الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا: تساؤلات حول «المهمة الليبية»

23 مارس 2011 22:07
كانت الضربات الصاروخية التي دشنت آخر محاولة أميركية لتغيير النظام، هي تلك التي أطلقت على ليبيا منذ أيام، والتي تأتي قبل 29 يوماً بالضبط على حلول الذكرى الخمسين لمحاولة سابقة لتغيير النظام، وهي التي عرفت بعملية(خليج الخنازير) في السابع عشر من أبريل عام 1961. في ذلك الوقت، كان غرور المخططين الأميركيين لا يضاهيه سوى جهلهم بكل شيء يتعلق بكوبا بدءا من ثقافتها وحتى جغرافيتها. وكان الفشل الذريع الذي منيت به تلك العملية في ذلك الوقت نموذجاً صارخاً على الاستثمار الطائش للقوة الأميركية. هل علمنا الزمن شيئاً؟ وهل التجارب التي مرت علينا علمتنا فضيلة إتقان العمل؟ الحكاية اليوم هي أن أميركا قد تدخلت في حرب أهلية تدور في مجتمع قبلي لا تدري شيئاً عن ديناميكياته. وأعلنت تأييدها لفريق من الفريقين المتناحرين دون أن تعرف شيئاً عن طبيعة هذا الفريق. لقد قالت وزيرة الخارجية الأميركية:"نحن نقف مع الشعب الليبي"، كأنها واثقة تماماً من أن هذا الشعب عبارة عن"وحدة منسجمة". وفي وسائل أعلامنا، يشير الجميع إلى خصوم القذافي بـ"المقاتلين من أجل الحرية". وربما يكون هؤلاء كذلك بالفعل. ولكن هل يدري أي أحد منا كيف ينظر هؤلاء المقاتلون من أجل الحرية إلى بعضهم بعضاً؟، أو كيف يفهمون الحرية؟، وما إذا كانت الحرية تعد من أولوياتهم في الأصل. ولكن قد نجد هناك من يقول إن المعرفة ليست مطلوبة في مسألة تغيير النظام. فمجلة "ويكلي ستاندارد" مثلاً، التي تضم عدداً من الكتاب المتحمسين لمسألة تغيير النظام في ليبيا كتبت في افتتاحية لها مؤخراً تقول" الدولة الليبية عبارة عن دولة يهيمن عليها رجل واحد... وإذا ما تمكنا من إقصاء هذا الرجل، فإن بنيان هذه الدولة بكامله سوف يتداعى". حسناً، ولكن هل يفترض أن تبدأ كل الأشياء الطيبة في الظهور بعد ذلك؟ في ليبيا بدأت الظاهرة المعروفة بـ"تمدد المهمة" قبل أن تبدأ المهمة ذاتها. ففرض منطقة حظر طيران لن يحدد ما يطلق عليه أوباما"هدف محدد جيداً"، وهو ذلك الخاص بـ"حماية المدنيين". وإنما تحول هدف هذه المهمة لكي يصبح حماية الطائرات التي تقوم بتنفيذ عمليات ضد القوات البرية للقذافي. فهدف أميركا الآن بات غير قابل للفصل، عن هدف تدمير النظام، والذي يفترض أن يتم كما يرى مخططو السياسة الخارجية من خلال خلق"حالة فراغ" يأمل هؤلاء المخططون أن تتلوها كل الأشياء الطيبة على الفور -كأن يتقدم المتمردون لملء هذا الفراغ والقضاء على النظام. ولكن هنا يثور سؤال:"ماذا يحدث إذا لم يتمكن هؤلاء المتمردون من تحقيق هذا الهدف؟ ماذا يحدث لو لم يتمكنوا من هزيمة القذافي نتيجة لنقص الأسلحة والمعدات لديهم؟ هل سنقوم حينئذ بمدهم بما يحتاجون إليه منها؟ ولا يقتصر الأمر على هذا فهناك أيضاً سؤال: "ما الذي يحدث إذا أدت إزالة النظام إلى حالة من الفوضى العارمة العصية على السيطرة كما حدث في حالة عراق صدام؟ في هذه الحالة هل سنصبح نحن المسؤولين عن الثارات القبلية الكامنة التي أطلقناها من عقالها؟ ثم ما هو المدى الزمني الذي يمكننا القيام خلاله بالإشراف على، وحراسة، عملية تقسيم ليبيا؟ في معرض تبريره لقراره بشن الحرب على ليبيا قال أوباما:"إن القذافي قد فقد ثقة شعبه". وفي رأيي أن مثل هذه الأقوال البليغة لا تهدف سوى لتخدير العقل. فمتى بالضبط فقد القذافي ثقة شعبه؟ إن أميركا دولة - ولنا في ذلك أن نراجع إعلان الاستقلال الخاص بها - تستمد صلاحياتها العادلة من موافقة المحكومين. ولكن هذا الأمر لا ينطبق بالضرورة على العالم الخارجي الذي قد نجد أن الكثير من الحكومات فيه لا تستمد شرعيتها من موافقة المحكومين. وهنا يكون السؤال المنطقي: متى يكون من واجب أميركا أن تتدخل لتمسح مثل هذه اللطخات - الحكومات غير الشرعية- عن وجه الكوكب؟ هل يمكنها القيام بذلك من خلال مبدأ التدخل الإنساني؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل يمكن لأوباما أن يقوم بمحاولة لتعريف ما المقصود بهذا المبدأ كي يبرر تدخله في ليبيا؟ هنا أيضاً قد نجد من يقول لك طالما أن الأمم المتحدة قد منحت واشنطن موافقتها على التدخل في ليبيا، فإن مسألة شرح المقصود بقانون التدخل الإنساني هنا تصبح غير ذات صلة؟ دعونا نرى إذن من في الكونجرس يدعم هذا الافتراض، الذي سيتم -من دون شك- دحضه بقوة، خصوصاً من جانب "الجمهوريين" الذين يصرون في الوقت الراهن على أن الدستور لا يمنح الحكومة الكثير من الحرية للقيام بهذا الأمر. في التاسع والعشرين من ديسمبر من عام 1962 وفي استاد"أورانج باول" بمدينة ميامي، خاطب الرئيس جون كيندي الذي أمر بتنفيذ عملية خليج الخنازير، تجمعاً ضم مزيجاً من الجنود الذين شاركوا في تلك العملية، والمؤيدين لتغيير النظام في كوبا. قال "كيندي" الذي كان يحمل علم اللواء الذي قام بتنفيذ العملية: "إنني أؤكد لكم أن هذا العلم سيعود مرة أخرى لكي يرفرف في هافانا". بعد تلك الكلمة بأحد عشر شهرا فقط، وتحديداً في الثاني من نوفمبر 1963 تورطت إدارة كيندي في محاولـة أخرى عنيفة لتغيير النظام وذلك من خلال التخطيط لعمل انقلاب واغتيال الرئيس الفيتنامي"نجو دين دييم". وتم بالفعل تغيير النظام في سايجون، لكن ما الذي حدث؟ الذي حدث أن أميركا انجرت لحرب فيتنام الدموية، وانتهى الأمر بسايجون أن أصبحت ما يعرف بمدينة "هوشي منه" الآن. جورج إف. ويل محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©