الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين الأمس.. واليوم

29 مارس 2014 22:50
لا يمر يوم واحد إلا وتعرضت لأكثر من موقف، يضعني أمام تساؤلات عدة، وأستشعر فيه أنني حائر بين أمرين، إما أن أبناءنا الصبية والمراهقين ينتمون -وهم بيننا- إلى عالم آخر ولا نستطيع فهمهم، أم أن جيلنا نحن الآباء لايزال ينتمي ويستغرق في عالم «الأمس»، وأنه بات غير قادر على استيعاب متغيرات «اليوم» بحاضره وتفاصيله ومفرداته؟ مع إقراري بوجود هوة واسعة بين الجيلين، يمكن الجزم بأن الحوار بين الأجيال كسمة من سمات العصر أصبح صراعاً، وهذا الصراع أصبح واقعاً من ثقافة هذا الزمن بتعددها وتنوعها، ويبدو أن هذا الصراع سيظل حقيقة «ديناميكية» أبدية تفرضها حتمية التغيير في كل زمان ومكان. من ثم علينا - نحن الكبار- أن نسارع في استيعاب لغة العصر ومتغيراته وثقافته، وأن نعي تماماً طبيعة وسيكولوجية الفئة التي نخاطبها، لكن للأسف إننا لو انشغلنا بفهم الغير سننسى أنفسنا. إن الهوة والفجوة الشاسعة بين الأجيال عامة، ترجع إلى أسباب كثيرة، وفي مقدمتها سوء الفهم المتبادل، وسوء الظن، والأفكار المسبقة التي يتخندق فيها كل طرف، وعزوف كل جيل عن محاولة الاقتراب من ثقافة الجيل الثاني، وغياب لغة التواصل والحوار، وفقدان الآباء الصبر على استيعاب وتقبل أية متغيرات، هي بالنسبة لهم هوّسٌ، أو انحلال، أو فوضى، أو انعدام أخلاق، أو غير ذلك من التهم الجاهزة التي نسرع بإطلاقها على أبناء الجيل الجديد! وأظن أن سوء الفهم هذا يرجع إلى انعدام أو خلل فهمنا لأنفسنا أولاً، وبالتالي عدم قدرتنا على فهم الأبناء، ولنسأل أنفسنا: لماذا لا نحاول نحن كآباء إلى الاقتراب منهم وفهمهم؟ أعجبني ذلك التشبيه البليغ الذي يشبه الشخصية «بالنهر» المجهول الذي لا نعرف عن تياراته شيئاً، ولا نعلم ما هي مخلفاته وترسباته في القاع، فقوة النهر في أي نقطة من مجراه، وفهمنا الصحيح يتوقف على فهم مصدر هذه القوة. لقد فرق الشاعر الإنجليزي «كيتس» بين خيال الصبي المراهق، وخيال الشخص الراشد، ويقول: «إن خيال الصبي خيال سليم. وخيال الراشد ناضج صحيح». فالمراهق عادة يتجاذبه صراع نفسي بين طرفين، فهو متردد متشكك، وهو في الوقت نفسه مندفع وطائش، وهو متخوف من مواقف الحياة الجديدة، وفي نفس الوقت عديم التروي وقليل التبصر. وهو يحب أسرته، ويسعد بالانتماء لها، وفي الوقت ذاته يطمح إلى الاستقلال الذاتي عنها، ويتطلع أن يستقل باختياراته وقراراته بعيداً عنها، وهو أسير اندفاعه لا هيمنة له عليها، وفي ذات الوقت يخشى لوم الأسرة والمجتمع وكلام الناس. هو يتضايق ويتذمر من توجيهات ونصائح الكبار المتكررة، لكنه يفهمها على أنها أوامر فوقية، أو أنها تعنت وتسلط وليس له إزاءها إلا الإذعان، فيضيق بها ذرعاً ويشعر في الوقت ذاته بأنه في أشد الحاجة إلى دعم وعون الكبار ومساعدتهم. علينا أن نقترب منهم.. أن نحاول معهم. فهم في النهاية أبناؤنا، الأشد احتياجاً لنا، وليس بوسعنا أن نتخلى عنهم، مهما كان فهمهم! المحرر | khourshied.harfoush@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©