الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البريد.. وطفرة الريف الأميركي

14 ابريل 2018 01:10
الجميع يعلم أن الرئيس دونالد ترامب يحب الخصومة لكن واحدة من أغرب خصوماته تستهدف أمازون. فقد زعم ترامب مراراً أن عملاق البيع بالتجزئة «يخدع» هيئة البريد الأميركية مستمتعاً بأسعار الشحن المنخفضة للهيئة المرموقة. ولطالما شكا ترامب من «واشنطن بوست» وملكية مؤسس أمازون «جيف بزوس» لها. لكن مدى سلامة حجة الرئيس أمر مازال يستحق التقييم. فهل تستغل أمازون هيئة البريد؟ والإجابة هي أنها لا تفعل ذلك أكثر من أي شركة في التاريخ الأميركي. فمنذ البداية، دعمت هيئة البريد تكلفة توصيل كل أنواع البضائع من الصحف إلى الملابس للتشجيع على حصول أكبر عدد من الأميركيين على الخدمة. وفعلت هذا باسم ربط الأمة معا في سوق قومية موحدة. وأمازون ليست إلا الأحدث في طابور طويل من المصالح الاقتصادية المستفيدة من هذا. وتجد الإشارة هنا إلى أنه حين اجتمع الآباء المؤسسون في فلادليفيا وصاغوا وثيقة أصبحت دستور الولايات المتحدة فيما بعد فوضوا الكونجرس صراحةً سلطة إقامة هيئة البريد في المادة الأولى من القسم الثامن، الفقرة السابعة. وفي عام 1792، أقر الكونجرس قانون هيئة البريد منفذاً هذا الأمر الدستوري بعينه. وكما لاحظ المؤرخ ريتشارد جون فإن نظام البريد في البلاد نما سريعا وتحول إلى شيء أبعد أثرا وقدرة على التأثير مما كانت تقترحه السابقة الاستعمارية. وكان هذا أكثر وضوحا في الطريقة التي عاملت بها هيئة البريد الصحف. فمع فرض رسوم ضئيلة للغاية على نقل الصحف من مكان لمكان دعم الكونجرس في واقع الحال نشر المعلومات لكل أنحاء البلاد وخاصة إلى المناطق الريفية. ولو كانت هيئة البريد تقاضت السعر «الحقيقي» لنقل الصحف لصعدت التكلفة إلى 700% وفق التقدير في بداية القرن التاسع عشر. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر بدأ سكان الريف الأميركيون الذين شجعتهم الحركات السياسية مثل «تحالف المزارعين» التي هيأت المسرح فيما بعد للحركة الشعبوية يطالبون بالدعم الذي سيعزز اندماج سكان الريف في شبكة البريد. والواقع أن 65% من السكان كانوا في عام 1890 مازالوا يعيشون في المناطق الريفية. واستجابة على هذا، اقترح جون واناميكر رئيس هيئة البريد فكرة «التوصيل المجاني إلى الريف»، أي أن يأتي البريد إلى المزارعين بدلا من سفر المزارعين للحصول عليه. وأجاز الكونجرس محاولة تجريبية في عام 1896. وبعد ذلك بثلاث سنوات، أصبح «التوصيل المجاني إلى الريف» سياسة قومية. لكن هذا لم يحسم مسألة الطرود. وفي ذاك الوقت، سبقت شركتان إلى الاستراتيجية التي أحيتها أمازون في عصر الإنترنت وهما شركتا «سيرز روباك» و«مونتجمري وارد» وبدأ كلا الشركتين بعدد صغير من البضائع التي تُطلب بالبريد ثم توسعتا سريعا إلى بيع كل شيء. ونجد أن «سيرز» ستبيع في نهاية المطاف منازل بأكملها عن طريق البريد. وكانت الصلة بين المستهلك والشركة كتالوج وليس جهاز كمبيوتر وهذا كان الاختلاف الوحيد عن الاستراتيجية التي تتبعها أمازون الآن. وكان لدى الشركتين مراكز كبيرة لإعداد الطلبات بها طائفة هائلة من البضائع في المخازن من الملابس واللعب وأدوات الزراعة والكتب وغيرها. وكان المستهلكون يرسلون طلباتهم بالبريد وكان عملاقا البيع بالتجزئة يرسلان البضائع المطلوبة. لكن هنا تعقدت الأمور. فهيئة البريد لا تستطيع توصيل هذه الطرود وشركات النقل الخاصة تتقاضى رسوماً باهظة وببساطة تجاهلت الخدمة المستهلكين خارج مراكز تركز السكان الأساسية. وفي بداية القرن العشرين، بدأ أصحاب المصالح في الريف يطالبون هيئة البريد أن توسع تفويضها ليشمل الطرود. وروعت الفكرة شركات النقل الخاصة وأحبطت محاولات عرض التشريع في جلسة استماع عامة أمام اللجان. وفي عام 1909 وقعت شركات النقل في زلة تمثلت في دفع أرباح سخية بشكل خاص لحملة الأسهم. فقد حصل ويلز فارجو على سبيل المثال على 300 دولار لكل سهم من فائض الأرباح. وعلى مدار السنوات القليلة التالية مضت قدما عملية تشريع تعطي هيئة البريد سلطة توصيل الطرود بأسعار مدعومة. وكان التفسير واضح لمعظم المراقبين والواقع أن «اتلانتا جورنال كونستيتيوشن» وصفت في عام 1912 صراحة مشروع القانون قيد الفحص بأنه «توسع منطقي» لقانون التوصيل المجاني للريف. وإذا كانت الحكومة تدعم توصيل البريد إلى مزارعي الريف فلماذا لا يشمل هذا الطرود؟ وفي عام 1913 أقر الكونجرس التشريع الذي جعل بريد الطرود سياسة قومية. ولم يضيع الأميركيون وقتا في الإقبال على الخدمة فقد تم شحن أربعة ملايين طرد في الأيام الخمسة الأولى و300 مليون في الشهور الستة الأولى. وشركة سيرز روباك شحنت خمسة أمثال ما كانت تشحنه من الطرود في عام بعد أن أصبح بريد الطرود متوافرا. لكن الفائز الحقيقي كان الشعب الأميركي وخاصة أولئك الذين كانوا معزولين من قبل عن الأسواق القومية. والآن يستطيع سكان الريف الحصول على أي شيء يريدونه. وأشارت بيانات إلى أن سكان الريف الذين لم يكونوا يحصلون قط من قبل على طرد بناء على طلب من البريد يطلبون حاليا ما يصل متوسطه إلى 17 طرداً في العام. وطرود البريد الرخيصة أساسية لاقتصاد المستهلك الأميركي لما يزيد على قرن ومازال الأمر كذلك اليوم. وإذا نجح ترامب في زيادة الرسوم لتضاهي الكلفة الفعلية فإن أكثر الناس تضررا أولئك الناخبين في المناطق الريفية المعزولة الذين اعتمدوا على هيئة البريد لأكثر من مئة عام. وهؤلاء الناس أنفسهم بالطبع هم من ساعدوا ترامب في الوصول إلى السلطة في المقام الأول. *أستاذ التاريخ المساعد في جامعة جورجيا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©