السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

الإسلام أول من حافظ على حقوق وسلامة الأسير

الإسلام أول من حافظ على حقوق وسلامة الأسير
19 مارس 2015 22:58
أحمد مراد (القاهرة) جاء الإسلام ليقر مبدأ السلام بين الشعوب والأمم، معتبراً السلام هو الأصل والحرب هي الاستثناء، وفي سبيل ذلك دعا إلى تجنب ويلات الحروب والنزاعات، ورغم ذلك لم يتغاض عن وضع قوانين للحرب في حالة وقوعها، وجعل الحرب في المقام الأول دفاعية وليست هجومية، وفي غمار الحروب يسقط القتلى والجرحى من الأطراف المتنازعة، كما يقع بعض المقاتلين في الأسر، وقد وضع الإسلام عدة أسس للتعامل مع الأسير، وكفل له حقوقاً تحفظ سلامته وأمنه وكرامته. القسوة مرفوضة يقول الدكتور علي جمعة مفتي مصر الأسبق: يحرم الإسلام التعامل مع الأسير بقسوة أو تعريضه للمهانة والذل، وكان النبي صل الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على جيش أوصاه ومن معه من المسلمين بقوله: «لا تغلوا ولا تقدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا شيخاً»، وقال يوم فتح مكة: «ألا لا يقتل مدبر، ولا يجهز على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن»، ولذلك كان المسلمون في قتالهم لا يتبعون أحداً هارباً من المعركة، ولا يقتلون أسيراً، ‏ بل لا يقطعون شجراً، ولا يردمون بئرا ولا يهدمون بيتاً. ويضيف: لقد حث الإسلام على معاملة الأسير معاملة كريمة لا تهان فيها كرامته ولا تنتهك حرمته، دون اعتبار لاختلاف الدين أو كونه من الأعداء، وعد تلك المعاملة من صفات الأبرار، حيث قال تعالى فيهم: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً)، «سورة الإنسان: الآية 8»، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بحسن معاملة الأسرى، فقال: «استوصوا بالأسارى خيراً»، وبهذا الأمر حول الإسلام غريزة الانتقام من العدو الأسير إلى أداة فضل ورحمة، فلم يقتصر على النهي عن تعذيبه أو تجويعه، بل امتد إلى الحث على الإحسان إليه وإكرامه ومساواته بالمسكين واليتيم، وبهذا تتحول إحدى تبعات الحروب، رغم ضراوتها وقسوتها، إلى عبادة يرجو صاحبها رضا الله عز وجل ويصبح بها من الأبرار. قواعد وأسس وقال: وفي الوقت الذي كانت الدول والممالك من حول دولة الإسلام تقتل الأسير أو تستعبده أو تهينه، وضع الإسلام القواعد والأسس التي يحمي بها الأسير ويصون كرامته وإنسانيته ويرفع الظلم عن المظلومين وينشر العدل والرحمة بين الناس، وينقل الإنسان من المعاملة المهينة التي سادت في عصور الجهل ويرقى به إلى السلوك الإنساني القويم الذي لا فضل فيه لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة في معاملة الأسرى في المواطن كلها، ففي غزوة بدر أنكر على بعض الصحابة عندما ضربوا غلامين من قريش وقعا أسيرين، وبعد أن نصر الله المسلمين في غزوة بدر وقع في الأسر سبعون من قريش، عاملهم الرسول صلى الله عليه وسلم معاملة طيبة، وأمر أصحابه بحسن معاملتهم، يقول أبو عزيز بن عمير وكان في أسرى بدر: «كنت مع رهط حين قفلوا، فكانوا إذا قدموا طعاماً خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما يقع في يد رجل منهم كسرة إلا نفحني بها، فأستحي فأردها على أحدهما فيردها على ما يمسها». كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة على إكرام الأسرى فقبل الفداء من البعض، ومن لم يستطع دفع الفدية، قبل منه أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين الكتابة، وعفا عن بعضهم، ومن تطبيقات ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أسيراً لأبي الهيثم بن التيهان وأوصاه به خيراً فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني بك خيراً، فأنت حر لوجه الله. المعاهدات الدولية وأكدت الدكتورة آمنة نصير الأستاذ بجامعة الأزهر أن الإسلام بنصوصه القطعية في القرآن والسنة، وبتطبيقاته الفعلية والتقريرية من الرسول صلى الله عليه وسلم تعطي العالم أجمع دروساً حضارية في معاملة الأسرى، سبقت بها المعاهدات الدولية المنوطة بحماية حقوق الأسرى بأربعة عشر قرنا، مؤكدة أن الإسلام جاء رحمة للعالمين ولنشر قيم التسامح إلى يوم الدين. والإسلام ينهي عن تعذيب الأسرى فلا يمكن أن نعذبهم لأنهم قاتلونا، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل من الأسرى خلال غزاواته الطويلة إلا عدداً قليلاً كانوا من أكابر عتاة المشركين وقادة الحرب الضروس ضد الإسلام وأهله، ويمكن أن نطلق عليهم حسب التعبير المعروف اليوم «مجرمي حرب». وتضيف: ومن حقوق الأسير التي كفلها له الإسلام عدم إكراهه على ترك دينه فلا يكره على الدخول في الإسلام، وإنما يدعى إلى الإسلام بالتي هي أحسن، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، «سورة الأنفال: الآية 70»، وفي هذه الآية استمالة لهؤلاء الأسرى، وفتح باب التوبة أمامهم، ومن الأدلة على ذلك قصة ثمامة بن أثال الحنفي وكان مشركاً أسره جيش المسلمين وربط في المسجد فأتاه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: «ما عندك يا ثمامة؟»، فقال: عندي خير يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم، وان تنعم تنعم على شاكر، وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد قال له مثل ذلك، وفي اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اطلقوا ثمامة» فأطلقوه فإذا به يذهب ويغتسل ويعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله واشهد انك رسول الله والله يا محمد ما كان على ظهر الأرض وجه أبغض إلى من وجهك فقد اصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلى، والله ما كان على ظهر الأرض دين أبغض علي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ، والله ما كان على وجه الأرض بلد أبغض إلى من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلى. الطعام والشراب ويقول الدكتور أحمد كريمة الأستاذ بجامعة الأزهر، الإسلام كفل للأسير عدة حقوق تحفظ سلامته وأمنه، ومن حقوقه ما يكفيه من الطعام والشراب، وقد جعل الإسلام إطعام الأسير قربة يتقرب بها المؤمن إلى ربه سبحانه وتعالى «إنما نطعمكم لوجه الله»، وفيها أن المؤمن يؤثر الأسير حتى على نفسه، ومعنى هذا انه لم يطعمه مما فضل من قوته، وإنما من طيب طعامه مع حاجته إليه ومحبته له ويكفي أن الله سبحانه قرن حق الأسير بالمسكين واليتيم «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيراً» حثا على القيام على إطعامه والإحسان إليه، وقد يكون هذا سبباً في هدايته، كما كان الأمر في شأن ثمامة رضي الله عنه. ويشير إلى أن من حق الأسير أيضا الكسوة والثياب المناسبة التي تليق به، وقد روى البخاري في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه - قال: «لما كان يوم بدر أتى بأسارى وأتى بالعباس، ولم يكن عليه ثوب فنظر النبي صلى الله عليه وسلم له قميصا فوجدوا قميص عبدالله بن أبي يقدر عليه فكساه النبي صلى الله عليه وسلم اياه»، كما أن الإسلام يضمن للأسير حق المأوى والسكن المناسب، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك دار خاصة للأسرى ولا للسجن ولهذا ربما سجن الأسير في المسجد وربما وزع الأسرى على المسلمين في بيوتهم إلى أن ينظر في شأنهم. وقال كريمة: لا يفرق في الأسرى بين الوالدة وولدها أو بين الولد ووالده وبين الأخ وأخيه وهذا ورد في حكم السبي والسبي نوع من الأسر وإن كان يطلق في الغالب على النساء والذرية والتفريق بينهم وبين الأسرى إنما هو أمر اصطلاحي وإلا فالكل أسرى، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من فرق بين والدة وولدها - يعني من السبي - فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة»، ويروى أن أبا أيوب رضي الله عنه كان في جيش ففرق بين الصبيان وبين أمهاتهم من الأسرى فرآهم يبكون فجعل يرد الصبي إلى أمه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©