السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة

13 مايو 2010 19:46
لقد أوجب الله سبحانه وتعالى على عباده أن يأكلوا الطيبات من الرزق، وأن يلبسوا من الحلال ويتصدقوا من الحلال؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، فقد حكم الله سبحانه وتعالى على كل جسد نبت من الحرام بالنار، كما وجعل وجوه الرزق كثيرة في الدنيا منها الحلال الطيب ?ومنها الخبيث الحرام. فمن تحرى كسب رزقه من الحلال الطيب وخاف من الشبهات كان من المؤمنين الأخيار، ومن كان همه وصول الرزق إليه حراماً كان أو حلالاً، لا يبالي بحساب ولا عقاب، كان أشبه الناس بالكافرين الذين لا يكترثون بأوامر الله ونواهيه، وقد ذمهم الله تعالى بقوله {يَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ}، سورة محمد الآية 12، فمن كان يأكل من حرام فلا سبيل إلى قبول عمله، وعبادته مردودة عليه، فلا يجاب إليه دعاء، ولا تقبل منه ضراعة، كما ورد في الحديث الشريف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، سورة المؤمنون الآية 51، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} سورة البقرة الآية 172، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذى بالحرام، فأني يستجاب لذلك؟)، أخرجه مسلم والترمذي، لذلك نجد أن بعض الناس من يستهويه حب المال فيأخذ في جلبه من طريق سيئة غير مشروعة كالسرقة والخديعة والغش والتدليس وسرقة الموازين، والخيانة في الأمانة والأيمان الكاذبة، وغير ذلك من الوسائل التي يسلكها لابتزاز أكل أموال الناس بالباطل، وأخذها من أربابها عن طريق خفي غير مشروع، وهذا كله حرام شرعاً، يجب الابتعاد عنه. وطلب الحلال من الرزق واجب، وابتغاء المال الطيب ضرورة لاستقامة الحياة الاجتماعية واستقرارها، وخلوها من أساليب الغش والكذب وسائر أنواع الحرام والكسب الخبيث، وما يتبع ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} سورة النساء، الآية (29). إنَّ الرزق الطيب الحلال هو ما اكتسب عن طريق عمل مشروع، وحرفة لا ريبة فيها ولا شبهة، وإنَّ الحلال بيِّن، وإنَّ الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، وإنَّ المال الحرام رزق خبيث ممحوق البركة، موجب لصاحبه النّار، ومانع له من استجابة الدعاء. والإسلام عندما يحرم أمراً فإنّه يوجد البديل، فقد حرم الزنا وأحل الزواج، وحرم الربا وأحل التجارة، فالتجارة عمل شريف وطيب إن التزم صاحبها الطريق المستقيم. فقد قال عليه السلام: “التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء الصالحين” (أخرجه الترمذي)، وقال: “تسعة أعشار الرزق في التجارة” (ذكره السيوطي في الجامع الصغير 1/130)، وقال: “التاجر الصدوق تحت ظلِّ العرش يوم القيامة” (أخرجه السيوطي). وأباح الإسلام للتاجر أن يربح، ولم يجعل للربح حداً، بشرط أن يبتعد التاجر عن الاحتكار والاستغلال والغشِّ، كما يجب على التاجر أن يبتعد عن احتكاره لبعض السلع، واستغلال المحتاجين للطّعام والشّراب وغير ذلك، وفي ذلك ما ينافي تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف: “من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة” (أخرجه مسلم)، ففي سبيل دراهم معدودة، يبيع التاجر ذمَّته ودينه، ويحلف بالله العظيم كاذباً متعمداً في سبيل ربح ضئيل، ومكسب قليل، يخسِّر التاجر شرفه وديانته ويصير منافقاً جاحداً، في سبيل الدنيا يبيع الدين، وفي سبيل المال يجترئ على رب العالمين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} سورة البقرة، الآية (86)، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}، سورة البقرة، الآية (16)، وهناك فئة من التُّجار تروج البضائع الفاسدة، من طعام وشراب، وحليب، وأدوية تضر بالأمة وتجلب عليها المصائب. إنَّ الأموال التي تأتي عن طريق غير مشروع ما هي إلاّ قبس من نار وجذوة من لهيب، يتأجج في بطون آكليها، وتجتاح في طريقها كل ما جمعه من الحلال، وفي ذلك يقول الرسول الكريم: “من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغلِّيه عليهم، كان حقاً على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة”. فديننا الإسلامي يحث على التراحم بين أفراد المجتمع، فعلى القوي أن يرحم الضعيف، وعلى الغني أن يعطف على الفقير: “فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضا” (أخرجه البخاري). وقد طالب الإسلام المسلم بالعمل، حيث يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} سورة البقرة، الآية (168). في هذه الآية يرشد الله عز وجل عباده إلى أن يتوخوا في حياتهم المأكل الطيب، والرزق الحلال، غير متأثرين بوساوس الشيطان، ولا متبعين لخطواته. أخي التاجر: عليك بالحلال، وابتعد عن الحرام، فالدنيا بعدها آخرة، وهناك الحساب: “من أين جمعه؟ وفيم أنفقه” فتدبر أمرك، وإليك هذه النصوص الشريفة: قال عليه الصلاة والسلام: “لا يحتكر إلا خاطئ” (أخرجه مسلم)، وقال: “بئس العبد المحتكر إن سمع برخص ساءه، وإن سمع بغلاء فرح” (ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4/101). أخي التاجر: اجعل قدوتك الرسول التاجر-عليه الصلاة والسلام- والصحابة الكرام-رضوان الله عليهم- الذين ملأوا طباق الأرض عدلاً، فهذا واحد منهم، وهو عبد الرحمن بن عوف كان مثالاً للتاجر الصادق الأمين الواثق بربه حتى أصبح من كبار التُّجار، فلما سئل عن سرِّ ذلك، قال: لم أبع معيباً، ولم أرد ربحاً كثيراً، والله يبارك لمن يشاء، حتى قال: “لو رفعت حجراً لوجدت تحته مالاً”. وكذلك يجب على المواطن أن يبتعد عن الجشع، فلماذا يجمع البعض أكياساً من الدقيق، وألواناً من الطّعام والشّراب؟ إن ذلك يحدث تقليلاً لهذه السلع في الأسواق، فترتفع أسعارها، فالمؤمن يأخذ حاجته، والباقي على الله، حيث إنَّ المؤمن متوكل على ربه، ومعتمد عليه. واعلم أخي القارئ أنَّ الإنسان يموت ويترك ماله كله، ولكنه يسأل يوم القيامة عن ماله كلِّه، وانَّ القليل من المال يكفيك خير من كثير لا تقوم بشكره. ولا يفوتني أن أحيي التجار الأمناء الكرام، داعياً الله أن يبارك لهم في أموالهم وأهليهم، لأسوق مثالاً لهم، فقد جاء في الحديث: “اشترى رجل من رجل عقاراً له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني إنَّما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذهب، فقال الذي باع الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها. قال: فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدقا” (أخرجه مسلم)، فهذا تنازع بين البائع والمشتري غير طامعين في ذهب أو مال، هذان الرجلان كان بينهما النزاع على جرة فيها ذهب، لا رغبة فيها، بل رغبة عنها؛ لأنَّهما يعلمان أنَّ الذهب عرض زائل، وأمَّا ما عند الله خير وأبقى، ورحم الله القائل: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند. نسأل الله أن يرزقنا الحلال، وأن يجنبنا الحرام، وأن يجعلنا من المؤمنين الصادقين، والحمد لله رب العالمين. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©