الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معرض الكتاب.. فسيفساء الحياة

معرض الكتاب.. فسيفساء الحياة
23 مارس 2011 19:39
أقفل معرض أبوظبي الدولي للكتاب عقدين كاملين ليبدأ مع انطلاق فعاليات دورته هذا العام 2011 عقده الثالث. وعلى مدى أيامه الستة اتسع مشهد المعرض الذي احتضنته العاصمة أبوظبي في الفترة من 15 ولغاية 20 من مارس الجاري لفعاليات كثيرة ومتنوعة جرى تنظيمها لتحقق الغايات المرجوة على صعيد التبادل الثقافي وإشاعة نوع من ثقافة التسامح والحوار مع الآخر، وهي أهداف تحرص عليها ابوظبي في سعيها لتكون المركز الثقافي المبدع في المنطقة. منذ البداية بدا أن المعرض نجح في استقطاب الناشرين العرب والأجانب، وأن اهتمامه بمحور النشر وصناعته بدأ يؤتي ثماره ليس فقط لجهة عدد الدور المشاركة (875 مقابل 300 دار نشر في عام 2006 وهو العام التي تأسست فيه هيئة ابوظبي للثقافة والتراث) وتنوع البلدان التي جاءت منها (58 دولة) وعدد العناوين التي عرضتها (أكثر من نصف مليون عنوان) وإنما أيضاً لجهة حضور ناشرين الى ورشات العمل والمحاضرات والندوات التي يتضمنها برنامج المعرض المهني، ناهيك عن حركة هيئة ابوظبي للثقافة والتراث نفسها في مساحة النشر بوتائر عالية؛ إذ بلغت كتب “كلمة” المترجمة أكثر من 500 كتاب، وكتب “قلم” قرابة الـ 25 كتاباً إبداعياً. كما احتشد البرنامج المصاحب بـالفعاليات (194 فعالية) غطتها 400 وسيلة إعلامية، وبلغ عدد الضيوف 1250 ضيفاً، وتم خلال المعرض إطلاق مشروع “مكتبتي”، والإعلان عن إصدارات حديثة وإقامة 40 حفل توقيع كتاب. واتسع مشهد المعرض هذا العام لمشاركة فرنسية وكورية وهندية وسويدية وألمانية، وتميز بهامش واسع من الحرية مع غياب لسيف الرقابة الذي ما يزال مسلطاً على رقبة الكتاب في معارض أخرى... كثيرة هي المشاهد التي تصافح العين في المعرض الذي منحنا، كعادته في كل عام، ستة أيام مختلفات، وهنا شيء من هذه المشاهد. مشهد 1 في دربك إلى بهجة الكتاب تصافحك لافتات تنتشر على مد الطريق لتدلك على وجهتك، وتهديك إلى بغيتك. تلج إلى قاعات الروح من أي باب شئت، من 8 إلى 12 كلها قاعات تفتح لك قلبها و.. كتبها، وتدخلك إلى مواعيدك المشتهاة مع أصدقائك القدامى، تسلم على سكان الرفوف، وتشرع في رحلة قررت سلفاً أن تكون مخالفة لحيثيات يومك العادي وتفاصيله الرتيبة. عن المعرض لا تحكي.. تحدث عما يضمه في قلبه من كنوز تعب الناشرون في تزيين الأجنحة التي تضمها وتجميلها لتبدو في حلة جذابة، لعلها تصطادك إلى سوقهم العامرة، أجنحة صممت وفق طرز مختلفة، بعضها يستوحي التراث المعماري التقليدي بأقواسه ومربعاته وحصونه وأبراجه، وبعضها الآخر يتزين بالنخيل ويعلق صور التراث أو صوراً للكتب.. وثمة أجنحة لكتاب واحد كما في جناحي “مركز الحصن للدراسات والبحوث” وجناح “سلطاني”. في المضمون، اتسع المعرض للاحتفاء بالفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب ومحاورتهم والاستماع لتجاربهم ورؤاهم المختلفة... للمستشرق الروسي فيتالي نعومكين والمستعرب الصيني البروفيسور تشونغ جي كون... للفائزين بجائزة البوكر للرواية العربية... لجائزة “اتصالات” لكتاب الطفل 2011 التي أطلقها المجلس الإماراتي لكتب اليافعين... للكتاب الخاص بمشروع “كلمة” الذي جاء تحت عنوان “الترجمة.. تاريخ تعيد صياغته أبوظبي” اتسع المشهد... لاطلاق الموقع الإلكتروني لمركز جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي الذي شارك لأول مرة في معرض الكتاب ولكتابيه: “فضاءات من نور” و “القمر والمئذنة”... للكشف عن خبايا العلاقة التاريخية بين أبوظبي واللؤلؤ التي أزاح عنها اللثام مركز الحصن للدراسات والبحوث الذي شارك أيضاً للمرة الأولى... لـ “حمدون” الذي كان في المعرض يرحب بالزائرين بالمحكية الإماراتية: “مرحبا الساع”، و“حمدون” هذا أحد المشروعات الاستراتيجية لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث ويهدف إلى الترويج لثقافة وتراث الإمارات بين الأجيال الناشئة... و... لـ “ست الحبايب” التي يحل عيدها في 21 مارس اتسع المشهد حيث أطلقت دار “كلمات للنشر” مجموعة كتب تتمحور حول العلاقة الأسرية ومكانة الأم على وجه الخصوص. مشهد 2 أنت في قلب الكتاب، في جنة المعرض الحقيقية، حيث تغيب الشاعرة حمدة خميس ما شاء لها الغياب، وتوغل في سفرها المعرفي ما شاءت لها رغبة القراءة وشهوة الاستحواذ على كتاب جديد، تلك هي اللآلئ التي تحظى بها من معارض الكتب كما تقول. أنتهز حماستها لأسألها عن معرض الكتاب، فكرته ومعناه ودوره في الحراك الثقافي، فتقول: لنعترف أن كثرة معارض الكتب ودور النشر والمكتبات ومؤسسات التوزيع تشي بدلالات عديدة منها: إنها تشير إلى شعب مثقف ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، كما تعني أن المسؤولين في بلد تتعدد فيه مصادر المعرفة تلك على درجة من الثقافة والوعي بأهمية المعرفة كسبب ومؤشر للتطور والارتقاء في سلم الحضارة، وهي إلى ذلك تثير اهتمام الإنسان وتبرمج عقول الأجيال المتعاقبة على أهمية اقتناء الكتاب كمفتاح للمعرفة في تعدد مجالاتها ومفتاح لتطور الإنسان فرداً وجماعة. خذي هذا المثال البسيط: إذا دخلنا بيتاً ورأينا ضمن أثاثه البسيط أو الفاخر ركناً للكتب نشعر دون وعي منا باحترام خفي لساكنيه، أما إذا رأينا غرفة خاصة بالكتب فنتساءل بإعجاب: أي نوع من الإبداع الثقافي يمارس ساكنوه؟. مشهد 3 تتمدد الكتب على الطاولات وفوق الرفوف، يتجول مثقفون في الأروقة، ويجلس آخرون في أجنحة ألفوها إما لعلاقتها القديمة بالثقافة أو لأنهم نشروا أعمالهم عند صاحبها.تبدأ طوافك المدوخ في حقول المعرفة الفاتنة، تحار من أين تبدأ وأي جناح سيكون هدفاً لغزوتك الصغيرة... تأخذك قدماك إلى دار الآداب اللبنانية. ثمة سيدة تشتري رواية لواسيني الأعرج، كانت جمعت رواياته الأخرى من عدة دور نشر، فجأة يأتي الشاعر علي كنعان باحثاً عن واسيني، تلتمع عيني السيدة إذ يداعبها أمل في أن تلتقي كاتبها المفضل (كما قالت لي فيما بعد)، يأتي واسيني صدفة فيتحقق أمل السيدة فاطمة، ويوقع لها على كتبه وهي تعتذر له: “أنا آسفة.. أنا طمّاعة.. أتعبتك”، أقول في نفسي: هذا طمع مرغوب فيه، وفي القراءة فليطمع الطامعون. يلفتني كتابان لأسعد أبو خليل: “البوح الغاضب” و”الحرب الأميركية الجديدة ضد “الإرهاب”.. من قسم العالم إلى فسطاطين”، أسأل رنا إدريس صاحبة الدار عن وضع الكتاب السياسي وهل زاد الطلب عليه في هذه الظروف أم أن الرواية ما تزال تكتسح السوق، لكي أتأكد من صحة ما قاله لي ناشرون آخرون من أن مبيعات الكتاب الكتاب السياسي سجلت ازدياداً في هذا العام، فتجيب: الطلب على الرواية أكبر لأننا كما تعلمين نركز في إصداراتنا على نشر الرواية... لكن عليّ أن أقول لك إن كتاباً كهذا (البوح الغاضب) نفدت جميع النسخ التي أحضرناها منه وهذه النسخة التي بين يديك هي الأخيرة. في الحالات العادية يظل الكتاب السياسي لدينا سنوات قبل أن ينفد، ولاشك أن ما حدث في تونس ومصر وما يجري في أقطار عربية أخرى له علاقة بالموضوع وساهم في زيادة الطلب على الإقبال السياسي... أترك أبو خليل لبوحه الغاضب، فيما سؤاله عن “فسطاطي العالم” معلقاً على حافة القلب. مشهد 4 هواء مختلف يتسلل إليك... نسيم فكري مشبع بكمية عالية من الحرية... عناوين جريئة وبحوث نقدية مهمة في الفكر والتراث. ينتصب أمامي رشيد خيون، أسأله عن حاله وأحواله وعلاقته بالمعرض وأجوائه، فيقول: من الضروري القول إن معرض أبوظبي يتميز بحرية الكتاب. لم أسمع بأنه منع كتاب أو اعترض على كتاب كما يحدث في معارض أخرى. وأجواء الحرية التي يتنفسها الكاتب والناشر، تخلق ثقة لسنة قادمة، وتجعل الجميع يحرص على حضور المعرض. وفي النهاية لا معنى للرقابة. الورق لا يتحول إلى صواريخ ولا يخيف ولا ينبغي منعه. أما معرض الكتاب فأصبح تقليداً للمدينة، يأتي إليه المثقفون والكتّاب، وإذا كان الشعراء قديماً يجتمعون في سوق عكاظ فإن القراء يجتمعون في معرض الكتاب. فالمعرض ليس للكتب، بل للتعارف، لتبادل الآراء. بالنسبة لي أجده في جزء منه استجماماً وراحة، حيث تقضي يوماً كاملاً لا تشعر بالوقت، أمامك الآلاف من العناوين والأسماء، بهذا المعنى يمكن القول إن المعرض واسطة للاتصال، مثل الإنترنت والفيس بوك، وتويتر، بل هو يحقق الاتصال المباشر بين الباحث او الكاتب وجمهوره حيث يلتقيان وجهاً لوجه، وهذا مهم لأن كل باحث يشعر بالارتياح وأن عمله لم يذهب هباء، حين يأتي فتيان أو شباب ليناقشوه في كتابه. إن هذا من شأنه أن يطيل عمر الكاتب، أقصد العمر الكتابي، لأنه يشعره بأنه يكتب لأحد يعتني ويقرأ، وأحياناً تأتيه ملاحظات يمكن الاستفادة منها، ولأن التطور سنة الحياة لا بد أن يتطور المعرض سنة بعد سنة. هذه كلها فوائد شخصية من المعرض، وهناك الفائدة التجارية لدور النشر بالطبع، بعض دور النشر هدفها إثبات وجودها فقط وهي تأتي لكي يعرف القارئ والناشر أنها موجودة. ناهيك عن أن المعرض يوفر فرص عمل لأناس كثيرين: هناك عمال، بائعين، وفي المعرض فرص للصحفيين أيضاً ليجددوا موضوعاتهم وأفكارهم. وكما في كل عمل بشري، ثمة إشكالات صغيرة يلمسها العارض أو الكاتب. عني شخصياً صادفتني مشكلة أثناء توقيع كتبي لأن الناس لم يكونوا يعلمون بأن هناك حفل توقيع أصلاً، فضلاً عن أن المدة الزمنية التي أتيحت لي أقل من المقرر أي ساعة وهي أصلاً وقت قصير، ولم أحظ إلا بنصف ساعة فقط. واعتقد أن من الضروري وجود أكثر من جناح أو مكان لتوقيع الكتب، إذ لا يعقل في معرض بهذه الضخامة أن تكون هناك منصة واحدة لتوقيع الكتب ولا بد من أكثر من منصة كما في معارض الكتب الأخرى. ويتفق وفيق وهبي صاحب “مركز المسبار للدراسات والنشر” مع رشيد خيون فيما ذهب اليه بشأن توقيعات الكتب والفترة غير الكافية، وعدم وجود إعلان عنها أو عن أنشطة المعرض الأخرى. أما عن الإقبال والبيع وشؤونهما، فهو يشعر بالرضا بشكل واضح، ويؤكد أن الإقبال معقول إلى حد كبير. ويستدرك: بالطبع ربما يكون الإقبال في هذا العام أقل من السنوات الماضية بسبب الأحداث الجارية حولنا لكنه مع ذلك يظل بشكل عام ناجح. ويشير وهبي إلى وجود نسائي ملفت للنظر للنساء اللواتي تأتي الواحدة منهن لتتفرج على الغلاف ثم تقرأ الغلاف الأخير وتشتري الكتاب، أما المبيعات فهي بالنسبة إليه جيدة جداً وبين كتّابه من نفدت نسخ كتبهم. مشهد 5 طفل جالس باستغراق على أرض إحدى دور النشر المتخصصة في كتب الأطفال المترجمة يقرأ في كتاب جذبه إلى عوالمه الإبداعية وجذبني لسؤاله عن القراءة وكتب الأطفال، وإذا به لؤي خالد نجل الكاتب الجزائري خالد بن ققة ومعه والدته الكاتبة شهرزاد العربي. فوجئت بوعيه وإتقانه للغة العربية الفصحى ولغته العالية وتمنيت أن يدرك الآباء فعل التربية وأثر اعتياد الطفل على القراءة. أثناء حديثي مع لؤي دخل عبد الرحمن الحمادي ليشتري الكتب لأطفاله فقامت منى هيننج صاحبة دار المنى باختيار عدة كتب حديثة وناولته إياها فوضعها في الأكياس من دون أن ينظر فيها، فعلقت شهرزاد على ذلك، فقال إنه يثق في الدار واختياراتها وأن العلاقة بينه وبينها وطيدة وقديمة، ويحرص في كل عام على شراء الجديد من إصداراتها. وجدتها مناسبة لأسأل عن “الثقة” بين القارئ والناشر، كيف يمكن بناؤها؟ قالت منى إن الناشر وسيط ثقافي بين القارئ والكتاب وعليه أن يكون وسيطاً واعياً ومثقفاً يعرف كيف يختار الكتاب وكيف يقدمه للقارئ، وأرجعت النجاح في هذه المهمة الى الحب، فإن كان الناشر يحب الكتاب سيتعامل معه بإبداع وإخلاص ويشعر أنه يمارس مهمة مقدسة خاصة اذا كان متخصصاً في ثقافة الطفل. وقال عبد الرحمن أن الفيصل في تحقق الثقة من عدمه هو نوعية الكتاب وجودته، فمنذ المرة الأولى تنشأ العلاقة أو تنقطع بين القارئ ودار النشر، فإن استمرت في تقديم الكتاب الجيد تتوطد العلاقة وتترسخ وعاماً إثر عام تتعزز لتصبح ثقة كبيرة في الدار ومنشوراتها. لكن ماذا يحدث في المقابل حين لا يعنى ناشر كتاب الطفل سوى بالربح، وماذا يحل بهذه الثقة؟ تجيب شهرزاد العربي بأن التعاطي مع كتاب الطفل وثقافته مسألة في غاية الأهمية والحساسية أيضاً، فهذا الكائن يحتاج الى كتاب يلبي حاجاته المعرفية والثقافية والجمالية لكن كتاب الطفل العربي للأسف ما يزال أقل جودة مما ينبغي رغم الجوائز، ورغم تزايد أعداد دور النشر التي تهتم بطباعة كتاب الطفل. وهذه نتيجة طبيعية لسلوك الناشر العربي الذي لا يهتم سوى بتحقيق الربح المادي. مشهد 6 يتسع مشهد معرض أبوظبي الدولي للكتاب لكل شيء... لدور نشر جديدة إماراتية وعربية تشارك لأول مرة، لرواد يأتون الى معرض للكتب لأول مرة... للأخبار الرسمية والتصريحات والافتتاحات والاتفاقيات وإغلاق جناحي داري نشر سعودية وأميركية وإلغاء مشاركتيهما لمخالفتهما قوانين حقوق الملكية والفكرية... ولضيوف كثيرين كان من الممكن الاستفادة من حضورهم ثقافياً بشكل أفضل. يتسع المعرض لغناء “الراب” الآتي من مدينة العين بنكهة إماراتية... للأوراق المالية والسلع التي وجدت لها جناحاً ورأت في المعرض فرصة لتعريف الجمهور بإصداراتها من كتب ونشرات... للنشر الإلكتروني وأجهزته وشركاته... للثقافة التي باتت عنواناً لجناح تحول الى مكان ثقافي يلتقي فيه الناشرون والأصدقاء ويندر أن يخلو من حوار وجدل... للاتحاد الوطني لطلبة الإمارات - طالبات ولأحلامهن التي ترفرف مثل الفراشات في جناحهن الصغير (الملموم) فيما يشرحن أهدافهن وبعض النشرات الصحفية التي أنجزنها وهن يبحثن عن معنى الوطن والانتماء. لكل شيء يتسع معرض الكتاب.. للساري والعباءة والجينز والتنورة القصيرة، لكل البشر وملابسهم التي تعبر عن هوياتهم وثقافاتهم... للقرآن الذي يندّي صوت قارئه أحد الأجنحة التركية التي تزاحم عليه الجمهور رغم هدوء ملحوظ في جنبات المعرض، عزاه بعض العالمين ببواطن الأمور إلى عدم وجود الأطفال بالكثرة المعتادة بسبب الامتحانات... للطهي والطعام والورود الحمراء التي تزين جناح النساء... لشباب وفتيات جميلين يصافحونك في كل مكان، من هم؟ تجيب امرأة عابرة: هؤلاء شباب فزعة، وفزعة مشروع تطوعي إماراتي يحضر في كل مكان ويعلي من شأن العمل التطوعي وخدمة المجتمع... لم لا.. ربما يحتاج الكتاب إلى (فزعة) حضارية. لرجل ضجرٍ من إلحاح زوجته أو ابنته أو ابنه (لا أدري بالضبط) يتسع المعرض، ولصوته الهامس في الهاتف: لا مال عندي. كان معي أربعمئة درهم وقد اشتريت بها... للطفل (المتكي) بكل خشوع على رسمته وألوانه... لنماذج من أصغر الكتب في العالم بكل ألوانها وألقها ومطبوعاتها من الروايات الكلاسيكية العالمية التي يمكن قراءتها او تحويلها الى ميدالية للمفاتيح أو تزيين المكتبة الكبيرة في البيت بـ “ميني مكتبة” خشبية تحمل على رفوفها الصغيرة “ميني كتاب”... لتوقيعات الكتاب على كتبهم في حضور من كتبوا لهم طويلاً ... للإصدارات الجديدة يتسع المعرض: لحياة ظبية خميس كما هي ولزرافات حبيب الصايغ وسخرية أحمد أميري وملح ناصر الظاهري ورماده، ورجاء سالم أبوجمهور وبالونه، و لآلام عبد العزيز جاسم الطويلة كظلال القطارات، و رمل هاشم المعلم، و هواء آمنة الشحي بأشرعته ونوارس أحمد راشد ثاني وسلامه على البحر و... وغيرهم ... وغيرهم. لكاتب سويدي يحكي عن معاناة طفلين فلسطينيين مع جدار الفصل العنصري يتسع المعرض ولأسئلة كثيرة حول جدران أخرى تنتصب بين البشر بلا معنى... لحكاية شعبية نائمة في بطن الكتاب تنتظر أن يوقظها قارئ شغوف... لمنبر الحوار والجدل في أدب الثورة التونسية ومخاطر استعجال الكتابة الإبداعية عن التجربة الوليدة... ولـ “نجمة كنعان” التي تبدو وحيدة... وبعيدة. يتسع معرض الكتاب للابتسامة أيضاً... الابتسامة التي يمكنها ان تغير الحياة امام الاطفال الذين ولدوا بتشوهات في اللثة أو بنية الفك، وهو الوعد الذي تقدمه لك ابتسامتين لشابة وشاب من “المؤسسة العالمية للابتسامة” وهما يقولان لك: حان الوقت للابتسامة... ابتسم إذن... أنت في معرض للكتاب. مشهد أخير تأخذ زادك من غذاء الروح والعقل... تتأبط غنائمك الصغيرة من الكتب والإصدارات والصداقات الجديدة التي منحتك إياها مدينة قررت أن تخرج عن النص وتمارس معك كرماً إضافياً... تصل إلى بيتك بقدمين عاجزتين عن حملك... تفتح التلفاز لتجد على مساحة الشاشة تلك المرأة العجوز بذقنها (المدقدق/ الموشوم بالوشوم الخضراء) ما زالت تطلب من الله أن (ينجيهم ويحفظهم)... ولتطالعك الثقافة موجودة حتى في الحرب لكن بالاسم فقط “فجر الأوديسا”. أكد أن الإقبال كبير والمبيعات ممتازة جمعة القبيسي: معرض الكتاب يعمق احترافيته والدورة الحالية استثنائية أكد جمعة القبيسي، نائب مدير عام الهيئة مدير معرض الكتاب في لقاء مع “الاتحاد الثقافي” أن الدورة الحادية والعشرين من معرض أبوظبي الدولي للكتاب هي دورة استثنائية تؤكد الاحترافية العالية التي بات المعرض يتميز بها، مشيراً إلى أن معرض أبوظبي للكتاب يختلف عن المعارض الأخرى في الدولة أو الخارج باعتباره محترفا (بفتح التاء والفاء) وليس مكاناً لعرض الكتب وإقامة الفعاليات الثقافية فقط. وما هذا الحضور المكثف للناشرين العرب الذين حضروا للمشاركة في البرنامج الخاص ودفعوا الرسوم مقابل ذلك سوى دليل على النجاح الذي يحققه المعرض على مستوى النشر، وثمرة من ثمار ورشتي عمل قمنا بتنظيمهما واحدة مع جامعة نيويورك والثانية مع الناشرين الألمان، أما الثمرة الثانية لسياستنا النشرية فهي بروز دور نشر محلية خاصة ربما يزيد عددها على سبعة دور نشر، وهذا شيء جميل. وأوضح القبيسي أن الدورة الحالية تميزت أيضاً بالركن الخاص بالتصميم، والركن الخاص بالكتب الإلكترونية فضلاً عن إطلاق هيئة أبوظبي للثقافة والتراث مشروعها للكتاب الإلكتروني “مكتبتي”، وهو مشروع مكتبة إلكترونية أنجز بالتعاون مع شركة “أبل” المعروفة، ويقضي بتوفير منشورات المكتبة الوطنية سواء قسم النشر في المكتبة أو منشورات مشروع “كلمة” للترجمة أو “قلم” للكتاب الإماراتيين الشباب عبر تطبيقات “الآي فون” و”الآي باد”. ولفت القبيسي إلى أن معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2011 شهد إقبالاً واسعاً رغم الظروف التي تعيشها المنطقة العربية بشكل عام، وأوضح قائلاً: أتحدث عن الإخوة الناشرين، فالناشرون المصريون على سبيل المثال حضروا بكثافة وكما هي العادة في المعارض السابقة، وكان الإقبال على أجنحة الدور المصرية جيداً. وحول ازدياد مبيعات الكتاب السياسي في المعرض قال: لم ننته من إحصائيات المعرض بعد لكن النظرة الأولية تشير إلى مثل هذا الاقبال على شراء الكتب السياسية. وهنا، أود أن أشير إلى أننا نحرص على أن تكون العناوين والكتب المطروحة جيدة وحديثة وهذا ينطبق على الكتب السياسية، وهذه السياسة الانتقائية تهدف الى وضع الكتاب الجيد بين يدي القارئ في كل الحقول المعرفية. ومن الغريب أن هناك بعض الكتب أصدرت كتباً عن تونس ومصر رغم حداثة التجربة ما يوحي وكأن هذه الكتب كانت في أدراج هذه الدور ثم أخرجتها منها. وأضاف أن المبيعات بشكل عام كانت ممتازة، لافتاً إلى أن الناشرين الذين أحضروا كتباً جيدة وحديثة وجدوا الإقبال كبيراً على كتبهم وأن الذين ما زالوا يراوحون في الكتب القديمة فهؤلاء لديهم شكوى دائمة. وعن توقيت المعرض في العام المقبل أكد أنهم سيعملون على أن يكون في توقيت مناسب، وأرجع سبب تزامن المعرض مع امتحانات المدارس إلى حرصهم على عدم تضارب توقيت المعرض مع معارض عربية أو عالمية، لافتاً إلى أنه سيكون في أوائل شهر أبريل 2012.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©