الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الموناليزا بورتريه شخصي مشوه!

28 يونيو 2008 21:06
عليّ الاعتراف بدايةً أنني لم أحب الموناليزا يوماً ولا أجدها مهمةً كما يزعم المختصون، بل لطالما أوحت لي بالبرود الفني الشديد وأحالتني لتقشفٍ شعوري وهدوء انفعالي يكاد يصل إلى حد الموات!· ولكن ما دفعني للكتابة عنها هو لهاث المختصين والباحثين لمعرفة هوية المرأة التي تتوسط اللوحة بشكل محموم حتى يكاد يغيب الاهتمام الفني باللوحة!· وبهذا ينسف النقاد إحدى أهم النظريات النقدية لرولان بارت ''موت المؤلف'' التي تنحو إلى التعامل مع المنتج الإبداعي ككيان مستقل لا يرتبط بمنتجه ولا بظروف إنتاجه· لوحة الموناليزا "The Mona Lisa" أو ما ترجمته الآلهة الأنثى!، هي لوحة رسمها ليوناردو دافنشي في العام 1503 - 1510 لسيدة مختلف حول شخصيتها الأصلية في منتصف العمر· وهي اللوحة التي أثارت الكثير من الجدل منذ خروجها إلى النور نظراً لطبيعتها الغريبة، حيث إن اللوحة تخالف العرف الذي كانت عليه اللوحات في ذلك الوقت، فلم تكن موقّعة ولا مؤرّخة كما لم تحمل أي معلومات عن موضوعها أو الشخص الذي تصوره كبقية اللوحات مما دفع بالكثير من العلماء والفنانين إلى وضع عشرات النظريات بشأن أصل اللوحة وموضوعها· ولأنني من أنصار الفن للفن، بل أشد تطرفاً حتى أكاد أن أكون من أنصار الحياة للفن! فلم أهتم يوماً بحقيقة شخصية تلك المرأة الباردة في لوحة دافنشي التي باتت المرأة ''الزيتية'' الأشهر في العالم بأسره· ولكن ما حدث أخيراً من لغط حول اللوحة يجعلني أراجع تاريخ الشخصيات التي انتحلتها هذه المرأة والآراء النقدية والتأريخية التي دارت حولها!، والتي كان آخرها أن اللوحة هي عبارة عن بورتريه لدافنشي نفسه، أي أن دافنشي رسم نفسه أو وجهه الأنثوي في اللوحة الأمر الذي أثبت مؤخراً بمطابقة رسم كمبيوتري بين صورة لدافنشي والمرأة المرسومة· تقول الرواية الأكثر شهرة حول شخصية الموناليزا إنها لليزا جيرارديني زوجة التاجر فرانسيسكو دل جيوكوندو الذي طلب من الرسام وضع صورة لها، وهو ما أعطاها اسمها· ويؤكد هذا المذهب الكثير من النقاد مثل المؤرخ الألماني الشهير فرانك زولنر الذي صرح في أكثر من مكان أنه ''ليس هناك أدنى شك في أن هذه اللوحة لليزا جيرارديني''· كما أن هناك من يذهب إلى أن لوحة الموناليزا الشهيرة التي رسمها دافينشي وأصبحت رمزاً للمرأة في كل العصور كانت زوجة أحد أصدقائه وأماً لخمسة أطفال· ومؤخراً أثبتت الناقدة الأميركية ليليان شوارتس من خلال مطابقة بين وجه رسام عصر النهضة الأشهر ليوناردو دافنشي وبين الموناليزا أن اللوحة ما هي إلا بورتريه لصاحبها تبرز وجهه الأنثوي والذي على ما يبدو أنه كان معروفاً لدى المقربين من دافنشي· وذكرت شوارتس في كتابها أن جيرارديني زوجة فرانشيسكو ديل جيوكوند والتي رسمت بتكليف من زوجها، لم تذكر إلا في عام 1550 من قبل المؤرخ الإيطالي جيورجيو فاساري، بعد 40 عاماً على رسم اللوحة، ومن دون أن يكون رآها· ومن المعروف أن دافنشي احتفظ باللوحة إلى حين وفاته عام ،1519 الأمر الذي يرجح أنها لم تكن عملاً فنياً كلف به، وإنما لوحة خاصة احتفظ بها لنفسه· نقاد آخرون ذهبوا إلى أن المرأة التي في اللوحة هي والدة دافنشي، وهناك من ذهب إلى أنها بائعة هوى، وآخرون قالوا إنها سيدة مجتمع راقية لا يمكن الإفصاح عن اسمها· وهناك من أمضى عمره بحثاً عن أي تفصيل يتعلق باللوحة كجيسيب بالانتي المدرس الإيطالي الذي أنفق 25 عاماً من عمره وهو يجري أبحاثاً حول هوية المرأة صاحبة الابتسامة الغامضة، كما اصطلح على تسميتها· وبالانتي هو أول من اكتشف الدليل الواضح على علاقة دافينشي بتاجر حرير يدعى سير فرانشيسكو ديل جيوكوندو زوج ليزا جيراديني في عام ،1495 حيث عثر في سجلات المدينة على وثيقة زواج ليزا بفرانشيسكو جيوكوندو الذي يكبرها بنحو 14 عاماً، ووجد وصيته التي أعرب فيها عن حبه لزوجته المخلصة· ومؤخراً كشف خبير الفن الفرنسي بورنو موتن أن المرأة التي رسمها دافنشى كانت قد وضعت طفلها الثاني عندما جلست أمام الرسام ليرسم لها هذه اللوحة الخالدة، وذلك باستخدام تكنولوجيا المسح الضوئي ثلاثي الأبعاد ومن خلال الأشعه تحت الحمراء؛ لأنها كانت ترتدي زياً مصنوعاً من مادة تشبه الشاش الشفاف، كما أظهرت الأشعة من خلال الماسح الضوئي وأنها وضعت ابنها الثاني قبل أن تجلس ليرسمها الفنان دافنشي بوقت قليل لم يتم تحديده!· ألَمْ يبلغ الاهتمام بشخصية الموناليزا حدّ الجنون؟، ولا أعني أنني أرفض الجنون في المطلق فالجنون مشروع إن تعلق الأمر بالمنحى الجمالي، أما أن يطغى عملٌ عاديٌ - برأيي على الأقل - على صاحبه (حتى وإن كان بحجم المارد ليوناردو دافنشي)، بحيث يغفل تاريخه المجيد والحافل بالعلوم والهندسة، وما قدم من روائع فنية أخرى كنصب سفورزا، ولوحة العشاء الأخير وعذراء الصخور وغيرها، بسبب تلك المرأة الباردة التي لا يهمني إن كانت وضعت مولودها قبل أو أثناء اللوحة!·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©