الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

العلماء: الفساد آفة يقاومها الإسلام

العلماء: الفساد آفة يقاومها الإسلام
12 مايو 2017 16:57
أحمد مراد (القاهرة) أكد علماء في الأزهر أن الفساد آفة خطيرة، ومعول هدم للمجتمعات، وكثيراً ما حذر الإسلام الحنيف منه، ودعا إلى محاربته ومكافحته بطرق ووسائل شتى. وقال العلماء: الشريعة الإسلامية حرمت كل صور الفساد بأدلة من الكتاب والسنة، حيث إنه يؤدي إلى ضياع الحقوق وهلاك المال والأعيان والموارد، وكل هذا يقود المجتمع إلى التخلف والفقر. وأوضح د. عبدالفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الفساد تتعدد صوره وأشكاله وأنواعه ولعل أهمها استغلال الوظيفة في تحقيق النفع لصاحبها بتعطيل مصالح الناس والاختلاس والرشوة ومحاباة البعض على حساب الآخرين وعدم احترام وقت العمل، وضعف الإنجاز، والإسراف في استخدام المال العام فيما لا فائدة فيه وسوء توظيف الأموال، وإقامة مشاريع وهمية، والعبث بالمناقصات والمزايدات والمواصفات وغيرها. ويقول د. إدريس: الفساد هو الخروج عن حال الاعتدال والاستقامة ومعيار الحكم على العمل بصلاحه أو فساده، هو معيار شرعي فما عده الشرع فساداً، فهو كذلك وإن كان في نظر البعض غير ذلك والأعمال الفاسدة مجمع على حرمتها وتضافرت نصوص الشرع بحرمتها ومنها قوله تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا...)، «سورة الأعراف: الآية 56»، وقوله جل شأنه: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا...)، «سورة القصص: الآية 83»، وقال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، «سورة البقرة الآية: 205»، وقال جل وعلا: (... وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، «سورة القصص: الآية 77»، وقال سبحانه: (... وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)، «سورة الأعراف: الآية 142»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه». وأضاف د. إدريس: والفساد خبث، وهو سبب من أسباب هلاك الأمم، فعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟، قال: نعم إذا ظهر الخبث»، ومنهج الإسلام في محاربة الفساد هو بقطع أسباب صوره وأشكاله المنوه عن بعضها سابقاً والقضاء عليها، وذلك بمنع الظلم، ومنع وجود محاباة لأحد من أصحاب السلطة أو الوظائف، ويكفي هنا أن نشير إلى أن رسول الله، وهو ولي أمر المسلمين لم يمنح ابنته فاطمة خادماً من السبي، رغم أنها اشتكت إليه عدم قدرتها على القيام بأمور بيتها، وقال لها: «ما كنت لأعطيكم وأدع أهل الصفة تلوى بطونهم من الجوع»، وبلغ من حرص خلفائه على التورع عن أموال المسلمين، أن خرج أبو بكر صبيحة توليه الخلافة بمتاع للاتجار فيه في السوق، فلقيه عمر، فسأله: إلى أين يا خليفة رسول الله، فأجابه: إلى السوق أبتغى نفقة عيالي، كما بلغ من حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم، على إقامة حكم الله، أن أقسم فقال «وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، وعزل جابي الزكاة ابن اللتبية لحصوله على جزء من دافعي الزكاة، ومثل هذا فعل سلف الأمة ونهجوا، لقطع دابر الفساد من المجتمع الإسلامي، ولن ينصلح حال المجتمع الإسلامي إلا بقطع دابر الفساد، والقضاء على مظاهره. أمانة الاختيار وأكد د. محمد عبدالحليم عمر، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الفساد يؤدي إلى عدة آثار منها: غرس الحقد والحسد والتباغض بين أفراد المجتمع وإثارة استيائهم من نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي يعمل على إتاحة الفرصة للمفسدين لكي يغتنوا بطرق غير مشروعة مما يؤدي إلى تفكك المجتمع وقيام بنيانه على أساس المصلحة الذاتية والكراهية للآخرين، كما يؤدي الفساد إلى انتشار القيم غير الأخلاقية، حيث يغذي نفسه بنفسه ويتسع نطاقه إن لم يواجه بحزم، لأن ترك المفسدين ينعمون بثرواتهم المنهوبة من المال يجعل غير الفاسدين يرون أنه لا جدوى من الالتزام بالقيم الأخلاقية والتمسك بأحكام القوانين ويحاولون الاقتداء بالمفسدين فتتزايد رقعة الفساد ونطاقه في المجتمع. وشدد د. عبدالحليم عمر على ضرورة حسن اختيار العاملين، من ذوي الدين والصلاح والعفاف والأمانة والصدق والعدل، وهذا ما يظهر في كثير من الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام»، (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى? خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)، «الآية 55»، وقوله تعالى في قصة موسى عليه السلام: (... يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)، «سورة القصص: الآية 26»، ويلاحظ في كل آية منهما أنه ذكر صفتين إحداهما متعلقة بالكفاءة المطلوبة للعمل، وهي العلم في الآية الأولى، والقوة في الآية الثانية، ثم التمسك بالقيم الأخلاقية، وعلى هذا الهدي الرباني سار الرسول في اختيار العاملين في الدولة الإسلامية الأولى، حيث كان يتخير عماله من الصالحين، كما أنه صلى الله عليه وسلم صور سوء اختيار العاملين على أنه نهاية الدنيا في قوله: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قيل: كيف أضاعتها يا رسول الله - قال: إذا وسّد الأمر إلى غير أهله»، ولذا فإن إسناد الوظائف لمن ليس أهلاً لها محاباة للأبناء والأقارب والمعارف أو نظير رشوة يأخذها المسؤول يعد من خيانة الأمانة. وقال إن مرتكب الفساد بأي صورة كان مستحقاً لغضب الله وهو من المنافقين وفي حرب مع الله ورسوله وكلها توجب عليه العقوبات الإلهية في الدنيا والآخرة بل إنه إذا انتشر الفساد في مجتمع ولم يؤدوا واجبهم في الإنكار على المفسدين ومنعهم يستحق المجتمع كله العقاب الإلهي. ضياع الحقوق قال د. حسين شحاتة، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن الفساد معناه ضياع الحقوق والمصالح بسبب مخالفة ما أمر به الله ورسوله وأجمع عليه الفقهاء، أي الاعتداء على حقوق الأفراد والمجتمعات وعدم الالتزام بما أمرنا الله به ورسوله، ويترتب عليه الهلاك والضياع ومحق البركات والحياة الضنك، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى آفة الفساد بقوله جل شأنه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، «سورة الروم: الآية 41». وقال د. شحاته: وطالما لا نطبق ما أمر الله به، وننتهي عما نهانا الله عنه، يكون الفساد في المجتمع قائماً لا محالة في الواقع العملي، ومن النماذج البارزة على ذلك في القرآن الكريم نموذج قوم شعيب الذين كانوا يطففون المكيال والميزان في المعاملات ولقد وصفهم الله بأنهم من المفسدين في الأرض، ونموذج قارون الذي بغى بماله وقال إنما أوتيته عن علم عندي وامتنع عن أداء الزكاة والصدقات، ونصحه قومه فقالوا له كما ورد في القرآن الكريم: (... وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، «سورة القصص: الآية 77». وأضاف: حرمت الشريعة الإسلامية كل صور الفساد، ولقد تناولها الفقهاء بالتفصيل وبيان العلل من تحريمها لأنها تؤدي إلى ضياع الحقوق وهلاك المال والموارد، وكل هذا يقود إلى التخلف والفقر والتي أشار إليها تعالى بقوله: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى?)، «سورة طه: الآية 124». وأكد أنه إذا فسد الناس فسد المال، وعلى هذه الحقيقة يقدم المنهج الإسلامي العلاج لإصلاح الفساد، ويتمثل في عدة عناصر، وهي: أولاً: التقوى والإيمان والمراقبة والمحاسبة الذاتية، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى? آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَ?كِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، «سورة الأعراف: الآية 96». ودعا إلى الرجوع إلى شريعة الله عز وجل وهدى رسوله فهما أساس الإصلاح، ودليل ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©