' المذكور، والمعلوم أيضاً أن شركات ''إيكسون موبيل'' و''شل'' و''BP'' و''توتال'' العملاقة التي يرجح فوزها بالعقود الجديدة، كان لها وجود سابق في العراق قبل تأميم صدام حسين لنفط بلاده وطردها منذ ما يزيد على الثلاثة عقود، وتنتمي جميع هذه الشركات إلى دول إما تعد حليفة لإدارة بوش أو متعاونة معها بشكل ما في حربها على العراق، ولا تستثنى من هذه الحقيقة حتى شركة ''توتال'' الفرنسية التي عارضت بلادها الحرب في عهد رئاسة ''شيراك''، إلا أنها اتخذت موقفاً تحالفياً حازماً مع إدارة ''بوش'' في مواجهتها المتصاعدة مع طهران لاحقاً· المثير للدهشة والاهتمام هنا، عدم حصول شركة ''لوك أويل'' الروسية العملاقة على أي من العقود الجديدة هذه، على الرغم من أنها كانت قد وقعت صفقة مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بهدف التنقيب في أحد أكبر حقول النفط الواقعة جنوبي العراق، كما يثير حرمان الصين من الحصول على أي قسط من ''كعكة'' العقود هذه الدهشة نفسها، فلكلتا الدولتين هاتين مطالبهما وشعورهما بالمرارة الآن، لكونهما من أكثر الدول التي ساندت العراق داخل مجلس الأمن الدولي وجلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان لهما دور كبير في تجنيب نظام صدام حسين فرض المزيد من العقوبات الدولية التي استهدفته بقيادة الولايات المتحدة الأميركية· ومن جانبهم فسّر المسؤولون العراقيون إبرام العقود النفطية المذكورة دون طرحها للعطاء والتنافس، بأنه إنما يعبر عن توجه براجماتي عملي لا أكثر، فالعراق بحاجة إلى إنتاج المزيد من النفط والتوسع في استثمار حقوله، بهدف تمويل إعادة مشروعات إعادة الإعمار، وللشركات الفائزة بالعقود من الخبرة والكفاءة ما يؤهلانها لتحقيق هذا الهدف، على حد قولهم· إلا أن هذا التفسير من جانب المسؤولين العراقيين لم يبدد شكوك المنتقدين في دوافع الغزو، وإنما اتخذوا من توزيع العقود على أساس غير تنافسي، دليلاً إضافياً على صحة شكوكهم، بل ذهب المنتقدون شوطاً أبعد في اتهام إدارة ''بوش'' بإمساكها لخيوط اللعبة الإدارية في العراق وتجاهلها لصون سيادته الوطنية، مدفوعة في ذلك بلهفة لا تخفى لإبرام عقود نفطية سريعة، في وقت تسجل فيه أسعار النفط العالمي ارتفاعاً جنونياً· بيتر جودمان محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©