الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البيوت أسرار

البيوت أسرار
13 مايو 2010 19:44
صديقي سبب ضيقي نورا محمد -القاهرة جمعتنا زمالة الدراسة في فصل واحد ونحن في المرحلة الابتدائية بجانب أننا نقيم في منطقة واحدة، علاقتي به في هذه الحدود، وعندما توفي أبوه شعرت بأحزانه عليه وبألمه على فراقه، ومعاناته من اليتم في هذه السن المبكرة، إذ أنه أكبر إخوته البنات اللاتي كن ثلاثا جميعهن أصغر منه، وأمه مازالت شابة، كنت أضع نفسي في مكانه فاشفق عليه أيما إشفاق، وأجد أن المصيبة أكبر منه بكثير، وبلا قرار معلن وقفت بجانبه بقدر استطاعتي وضعف إمكاناتي التي لا تذكر، فليس لديّ غير المصروف القليل الذي أحصل عليه من أبي كل صباح قبيل الذهاب إلى المدرسة وأحيانا لا أحصل عليه، فاقتسمت معه هذا القليل الذي أملكه وأغدقت عليه بإخراجه من أحزانه بل تخليصه منها لأننا كنا على مشارف اختبارات نهاية العام، تمكنت من إقحامه في الدروس والاستذكار ومساعدته في حل ما استعصى عليه فهمه وتكللت جهودي بالنجاح وانتقلنا معا إلى المرحلة الإعدادية، وقد اعتبر أنني أسديت اليه معروفا كبيرا وأنقذته من الضياع في تلك السنة، فاعتبر ذلك دينا لي في عنقه، دائما يذكره لي وللآخرين، وإن كنت لا أريد شكرا على ما فعلت لأنني رأيته واجبا حتميا لابد أن أؤديه، وعلى أي حال كان هذا الموقف البسيط سببا في علاقة صداقة قوية متينة ربطتني به منذ ذلك الحين، وتزداد كل يوم صلابة، خالية من الهوى والمصلحة، كانت مضرب المثل لكل من حولنا، فلا يُذكر أحدنا إلا ومعه الآخر، كان من الطبيعي مع هذه العلاقة أن يفضي كلانا إلى الآخر بكل أسراره مهما كانت، وقد يكون بعضها حساسا أو مشكلة، فنتشارك ونتبادل الرأي لاتخاذ القرار المناسب والتصرف الجيد، لم تكن بيننا حواجز ولا حدود واستمر الحال على هذا حتى عندما انتقلنا الى المرحلة الثانوية ثم شاء القدر أن نلتحق بكلية واحدة، فظلت صداقتنا على قوتها، وازداد عليها أننا في مرحلة نضج في التفكير، واتساع أفق ورشد في القرار. بعد الانتهاء من الدراسة التحق كل منا بعمل في مكان مختلف، وتباعدت بيننا المسافات ولم تبتعد المشاعر والرباط الوثيق، حتى جاءني يحدثني عن رغبته في خطبة ابنة عمه، وإن أمه تبارك هذا الاختيار، وعمه يوافقه، وهم جميعا يريدون أن يفرحوا به لأنه الولد الوحيد بين البنات، لكن المشكلة هي الإمكانات المادية، فهو في حاجة إلى مبلغ كبير لتأثيث عش الزوجية الذي سيكون جانبا في بيت الأسرة الكبير، قلت له: طالما أن في هذا سعادتك فستفعل المستحيل لتحقيقه، ولم يكن معي من المال إلا الفتات، فاضطررت إلى الاستدانة من أقاربي واللجوء إلى البنك للاقتراض من أجله، وقدمت له ما استطعت أن أحصل عليه وكان أكبر مما دبره هو وتمت الزيجة بأمان دون معوقات أو مشكلات. كاد صديقي يحمل كل الآلات الموسيقية ليشدو بالألحان والكلمات والأشعار عما قدمته له، وللمرة الثانية اعتبر أنني أنقذته من الضياع وتسببت في إسعاده وتحقيق أمنياته التي كانت صعبة المنال، وانطلق كل منا في حياته، وانشغل في شؤونه ومعيشته، وكلما حل موعد الدين أتقلب على الجمر، واقترض من هنا وهناك لأقوم بالسداد دون أن أطالبه، فأنا أعلم ظروفه الصعبة وهو في نفس الوقت يعرف ظروفي إمكانياتي، فكنت انتظر منه أن يساهم معي في تدبير هذه المبالغ التي اقترضتها له ومن أجله وفوجئت به يتجاهلني، وناء كاهلي بتحمل هذه الديون فوجدت في وجهه امتعاضا كأنني ارتكبت جريمة غير أنه حاول أن يخفي ما ظهر عليه، شعرت أنه اعتبر أن ذلك ديونا معدومة لا يحسب حسابا لتسديدها، أو منحة لا ترد، أو هبة من ثري مقتدر، وبدأت أحواله معي تتغير، تأثرت علاقاتنا وتباعدت لقاءاتنا وكادت تنعدم الاتصالات العادية بيننا. من المؤكد أن علاقتنا تعرضت لشرخ كبير لا أريده أن يتسع ولا أريد أن أفقد صديق عمري بسبب المال ولو كان في مقدوري تحمل هذه المبالغ أو التصرف بشكل آخر لفعلت، وأنا على يقين من أنه هو أيضا كذلك لا يريد أن يضحي بصداقتنا بسهولة، وتنازل كل منا واتخذ خطوة نحو الآخر، وعادت المياه إلى مجاريها، وقد كان لزوجته دور كبير في ذلك فقد وجهت إليه اللوم وحملته المسؤولية كاملة في هذه القطيعة. بلغت الخامسة والعشرين من عمري ولم أفكر في الزواج ليس زهدا، وإنما جبرا، فإمكانياتي أضعف من أن تدفعني لطلب يد أي فتاة أو الحصول على شقة وتأثيثها، وكان ذلك سببا في ضياع محبوبتي التي ارتبطت بها سنوات طوالا، وصديقي يعلم بكل تفاصيل هذه العلاقة، بل بأدق تفاصيلها، كانت الفتاة على خُلق ودين، تربطني بها صلة قربى، ومنذ كنت في الخامسة عشرة وأنا أكبرها بثلاثة أعوام ونحن متحابان وفاتحتها بأحاسيسي وأفصحت عن مشاعرها في حدود الأخلاق والالتزام، ألتقي بها في أماكن عامة نقضي ساعات ونحن نرسم المستقبل ونخطط لما هو آت، لم تكن لها مطالب تذكر، كل أمنيتها في الحياة أن تكون معي، وأنا من جانبي لم أر واحدة غيرها في هذه الدنيا، كانت في عيني أجمل الجميلات، وأصبحت قصة حبي لها نموذجا للحب العفيف، عرف بها الجميع من أسرتينا، ومن حولنا، ولأننا لم نخرج عن المألوف بارك الجميع حبنا بلا كلام ولا اعتراض وفي كل صباح ومساء تتجدد المشاعر، وتخرج الأحلام نريد أن تتحول إلى حقائق. إلى هنا لم يكن في مقدوري أن أتقدم لخطبتها، الغريب أنني عجزت عن التصرف لنفسي، كما تصرفت لصديقي في تدبير المال، لأن الظروف والأوضاع كلها مختلفة، أنا بحاجة إلى شقة وأثاث وخلافه، لأنني بحكم عملي أقيم في مدينة بينما صديقي يقيم في قرية، كنت ازعم أن في الأيام والسنين متسعا لتحقيق كل ذلك إلى أن استيقظت على الخبر المشؤوم الذي فرق بيني وبينها إلى الأبد، تقدم شاب لخطبتها، لا ينقصه شيء، وافق أبوها عليه، ولم تستطع هي الاعتراض، ومنعني عجزي وضيق ذات اليد من اتخاذ خطوة تذكر، فلا يكفي أنني أحبها حتى تنتظرني ولا يكفي ذلك لإقناع أبيها، وسدت السبل وكان ما كان، وضاعت الحقائق والأحلام. أعلنت الحداد على مصيبتي الكبرى، وجرحي ينزف وقلبي يئن، رأيت الدنيا بعيون مختلفة، فقدت الثقة في كل شيء، وقد حاول صديقي أن يخفف عني هذه المحنة، ووقف بجانبي بقدر ما يستطيع، لكن لا شيء يمكنه أن يخرجني من هذه الحالة، كان ذلك نهاية العالم بالنسبة لي، انغمست في العمل محاولا أن أشغل نفسي بأي شيء، نجحت في تقليل وقت الفراغ، وقطعت عهدا بألا أظهر في حياة محبوبتي التي أصبحت في عصمة رجل آخر، وألا أكون أبدا سبب تكدير حياتها خاصة أنني متأكد من أنها مازالت تحبني حتى إذا التقينا صدفة أحاول أن أغير الطريق أو أتحاشى الكلام معها، وأتجنب اللقاء فهي الآن ليست لي. ومهما كانت الظروف والحوادث فإن الحياة تسير بحلوها ومرها، لابد أن أتزوج فكل أقراني سبقوني إلى ذلك ولديهم أطفال اقتربوا من الالتحاق بالمدارس، بل منهم من اقترب من إنهاء تعليمه الأساسي، كنت على مشارف الثلاثين، حصلت على شقة مناسبة وأصبحت قادرا على تكاليف ونفقات الزواج، لكن المشكلة كانت الآن في الاختيار، وقررت أن يكون الاختيار بالعقل، بعدما ضاع اختيار القلب وشاركني صديقي في البحث وأنا استرشد برأيه واستنير بوجهة نظره، حتى وقع الاختيار على فتاة معروفة لنا، وتمت الخطبة وخلال أشهر معدودات تم الزواج، صحيح لم أشعر نحو زوجتي بعاطفة تذكر أثناء الخطبة أو في بداية حياتنا الزوجية إلا أنني كنت مخلصا لها بلا حدود. استقرت بي الأحوال وسارت مركب الحياة بلا منغصات إلا بعض المتاعب والمشكلات المعتادة التي لا تصل إلى حد المعضلات، إلى أن جاء صديقي وزوجته في زيارتنا التي لم تكن الأولى لهما، وإنما كانت الأطول واستمرت عدة ساعات، فبعد تناول الغداء أثنيا على مهارة زوجتي في إعداد الطعام وعرج صديقي للمقارنة بينها وبين محبوبتي ثم انطلق سريعا إلى الخلف ينبش في الماضي، ويذكر لزوجتي ما كان بيننا، يخبر بأدق التفاصيل التي كان يعرفها بحكم علاقتنا، وفشلت زوجته في إيقافه عن هذا الحديث لأنها كامرأة لاحظت الغيرة والضيق على وجه زوجتي لأن هذا يؤكد لها على الأقل أنني لا أحبها، وأنها مجرد امرأة في البيت قد تكون مثل الخادمة، تعد الطعام وتغسل الملابس ولكن بعقد زواج، وأنا من جانبي كلما حاولت أن أغير الموضوع بالحديث عن كرة القدم مثلا، أو أحداث الفيلم الذي أمامنا في التلفاز يعود سريعا الى حديثه. كانت تلك حماقة وسقطة كبرى من صديقي إذ أن زوجتي منذ تلك اللحظة تحولت الى امرأة أخرى متمردة مثل القطة الشرسة، تعتبرني مخادعا إذ لم أخبرها بهذه الأسرار من قبل، أصبحت في عينها متهما على طول الخط، حتى قالت إنها لا تأمن على نفسها معي، وتشك في كل تصرفاتي وكلامي، ولم أستطع تبرئة نفسي من هذه الاتهامات، وتعرضت حياتي الزوجية لزلزال عنيف ليس في استطاعتي تهدئته، وتنفجر البراكين كلما تجددت زيارة صديقي لنا، فالموضوع الأساسي لجلستنا هو حبي الضائع المأسوف عليه، فتزداد النار اشتعالا وتأججا، ولم تجد تحذيراتي له بخطورة ذلك، وكاد بيتي ينهدم فاضطررت لمقاطعته تماما، لكن مازالت زوجتي تعاملني كأنني خائن يستحق العقاب، تغيرت في كل تصرفاتها، أصبح إصلاحها أو بالأحرى إعادتها إلى طبيعتها من رابع المستحيلات. أشعر بالندم الشديد على أنني منحت صديقي كل ثقتي، وأخبرته بأدق أسراري التي كانت سلاحا في يده، ينغص به حياتي، ألوم نفسي على حساباتي الخاطئة، وأحيانا أجدني تعاملت معه بصدق وثقة، وأصبحت تائها مشتتا بين الصراع النفسي، والمشاكل الزوجية، وبالطبع لو عاد بي الزمان والأيام لاحتفظت بكل أسراري لنفسي، وقد بدأت أفعل ذلك. ميزان العدالة سارق الأرواح والأفراح أحمد محمد (القاهرة) - كان احتفال الأسرة بعيد ميلاد الصغير «يوسف» هذا العام مختلفا عن السنوات الست الماضية، لانه التحق بالمدرسة وأنهى عامه الأول وسينتقل بعد عدة أشهر إلى السنة الثانية، رزق به أبوه وأمه بعد سنوات عجاف في انتظار وترقب الحمل، إذ كانت الأم تعاني بعض المشاكل، وتنقلت بين كل الأطباء المشاهير في علاج العقم والمتخصصين في أمراض النساء والتوليد، لا تعرف عددهم، تاهت بين الوصفات والأدوية، حارت بين الآراء المختلفة أحيانا، وبين اليأس والأمل فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا وهي من عائلة ثرية وزوجها «علاء» أيضا، علاوة على أنه مهندس ناجح في عمله، لم يفقد يوما الأمل في أن يمنّ الله عليهما بالولد، حتى جاءهما الخبر السار الذي لم يسعدا بمثله من قبل، الزوجة حامل في شهرها الثاني، انصاعت لنصائح الأطباء وخاصة الراحة التامة وعدم حمل أي شيء ثقيل والمشي بهدوء، وقرر «علاء» على الفور أن يستقدم خادمة ووقع الاختيار على «رشا» وهي فتاة في العشرين من عمرها من أسرة فقيرة، ماهرة في الشؤون المنزلية، متفتحة العقل، تفهم مطلب مخدومتها بلا كلام، إلى أن جاء «يوسف» إلى الدنيا على يديها، فاستبشرت بها الأسرة الصغيرة وقررت بقاءها معهم باستمرار إلى أن تتزوج. واعتادت الأسرة في مثل هذا اليوم من كل عام الاحتفال بعيد ميلاد الصغير الذي ملأ حياتهم بهجة وسروراً وهو يشب عن الطوق، يكبر ويسير نحو الصبا، يتمنى الأب والأم أن يرياه شابا، وتكتمل سعادتهما الكبرى بتزويجه وتكوين أسرة، أحلامهما تسبق الأيام والسنين، فكل ذلك يدور في أحاديثهما وأيضا في أحلام النوم واليقظة، وتنهال مع كل احتفالية الهدايا والألعاب التي تناسب سن الصغير، ولا ينسى الأب والأم معاناتهما السابقة ولابد أن يكرر كل منهما الحديث عن رحلة العلاج والصبر الطويل إلى أن رزقا بـ «يوسف» الذي لم يفسده الحب الزائد والتدليل كان نابها سريع البديهة، يسبق عقله عمره، أحبه كل من حوله من عائلته والجيران، إذ لا تفارق الابتسامة محياه أبدا، يهرول يصافح كل من يعرفه، يبادر بالتحية والسلام رغم صغر سنه، يستجيب لتوجيهات الأب والأم التي هي دائما لمصلحته، حتى وإن رأى أنها خلاف ذلك. كان حفل عيد ميلاد «يوسف» فرصة لتجمع الأهل الذين حضروا عن بكرة أبيهم، حتى أن الصغير قضى وقتا طويلا في نهاية الليلة وهو يفض الأغلفة عن الهدايا التي ملأت غرفته من الأعمام والأخوال والأجداد والجدات والأقارب، تنوعت بين الألعاب والملابس والتحف بجانب الورود التي زينت الشقة الفسيحة، كانت السعادة بادية على وجوه الجميع خاصة الأب والأم والابن، وداعب «يوسف» أباه بمطلب جديد، إنه يريد أن يقضي عدة أيام في نزهة بالفيلا الساحلية التي يمتلكها على البحر، ولأنه اعتاد أن يلبي له كل مطالبه المشروعة، وافق على الفور غير أنه لا يستطيع الذهاب معه لارتباطه ببعض الأعمال والمواعيد المهمة، وتم الاتفاق على أن يذهب مع أمه والخادمة ثم يلحق بهم بعد عدة أيام، فطبع الصغير قبلة على ناصية أبيه وهو يقدم له الشكر والامتنان على استجابته. تم إعداد العدة، وانطلقت السيارة الخاصة تحمل الأم والابن والخادمة، جلس «يوسف» بجوار النافذة يراقب الأشجار والبيوت التي تطير وتمرق من جانب الطريق كأنها هي التي تجري لا السيارة إلى أن وصلت القافلة إلى الفيلا التي كان يبدو عليها الهجران مما عليها من آثار غبار وتراب، لم ينتظر الى أن تستقر الأمور ويتم تنظيف الغرف، هرع إلى حقيبة ملابسه، استخرج ملابس البحر وانطلق وحده نحو الشاطئ القريب يلعب بالرمال تارة، ويداعب الأمواج التي تهدم قصوره التي يبنيها بأدواته تارة أخرى، يبلل جسده النحيل بالماء، تغلبه جرعة مالحة فيتخلص منها إلى أن شعر ببعض الإشباع من اللعب والجوع أيضا فعاد إلى الفيلا، كانت الخادمة «رشا» بمساعدة الأم قد انتهت من كل أعمال النظافة وتم الاتصال بأحد المطاعم لإحضار وجبات سريعة، تناولوها وهم يمنون نفسهم بسرعة حضور الأب الذي يشعرون في وجوده بالأنس والأمان. جلس «يوسف» في الصالة يشاهد التلفاز، بينما الأم والخادمة في الشرفة، حين وقعت عيونهما على شاب غريب ينتقل بين المساكن بشكل مريب، حتى اقترب منهما، سألته الخادمة إن كان يبحث عن شيء أو يريد أحدا فأجاب بالنفي، فطلبت منه مغادرة المكان والابتعاد عنه، مرت ساعة شعرت بعدها كل منهما بالإجهاد من السفر والأعمال المنزلية، فأوت إلى غرفتها بينما ظل الصغير أمام التلفاز يقلب في القنوات التي تعرض برامج للأطفال حتى دق جرس الباب وكما اعتاد من قبل هرول وفتح دون أن يسأل من الطارق، فكان هذا الزائر الغريب بلا قلب أو مشاعر إنسانيه، متجردا من الآدمية، انهال على جسد الصغير بطعنات من سكين دوت معها صرخاته التي أيقظت أمه والخادمة مفزوعتين، لا تصدقان ما يحدث، المشهد مرعب رهيب، مجرم قاتل يبدو عليه التشرد والضياع، يكاد قلباهما أن يقفزا من صدريهما، الأمر جلل، الصغير سقط في دمائه التي سالت على الأرض، لحظة لم تصل إلى مدة دقيقة واحدة كانت أصعب من أن توصف، الصغير لفظ أنفاسه، فارق الحياة، الأم لا تصدق أنها فقدت فلذة كبدها وروحها بلا ذنب من أي منهم، لم تستطع الاحتمال، سقطت مغشيا عليها فقدت الوعي، وراحت في غيبوبة، تصرخ الخادمة تستغيث وتستنجد بالجيران، فيعاجلها المجرم بالطعنات لكنها لا تهتم به، ولا تخاف منه، فهي تحب «يوسف» بما لا يوصف، ضحت بحياتها من أجله، لكن دون أن تنقذه وفاضت روح «رشا» بجواره، اختلطت دماؤهما على الأرض، حتى جاء الجيران تلبية لهذه الاستغاثة، شاهدوا القاتل داخل الفيلا، وما أن رآهم يقتربون حتى أغلق على نفسه الباب من الداخل، لحظات صمت عندما وصلوا لا شيء يحدث، كسروا الباب وقعت عيونهم على جثتي الصغير والخادمة، والأم هناك ملقاة على الأرض، هددهم القاتل بمطواته محاولا الهروب، أصاب أحدهم عندما حاول الإمساك به، ثم أصاب الآخر، وفي النهاية سيطروا عليه واقتادوه الى قسم الشرطة، وتم نقل الأم الى المستشفى. وتكشف التحقيقات عن أن المتهم الذي يدعى «صبحي» عاطلا تجاوز العشرين، فشل في دراسته، ولم يستطع إكمال تعليمه والتحق بالعمل في إحدى الشركات الخاصة، وتم فصله لسوء أخلاقه وسلوكه، فشل في الحصول على أي عمل آخر، فالجميع يرفضونه عندما يعرفون سيرته السابقة، جلس أمام المحقق يعترف بجريمته النكراء، متبلد الأحاسيس، متجمد الملامح، أشعث أغبر، قال إنه بحاجة شديدة الى المال لأنه صفر اليدين، وقد اعتاد تعاطي المخدرات منذ سنوات، وجاء إلى هذا المكان ليبحث عن غنيمة ويسرق إحدى الفيلات، واستقر اختياره على هذه بعدما علم بعدم وجود رجل فيها، لذلك ستكون صيدا سهلا ثمينا إذ يبدو ثراء أصحابها واضحا. ويتلقى المهندس «علاء» اتصالا مزعجا في منتصف الليل ينقل إليه النبأ الحزين المؤسف، كان أكبر من احتماله هو الآخر، ففقد وعيه وراح أيضا في غيبوبة، ويتم نقله إلى المستشفى بجوار زوجته بعدما فقدا أغلى ما في الحياة، لا أحد يدري إن كان سيكتب لهما البقاء أم لا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©