الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الولايات المتحدة واستهداف الشركات الروسية

14 ابريل 2018 01:10
ما يحدث في «روسال»، ثانية أضخم شركة منتجة للألمنيوم في العالم، ومعها بقية الأصول المالية والعقارية المملوكة بشكل جزئي لرجل المال والأعمال الروسي «أوليج ديريباسكا»، يعبر عن تغير مهم في سياسة فرض العقوبات الأميركية ضد روسيا. وهذه هي المرة الأولى التي تصبح فيها العقوبات بالغة التأثير لأنها طالت الملياردير الذي لا ينتمي بشكل مباشر للحلقة المقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، إلا أن نشاطاته من النوع الذي لا يروق إدارة الرئيس دونالد ترامب. وكانت العقوبات الأميركية السابقة تستهدف الشركات الروسية والأشخاص الذين لا يمارسون أي نشاط في الولايات المتحدة، إلا أن الأمر لم يعد كذلك فيما يتعلق ب«ديريباسكا» لأنه يمتلك أيضاً شركة عقارية تستأثر بنحو 48 بالمئة من الأصول الإجمالية لشركة «روسال». وفي العام الماضي (2017) بلغت نسبة العوائد التي حققتها الشركة من خلال نشاطها داخل الولايات المتحدة 14.4 بالمئة من جملة عوائد نشاطاتها في العالم. ومؤخراً، أخبرت الشركة عملاءها بأن يتوقفوا عن دفع الأموال المدينين بها لها حتى تستكمل دراسة تأثير العقوبات الأميركية المفروضة عليها والتي تمنع إبرام صفقات الدفع للفرع العقاري للشركة في الولايات المتحدة بما في ذلك الدفع النقدي. وهذا الإجراء، يجعل عمليات الدفع لشركة «روسال» بالدولار الأميركي غير قانوني بغض النظر عن الجهة أو الدولة التي جاء منها المبلغ المدفوع. ومنحت وزارة الخزانة الأميركية مهلة زمنية محددة للشركات الفرعية التابعة لـ«ديريباسكا» لتصفية أعمالها، وكان هذا كافياً لمجموعة «روسال» بشكل خاص حتى تفهم حقيقة ما يجري. ثم ما لبثت أن تسلّمت قراراً رسمياً من السلطات الأميركية للاستعداد لوقف نشاطات تصدير الكميات الضخمة من الألمنيوم إلى الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، وخلال يوم الاثنين الماضي وحده، خسر «ديريباسكا» 15 بالمئة من ثروته الكاملة أو ما يعادل 1.1 مليار دولار وفقاً لمؤشر «بلومبيرج لأصحاب المليارات. وهذا في رأيي إجراء قاس جداً. فإذا كان هدف أصحاب القرار في الولايات المتحدة الانتقام من الزمرة المقربة من بوتين، فإن ما يحدث لمجموعة «روسال» يصبح عصيّاً على الفهم. وكان «ديريباسكا» قد كوّن ثروته الضخمة في عهد الرئيس بوريس يلتسين الذي سبق فلاديمير بوتين في حكم روسيا. وله علاقات نسب معه. وزوجته «بولينا» هي ابنة «فلاديمير ياماشيف» رئيس فريق مستشاري يلتسين وهذا الأخير هو أيضاً زوج إحدى بنات يلتسين. وصنفت وزارة الخزانة في بيان صادر عنها «يدريباسكا» ضمن قائمة المشمولين بالعقوبات وقالت إن ذلك يعود لأن الملياردير الروسي سبق أن قال إنه لا يعتبر نفسه كياناً منفصلاً عن الدولة الروسية. ولقد جاء هذا التصريح خلال حوار قديم أجرته معه صحيفة «فاينانشيال تايمز» عام 2007 حيث قال فيه أيضاً إنه سوف يكون سعيداً لو طلبت منه الحكومة الروسية الاستحواذ على شركة«روسال»، ويبدو من هذا التصريح بكل وضوح أنه أصبح متكلماً بارعاً. وفي عام 2009، وفي عزّ تداعيات الأزمة المالية العالمية، وقعت إمبراطورية «ديريباسكا» تحت ديون طائلة بلغت 14 مليار دولار، وهذا ما دفعه لطلب المساعدة من الرئيس الروسي في ذلك الوقت «ديمتري ميدفيديف». وكان ما طلبه هو أن تقوم الحكومة الروسية بتحويل مبلغ 6 مليارات دولار كقرض بحيث تكون مستحقة للبنوك الحكومية ويتم توظيفها في شراء أسهم من شركة «روسال» من أجل تعويمها. وتم الاتفاق على أن تحتفظ الحكومة بتلك الأسهم لتعود «روسال» لشرائها عندما تنتهي الأزمة. ووافقت الحكومة على الفكرة. وهكذا توطدت العلاقة بين «ديريباسكا» والحكومة الروسية في عهدي بوتين وميدفيديف. وخلال الأعوام الخمسة عشر الماضية، تقدم بأكثر من 50 طلباً للحكومة وافقت على معظمها وتتضمن موافقتها على شراء منتجات المجموعة بما فيها السيارات التي تصنعها شركة «جاز» التابعة لها، والتي شملتها العقوبات الأميركية الأخيرة. وكان «ديريباسكا» قد فشل في إقناع الحكومة ببيعها عدة ملايين الأطنان من الألمنيوم عامي 2008 و2009 مما دفعه لإرسال رسالة شخصية لفلاديمير بوتين مناشداً إياه الموافقة على منحه قرضاً بمبلغ 4,5 مليار دولار من البنك التنموي الحكومي لمدة خمس سنوات، ووافق بوتين على على منحه القرض ولكن لمدة سنة واحدة. وعندما لاحظ «ديريباسكا» أن بوتين ليس من هواة الخلط بين العمل والسياسة، فضّل الانزواء والابتعاد عن الكرملين مثلما فعل معظم أصحاب المليارات الذين جمعوا ثرواتهم الضخمة في عهد الرئيس يلتسن. وهذا يعني أنه لم يكن أبداً من البطانة المقربة من بوتين ولم يشاركه في لعب الهوكي ورياضة الجودو ولم يكن عضواً في وكالة الاستخبارات الروسية. ويكون من العسير أن نفهم على وجه الدقة السبب المقنع لاستهداف «ديريباسكا» بهذه العقوبات القاسية واستبعاد أهم أصحاب المليارات الآخرين الذين جمعوا الثروات الطائلة في عهد يلتسين من أمثال «فلاديمير بوتانين» و«ميخائيل فريدمان» و«رومان أبراموفيتش» و«ميخائيل بروخوروف» وغيرهم من تلك العقوبات. وربما يتم استهداف هؤلاء في وقت لاحق، وهو الاحتمال الذي دفع المستثمرين للتوقف عن النشاط للدرجة التي تركت أبلغ الأثر على الأسهم الروسية. وجاء في الطبعة الروسية من مجلة «فوربس» أن قائمة كبار الأثرياء في روسيا فقدت مجتمعة أكثر من 12 مليار دولار يوم الاثنين وحده. *محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©