الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

امتزاج الأجناس الفنية

امتزاج الأجناس الفنية
23 مارس 2011 19:50
وإذا كان المسرح اليوناني واللاتيني من بعده قد شهدا بزوغ التمايز الحاد بين الأجناس الإبداعية من مأساة وملهاة، أو تراجيديا وكوميديا، فإن المسرح الإسباني في عصره الذهبي هو الذي استطاع صهر هذه الأجناس، لا على طريقة الخلط التي تنتج ما يطلق عليه “التراجيكوميديا”، بل على سبيل الاقتراب الحقيقي من محاكاة الحياة في “دراما” إنسانية تجدل فيها مفارقات الوجود بمنطق حيوي أصيل. والفرق بين الحالتين هو ما يميز الخلط من الانصهار، ففي الحالة الأولى تحتفظ العناصر المكونة بخصائصها القديمة ما يجعل العمل تركيبا رديئا غير مقنع من الوجهة الفنية، إذ أن كلا المخلوقين يظل على جنسه، أما ما يفعله المسرح الإسباني في خلق وحداته الدرامية فهو صهر هذه العناصر في بوتقة رؤية فنية واحدة أشد ما تكون قربا من الحياة ومساسا بجوهرها، وإن ظل الكتاب يطلقون عليها تسمية “كوميديا” ربما لتغليب الجانب المتفائل فيها. ولم يكن كبار الكتاب يفعلون ذلك بطريقة مبهمة، بل كانوا واعين بوضوح بطبيعة الخلق الفني الذي ينتجونه، وكانوا ثائرين على طريقتهم ضد النزعات التي تبلورت في القرن السادس عشر على أيدي المدرسيين الكلاسيكيين الذين حاولوا تجميد قوانين المسرح الشعري، واتخذوا كتاب “فن الشعر” لأرسطو دستورا لهم بعد أن قام النقاد الرومان بتأويله في المنظومة الكلاسيكية الشهيرة، وقد تولى كبير مؤلفي المسرح الإسباني “لوبى دي بيجا” شرح هذا الاتجاه بكثير من اللماحية وخفة الظل في كتابه “الفن الجديد في صناعة المسرح”، كما شرح منطقه وفلسفته كثير من النقاد المعاصرين له، وإن كانوا في جملتهم لم يرفضوا مبادئ الكلاسيكية ليحلوا محلها قوالب أخرى جامدة، بل رفضوها ليتركوا الفنانين على حريتهم في محاكاة الطبيعة البشرية واستلهام أسرارها. وليس معنى هذا أن جنس المأساة الخالصة لم يتجسد في المسرح الإسباني، وإنما معناه أنه لم توجد لديهم على الطريقة المدرسية الفرنسية مثلا من “كورنى” إلى “راسين” التي كانت معاصرة لهم في القرن السابع عشر هذه النوعية من الفواجع المأساوية الخالصة. لكن ما يعنينا الآن إنما هو التأكيد على ثراء المادة الدرامية في المسرح الإسباني وسعة الأفق في صياغتها، مما أدى إلى خلق عدد موفور من النماذج اللافتة، التي اتهم بسببها المسرح الإسباني بالنمطية، فهناك نموذج الملك والشريف والشاب والمهرج والخادم والأعزب والفتاة الخجولة والقروي الساذج وغيرهم، وكلهم يقومون بأدوار محددة لا يكادون يخرجون عنها، فهم أشبه بأقنعة خارجية تفتقد في كثير من الأحيان الأعماق النفسية الخصبة التي ترسم أبعاد شخصياتهم الفردية، كما يفتقدون إلى الأطر العريضة للخلفيات الاجتماعية والثقافية. غير أن هذه التهمة في واقع الأمر قد تصدق في بعض الحالات دون أن تكون قانونا ينطبق على جميع النماذج المسرحية التي أبدعها الكتاب الإسبان، وربما كانت خاصية قابلية القولبة والتنميط هي التي أتاحت لبعض النماذج الانتشار في الأخرى والتأثير فيها، مع وجود شخصيات فذة في المسرح الإسباني تتميز بقوة ملامحها الفردية. drsalahfadl@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©