الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السجاد الشرقي يحاكي حضارات وموروثات الشعوب

السجاد الشرقي يحاكي حضارات وموروثات الشعوب
20 مارس 2012
يبقى السجاد أشبه بلوحة فنية لها عراقتها وقيمتها التاريخية، حيث نطل من خلاله على موروثات الشعوب وحكاياتهم التي دونت عبر طيات هذه القطع من السجاد من خلال نقوشها ورموزها وألوانها لتشكل لنا منظومة جمالية غاية في الدقة والإبداع تجعل من منازلنا بيئة أنيقة معقودة بالثراء، فقطعة السجادة اليدوية مهما كانت صغيرة أو بسيطة فهي بلا شك تضفي لمسة سحرية على المنزل وترتقي بقيمة الأثاث ومفرداته، فكل قطعة منها إنما تحكي قصة أو أسطورة تؤرخ لحضارة شعب. خولة علي (دبي) - يستمتع المرء عبر خيوط قطعة سجاد نسجتها أنامل عزفت سيمفونية رائعة من العمل المتواصل والمستمر بلوحات رائعة في التصميم، ويصاب بدهشة عندما يرى قطعاً يتضاعف ثمنها وقيمتها عاما بعد عام. ومن بين البلدان التي اشتهرت بصناعة السجاد، نتوقف عند السجاد اليدوي الإيراني الذي يعتبر الأشهر عالمياً، لنتعرف على فنون هذه الصناعة مع مصمم السجاد راضي ميري، والذي تحدث عن بداية هذا الفن، قائلا: يعود تاريخ صناعة السجاد إلى الزمن الذي فكر فيه الإنسان إلى الاستفادة من صوف الخراف وابتكار شيء مريح للجلوس، ولكن بالعودة إلى مفهوم السجاد في يومنا هذا، لابد من القول إنه مع الاكتشافات الأثرية قد يرجع تاريخ السجاد إلى مناطق شمال إيران قبل آلاف السنين. «سجادة البازيريك» ويضيف ميري: من المهم الإشارة إلى أن المادة الأولية التي يصنع منها السجاد والتي هي الصوف، هي مادة يمكن أن تفسد مع الوقت، حتى وإن لم تستخدم على غرار الأشياء المصنوعة من مواد أخرى كالفخار والفولاذ وغيرها. لذلك لم ينج من الماضي سوى عينات قليلة من السجاد. إلا أنه - وفي ظرف استثنائي - تم اكتشاف سجادة مدفونة في الثلج في مكان ما بين منغوليا وروسيا، وقد اكتشف هذه السجادة، والتي تعرف بـ”سجادة البازيريك”، عالم الآثار الروسي الشهير البروفيسور رودينكو وسميت، والذي أثبت أن هذه السجادة صنعت في إيران باستخدام طرق التأريخ وتحديد المصادر. وسُميت هذه القطعة بهذا الاسم نسبة للوادي الذي وجدت فيه وقد يعود تاريخها وفقاً لأسلوب تحديد الكربون المشع إلى حوالي 500 سنة قبل الميلاد، بالتزامن مع الفترة التي قطن فيها الإخمينيين إيران. إرث الشعوب ويرى ميري، أن السجاد قطع تراثية تنسج إرث الشعوب وحكاياته، وتعكس مفاهيم الفن والتاريخ والهوية المميزة لكل بلد، ليس في إيران فقط، ولكن في أي مكان آخر في العالم؛ وأقصد بالفن كل المواد التي تم ابتكارها بغض النظر عن الغرض من استخدامها، ففي بعض الحالات ينشأ حالة من الحوار المتبادل بين صانع القطعة ومن يراقب العمل، ويمكننا ملاحظة ذلك حتى مع القطع المصنوعة من الصلصال أو المعدن، وعندما تبنى هذه العلاقة من خلال التصاميم والنماذج، فإنه يتم التعبير عن جوانب أخرى من المشاعر. وهذا الجانب هو الجانب المهيمن والمتطور في صناعة السجاد الفارسي المعقود يدوياً أكثر من أي فن آخر. ويمكن لسكان بلاد فارس اعتبار هذا الشكل من الفن كونه أكثر الفنون تطوراً في ثقافتهم. ويضيف ميري: اقتصر تاريخ حياكة السجاد على عدد محدود من الدول التي شهدت تطور هذه العلاقة العميقة بين صانع السجاد وبين السجاد نفسه، وهذه البلدان هي إيران وتركيا وبعض دول آسيا الوسطى وروسيا الجنوبية، وبعض الأجزاء المسلمة في الصين والنيبال والتيبت والمغرب ومصر. وما يميز السجاد الفارسي عن بقية السجاد في العالم هو عدم وجود هذا الحس من التنوعٌ والإبداع في التصميم وأساليب الحياكة في البلدان المذكورة كما هو الحال في إيران، إذ لا يمكن عدّ التصاميم والألوان والنماذج لديهم لكثرة عددها وروعتها، ويرجع ذلك إلى أن إيران هي البلد الوحيد الذي نشأت فيه علاقة اهتمام وود مميزة تجاه صناعة حياكة السجاد، كما أن طرق حياكته المتنوعة والعديدة قد أكسبت السجاد الفارسي تنوعه وهويته الفريدة في حين تتشابه قطع السجاد في باقي البلدان الأخرى من حيث الأسلوب والتصاميم والألوان. ومن الإنصاف القول إن الجمالية والحرفية هي أبرز ما يميز السجاد الفارسي عن غيره من الأنواع الأخرى. معايير للسجاد الفارسي وحول كيفية انتقاء السجاد يقول المصمم ميري، إنه يمكن للمرء أن ينظر إلى سجادة مصنوعة يدوياً من منظورين مختلفين: الأول من الجانب الفني، والآخر من الجانب الجمالي. ومن البديهي أن أي قطعة فنية يجب أن تصنع بشكل يتوافق مع المقاييس الفنية والتقليدية، وكذلك هو الأمر بالنسبة لصناعة السجاد، إذ يجب أن ترتقي السجادة المصنعة جيداً لأفضل المعايير الفنية المتبعة. وستكون الإفاضة في هذه الجوانب الآن مضيعة للوقت ولكن دعونا نقول إن هذا الجانب لا ينطبق على السجاد الفارسي فحسب، وإنما على أي سجادة تصنع في أي مكان. ودون الخوض في مزيدٍ من التفاصيل دعونا نقول إن السجاد الفارسي يبرع في اتباع هذه المعايير، ولكن دعونا ننظر إلى المنظور الجمالي، فقد ارتبط هذا الجزء بتنوع المناطق التي يحاك فيها السجاد وكان تعدد الأقاليم والقبائل الوسيلة المتبعة للتفريق بين التصاميم العديدة. واعتماداً على تعدد الأذواق، تنشأ استجابات لا تحصى، وهو أمر خاص جداً بالسجاد الفارسي ومن النادر رؤيته في بلدان أخرى. مساوئ التكنولوجيا ويشير ميري إلى أن دخول التكنولوجيا له تأثيره الكبير على كافة أشكال الفن اليدوي، وكان معظم هذا التأثير إيجابياً، إلا أنه وفي بعض الحالات كان تأثيراً سلبياً أدى إلى تدميرها واختفائها بالكامل. وتتصل الجوانب السلبية بالمجالات الذي تم فيها استبدال اللمسات البشرية بالتقنية واستبدال الجانب الفني بالتقنية الميكانيكية أو شبه الميكانيكية، ففي الحالات التي تعد فيها قطعة السجاد شكلاً لتغطية الأرضية، وبسبب قيود المنافسة والأعباء المالية المفروضة، فإن الجوهر قد فُقد. وتتمثل الطريقة الأفضل لربح الوقت والتكلفة في استبدال الإنسان بالآلة. وبالنظر إلى حياكة السجاد، لابد من الأخذ في الاعتبار عدة جوانب، فمتى استخدمت التقنيات الصناعية ولو جزئياً تقلصت القيمة الفنية والإبداعية إلى حد كبير. وهناك اليوم جزء من حياكة السجاد لا يستخدم الطرق والمواد التقليدية، كاستخدام الأصباغ الاصطناعية على سبيل المثال عوضاً عن الأصباغ النباتية، وكذلك غزل الصوف بالآلة عوضاً عن غزله باليد، وبرأيي فإن الجانب الأسوأ هو استخدام أجهزة الكمبيوتر لابتكار النماذج. ويوضح ميري: يمكن الإشارة إلى تفوق قطعتين من السجاد الفارسي على الأخرى بالنظر لتاريخها وأهميتها، الأولى هي سجادة البازيريك، التي تمت الإشارة إليها سابقاً والموجودة في متحف هيرميتاج في سانت بطرسبرغ في روسيا، والأخرى هي سجادة “أردبيل” الشهيرة التي تعود إلى الفترة الصفوية في القرن السادس عشر، والموجودة في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن بالمملكة المتحدة. طرق تنظيف السجاد فيما يتعلق بالعناية بالسجاد الإيراني، يؤكد ميري قائلاً: نظراً لكيفية سير ونظام الحياة المعاصرة، يتطلب السجاد الإيراني القليل من التنظيف، ويمكن للسجادة الإيرانية أن تبقى في حالة جيدة لأكثر من مئتي عام. وكما هو معروف أن الرطوبة من أعداء السجاد، كما أن الغسيل المستمر من شأنه أن يرهق السجادة ويتعب الوبر، لذا يفضل ان تغسل السجادة الشرقية في حال تم فرشها على الأرض، كل خمس سنوات، وهذا يحتاج أيضا إلى متخصص في التعامل مع هذه القطعة القيمة، لأن الغسيل الخطأ من شأنه أن يعرض عقد السجاد للتلف ويهدد بضياع وبرته، ومن المهم جدا يتم استخدام مساحيق طبيعية خالية من المواد الكيميائية عند غسيل السجاد، مع الابتعاد عن ضرب السجاد لإزالة الغبار العالق فيه، والذي من الممكن أن يضعف وبره، وإنما يمكن استخدام المكنسة الكهربائية وتمريرها برفق على الوبر. وفيما لو استخدمت السجادة كلوحة حائط فهي لا تحتاج إلى كثيرا من العناية. وهذا لا ينطبق على السجاد التجاري رخيص الثمن الذي يحتاج إلى قدر أكبر من العناية حتى يدوم فترة من الزمن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©