الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أكثر من أم مثالية

13 مايو 2010 19:54
اعترافاً بقهرها واشتعالها ودورها في الحياة، تنير طرقات أبنائها، تغوص بهم في عمق السنين وتجاذباتها، جبلت على التضحية وجلد الذات من أجل آخرين. هكذا تحركها فطرتها وتسمو بها في عوالم دنياها، من هنا أصبح تقليداً أن تكرم بعض الأمهات اعترافاً بدورهن وقدرتهن على تحمل مشاق أبنائهن والسير بهم نحو الأمان. تتفاوت قدراتهن على الإمساك بخيوط الحياة ليتألق أبناؤهن، أو تحمل مشاق حياة أحدهم لن يتحملها مستقبلاً لظروف خاصة، فكانت المسميات بين الأم المثالية والأم العظيمة والأم الإنسانية والاجتماعية، وحين يُعزم على تكريم هذه الفئات يتم البحث عنهن في كل الاتجاهات، من خلال أعمالهن وتضحياتهن ومجازفتهن من أجل أبنائهن. معايير دقيقة تتبعها بعض الجمعيات أو بعض الجهات لتكريم هؤلاء، وتظل المعايير تختلف من جهة لأخرى، لتقييم حصيلة عاطفة ومجاهدة، بل مقاتلة من أجل آخرين. هذا ليس مساومة على دور الأم أو تفاضلاً بين الأمهات، فالفطرة تحركهن جميعهن نحو السير على الأشواك لمسح الأذى عن سبيل أحبتهن، وتستمر الأمومة في الزمان، لن يخفت صوتها، ولن يتغير لونها، ولن تطفأ نارها ولهيبها مهما مرت السنوات وتعاقبت، تظل الأم مثالية على مر الأيام، حتى وإن رجعت إلى أرذل العمر، يظل قلبها يخفق لهم وبهم، فكل الأمهات مثاليات وإنسانيات وعظيمات واجتماعيات ولا نقاش على ذلك. هذا كان رأيي سابقاً، حين كانت تثار بعض الجوائز والتكريمات لأمهات تُخترن بطرق مختلفة للتتويج والتكريم، مرات لإعطاء بعض الحفلات الصيغة الاجتماعية، وأخرى لأسباب غير مفهومة، ومرات تتخذ من بعض المناسبات أحقية التكريم، وهناك دائماً أمهات يعملن في الظل، بل يحترقن ويعرضن أنفسهن لكل المخاطر القاتلة من أجل أبنائهن، وستبقى هناك أمهات لن تراهن عيوننا أبداً، يعترف بقدراتهن المقربون لهن فقط. هذه حال شابّة في مقتبل العمر، دهمها المرض، واستشرى في عظامها فنخرها نخراً، رجلاها لم تعودا تقويان على حملها، تتقلب في أوجاعها وتعلم بحال مصابها، بورم في الرأس، وسرطان نال من تفاصيل جسدها، تحمل جنيناً في أحشائها، تصر على الاحتفاظ به، وهي التي لم تسمع بعد صرخة دنياه، ولم تر نور عينيه بعد، لم ترضعه حليبها، ولم تضمه إلى صدرها، ومع كل ذلك صممت أن تموت ألف مرة، وأن تنام في قيظ المرض واشتعاله، وعدم التفريط فيه. فضلت عدم الدخول في تفاصيل العلاج، واكتفت بأخذ مسكنات آلامها بدل العلاج الكيماوي حفاظاً على من يسكن أحشائها، طلباً للعلاج سافرت خارج الدولة، تحت طائلة المرض نصحها الجميع بالتنازل عنه، لكنها لاتزال صامدة وصابرة وتبتهل لله أن يكمل شهره السابع، أسبوعان يفصلانها عن أمان مولودها، ما زالت تقاوم الموت وتصر يوماً بعد آخر على الحفاظ على هذا الجنين. أظن أن لا مثالية أكثر من هذه، ولا أمومة أكثر من هذه، فمن جسد متهالك تتمنى أن تخرج الحياة، وصبرها مع المرض فاق الحدود والتصور، ومع كل ذلك لايزال أملها في إنجاب ابنها قائماً، هذه من يجب أن تكرم كأم مثالية. lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©