الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حبر شهرزاد المعاصرة.. «إعدام» قابل للتنفيذ!..

حبر شهرزاد المعاصرة.. «إعدام» قابل للتنفيذ!..
12 مايو 2010 21:50
وفي الليلة الواحدة بعد الألف توقفت شهرزاد عن الكلام المباح لتسلم راية الكلام لساردات سيأتين في مقبل الزمان، ويبدأن خيط الكلام غير المباح. ربما لم تكن شهرزاد، الحكاءة الأولى، تعرف أشكال هؤلاء الساردات أو الكاتبات أو الشاعرات لكنها في يقيني رأتهن بعين الخيال، وربما زرنها في أحلامها أو مسرودتها القصصية التي أخرجت مارد الكلام من قمقمه وأطلقته حراً في حكي النساء. شهرزاد العتيقة كانت تقص القصص على شهريار لتنجو من القتل، لتحافظ على رأسها المطلوب قطعها، و... لتحيا، وفي هذه الرأس تكمن الحكاية كلها.. الرأس بكل ما تحمله من دلالات الفاعلية والقدرة على اجتراح المغاير والمختلف، بكل ما فيها من إمكانات الهدم والبناء وإعادة تشكيل الحياة في تجلياتها المختلفة، هذه الرأس هي وسيلة المرأة الكاتبة لاستنهاض روحها وإعلاء ذاتها ومساءلة المطمورات الثاوية في الخطاب المجتمعي والتي تكبلها في صورة نمطية ظالمة، وهي نفسها حبل النجاة القادر على انتشالها من هوة التغييب والنسيان والإهمال والإعدام التي تنتظر ما يخطه يراعها من كتابة. تكتب شهرزاد المعاصرة في مناخات وتوصيفات ومعطيات تختلف تماماً عن شهرزاد الجدة، كيف وأين ولم ولماذا تكتب؟ وهل الكتابة فعل خلاص؟ أسئلة ربما تضيء عليها هذه الشهادات. خريطة إنسانية على الرمل بدأت القاصة والروائية اسماء الزرعوني، نائبة رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات علاقتها بالكتابة، تقول: “قبل أن يحتضن أناملي القلم وأرسم الخريطة الإنسانية لمجتمعي، رسمت بأناملي على تلك الرمال الفضية التي كنت أفترشها بعد الظهيرة وفي ساعات اللهو مع أقران الطفولة من أطفال الحي، وأنا أمد بصري نحو هذا العملاق الأزرق الذي كان يوحي لي الكثير من معاني الخوف والحنان معاً أرصدها مع تقلبات الموج؛ فأحياناً كثيرة أجد غضب البحر في هيجان الموج عندما كان يصفع وجهي بقطراته المالحة ليغرق خدي، وأنا أبني أحلامي من كتلات الرمل. لم أكن أغضب أو أشعر باليأس بل أعاود البناء من جديد.. وتارة أنظر الى الشمس وهي تغرب.. أتبع خطواتها تغيب شيئاً فشيئاً وكأنها تعانق سطح البحر فيما النوارس تحلق على الضفاف، من هنا داعبت الحروف أناملي وحملت هماً في أعماقي: كيف لي أن أخدم الإنسانية من خلال رسمي للكلمات؟”. لوحات كثيرة تمر أمام ناظري، وحكايات كثيرة سردتها أمي عن قسوة البحر والصحراء، وشجاعة الجباه السمر في تحدي البيئة فكانت لهم الغلبة لقوة إرادتهم وصنعوا دولتهم، وكان لا بد لقلمي أن يسترسل في رواية هذه الحكاية فبدأت قصتي مع الحرف. لم يكن الحرف الحامل الموضوعي لمشاعر البراءة او السعادة او الانتماء فقط بل كان أحياناً حاملاً للألم والوجع والمعاناة لكن أسماء مضت في رحلة حلمها مع الورق، لتلتقي مع خبرات أخرى ستشكل خزاناً يزودها بمياه الكتابة: “جذبني صوت والدي الحنون وهو يردد بحنان جميل أخاذ موشحات دينية وأبيات شعرية لكبار الشعراء. تعلقت بالكلمة أكثر، وتسللت إلى مكتبة والدي المتواضعة لأقلب صفحات الكتب. صافحتني أسماء لا أعرفها؛ المتنبي، الشيرازي، الخيام و... تاه عقلي وبصري. فعقلي الصغير لا يستوعب كلمات أكبر من سني، ومع ذلك، عشت لحظات ساحرة مع الكلمات ومنها رسمت خطواتي نحو الإبداع، ونحو مكتبة أخرى أغرتني وأغوتني بدخولها، تلك المكتبة الواقعة بين منزلنا ومدرستي وفيها عشت الشارع المصري وعرفت كتابه الكبار: نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ومحمد عبد الحليم عبد الله وآخرين”. هي الذاكرة إذن، أرض الروح الخصبة، ميراث الكاتبة الذي يأتيها في اليقظة والمنام، مستجلباً معه تلك العوالم القزحية التي تصوغها المرأة الكاتبة وتجد فيها ما يغني تجربتها الإبداعية والمكانية، حيث المكان يمارس حضوره الطاغي ويلقي بظلاله على الكتابة: “كلما رجعت بذاكرتي إلى أزقة مدينة الشارقة الساحرة، شارقة الإبداع وزهرة التاريخ النابضة في قلب الصحراء، سحرتني رائحة الطين المشبع بالرطوبة وأنا امتشق طريقي في أحيائها. أحياناً كثيرة أعيد شريط ذاكرتي لكي استمتع بلحظات جميلة عشتها في طفولتي وكانت الدافع لقلمي ليبحر في مأزق الكلمة، وها هي الحروف تمتد بين طفولتي وكتاباتي اليوم لأدون في قلب الورق أجمل معاني الإنسانية”. كلام كثير يمكن للكاتبة أن تقوله حين تسأل عن دوافع الكتابة، فالدوافع كثيرة تبدأ غامضة في البدايات ثم سرعان ما تتضح نزعتها الإنسانية او اتساعها المعرفي. وكما في حالات كثيرة ثمة دوافع كثيرة – تقول أسماء الزرعوني – هيأتني للكتابة: حبي لمعلمة اللغة العربية والتي كنت أستمتع بصوتها وهي تقرأ لنا القصيدة، وثناؤها المستمر في حصة التعبير. والسفر، وما أكثر فوائده، فمن حسن حظي كان والدي “رحمه الله” يحب السفر ويصطحبنا معه فتعرفت إلى شعوب أخرى وعوالم غنية براقة لتضاف الى كتاباتي تجارب أخرى زادتها تنوعاً. ناهيك عن أنني حرصت على حضور كل الفعاليات الثقافية لأخترق حاجز الخجل وأتعمق في السؤال الثقافي المعني بالقضايا الإنسانية العامة وقضايا المجتمع، فحملت هم الإنسانية وأطلقت مداد كلماتي في اهداف أنا أرسم خطاها وابني حدودها”. أما من حيث الجرأة والتمرد عبر الحرف والكلمة “فقد وضعت رقيباً بداخلي ينبهني ويشطب أحياناً كثيرة مايأتي به قلمي خارج حدود خارطتي”. خشية الغياب تكتب الكاتبة والباحثة عائشة بالخير في موضوعات شتى تجترحها من أزقة الحياة ومعتركها، وهي تعتبر أن “الحديث قراءة لما تكتب أفكارنا في هوامش الدماغ فتحوم الكتابة الصامتة في أجوائنا. ننتقي الكلمات ونُرَكبُ الجُمَل ونتفوه بحروفها مسترسلين في التلحين والتنغيم. وبذلك نكون جميعنا كتاباً متفقين على أن حُسن الخط ووضوحه من أهم مقومات وصول الفكرة وبلوغ عروش الجمال. فأنا أكتب متى ما طرأت فكرة متكافلة مع غيرها من الأفكار. أكتب في الصباح عندما تسعى الطيور لأرزاقها ويمنُّ الله عليَّ بالكلمات. فأنا أكتب بصوتٍ ضميريِّ، كتابتي عن الوطن و الحب والشر الذي أود وأحاول دحضه للمارين في أزقة الحياة ومعتركها”. ولما كانت الكتابة خياراً معذباً ومضنياً بالنسبة للمرأة خاصة على المستوى الاجتماعي، فإنها تجمع كل ما يعتبر جزءاً من حياة المرأة “العذاب” و “الضنى” ومحدودية الاختيار. وترى عائشة بالخير أن النساء (الفتاة، الشابة، المرأة، السيدة) يعشن في هذه الأطر ويتقمصن الدور أحياناً مقتنعات بأن للمرأة عاطفة تجعلها حالمة ورقيقة. وتقال هذه العبارات من واقعٍ يناشد إغراءها لتكون أنثى، رقيقة، ناعمة، حالمة مكرسة لنمطية يقع في شركها من فقد تركيزه ولو لهُنَيْهَةً. لذا أحث المرأة الجادة في الكتابة بثلاث لغات “لغة القلب، لغة العقل ولغة الضمير” فأنا في خوفٍ مستفحل من يومٍ أصبحُ فيه ضميراً غائباً ومستتراً تقديره “هي”. لكن هل يمكن اعتبار الكتابة خلاص ما بالمعنى الوجودي للكلمة؟ تؤكد عائشة أن الكلمة مسؤولية تكون جميلة في الشكل والمضمون متى ما نبعت منا واستحسنها سوانا، وتكون عبئاً وعالة وربما أيضاً معضلة عندما نجهل، نسيء أو نتمادى في امتهانها. مثال على ذلك، بحث الكثيرين عن كلمة ككلمة “أحبك” ولكن قليلين هم من تتجانس أنغامها مع ذاتهم وهويتهم وما يجول في خاطرهم ليكون من ذلك التواجد تجلي. وللكلمة حرية لامتناهية وملكٌ مطلق وسلطة متَسلِطة فهي موجودة في حضورها وعدمه، وقد ينوب عنها كل عضو متحرك في الجسم. إن كتاباتي هي عما يقع خارج إطار ما أكتبه فمثلاً عندما أنظر إلى صورة ما أحلل ما يقع خارج أطرها وأتصور مغزى ما أرى وما حُجِبّ وأكتب على نفس هذا النهج، وهذا لا يعني القراءة بين السطور أو وضع النقاط فوق الحروف أو حل الكلمات المتقاطعة، ولكني أحاول تعزيز دور القارئ فهو إنسان مهم وبديع وأهل باستحقاقه حق الحب والشراكة وربما وجب الاتحاد معه على ما تنفرج عنه الأسارير وما يسهر العين ويزيد دموعها ملوحة. ورغم أن التجربة أكدت أكثر من مرة أن مشروع الكتابة بحد ذاته معضلة، سواء كان بحثياً ام إبداعياً، والنماذج العربية على ذلك كثيرة، ثمة من يرى أن المشكلة في علاقة المرأة بالكتابة تكمن في الكتابة الإبداعية لأنها تستلزم الكثير من الجرأة وربما اختراق تابوات معينة وأن حرية المرأة الباحثة أفضل وربما أوسع من حيث الكتابة من المرأة المبدعة. وفي مناقشتها لهذه الفكرة تؤكد عائشة بالخير أن الكاتب المبدع هو كل شخص قادر على صياغة جمل خبرية، فعلية واسمية ومتمكن من تحديد الفرق بين (ال) الشمسية والقمرية. لذا علينا أن “ننخل” الواقع ونحدد مواقع اللوم، ففي صفوفنا الابتدائية كتبنا ورسمت أفكارنا ما استوحته من طبائع نفوسنا ومن الحياة. أين ذهب كل ذلك الكم الهائل من حوار الذات وملاحقة الفراشات؟ إني على يقين عندما أقول كلنا “كُتاب” والمبدعون منا ليسوا أولئك الذين يعتقدون إنهم كوكب “تدور الشمس حولهم” يتفلسفون برمي الكلمات المتناقضة وبعثرتها هنا وهناك تحت شعار “التميز والإبداع”!. وتضيف: مشروع المرأة سواء باحثة كانت أم “مبدعة” هو ذات الشيء، فلقد تتلمذت على يد “بروفيسورة” هذبتني حيث لا يتطاول الكبرياء على حدود الآخرين، فكانت تقول: يصارع البشر بعضهم بعضاً للصعود إلى القمة وهم متناسون أن القمة بها عدد قليل من أمثالهم لذلك علينا أن نفكر في الفرق الذي قد نشكله إذا تضافرت الجهود للنفع العام ولخدمة البشرية... ما هي وجهتنا “أنا أم نحن؟” أكتبوا حتى يفهم البشر ما تكتبون... اكتبوا لهم”. ومتعة البحث بها كثير من الإبداع فهي تحليلية وباحثة عن منافذ ومداخل وممرات تعمق الفكر وتطرح البدائل والحلول. أصاب بالإحراج عندما تتمادى بعض الكاتبات في سرد سيرتها الذاتية وإنجازاتها وكأنما هي إنسانة خارقة بفضل كتاباتها. ويدور في تصوري دائماً ما الذي كان يدور في ذهن الخوارزمي عندما فصل بين علمي الحساب والجبر وعالج الصفر ومبادئ اللاشيء بأسلوب منطقي وعلمي، هل تباهى بإنجازه؟ وهل فكر في أمة عربية بعده بقرونٍ من الصراع لفهم صولات الفكر التي أدت إلى اختراع قديم كاختراعه؟ المجد يأتي عندما تصغر النفس ويتلاشى الكبرياء... شبح النسيان لا تؤطر القاصة والكاتبة الروائية فاطمة المزروعي كتابتها في موضوع محدد، بل ينفتح عالمها ليشمل كل موضوع يمكن أن يقلقها أو يؤرقها، وهي تتجه إلى مختلف الأفكار والمواضيع التي ترتبط بالمجتمع الشرقي، وتعنى بالتفاصيل اليومية التي تعيشها المرأة وتعاني نتائجها وآثارها، وهي مشغولة بقضايا المرأة والطفولة، ثم الوطن والغربة، والحب والزواج والطلاق لأنها في نظرها تستحق الكتابة فيها، والتعمق في طرحها والسعي بكل إيمان وقوة إلى حلّها. إن البعد الغائي للكتابة أساسي في تفكير فاطمة المزروعي، ولا مكان عندها لكتابة بلا غايات أو أهداف، أما الهدف فهو: أن يسلط الكاتب الضوء على أخطاء قد تكون خافية عن أنظار المعنيين لكثرة مشاغلهم أو بُعدهم عن الشارع نتيجة لظروف قاهرة يمرون بها، وأن يبحث الروائي أو القاص عن عمل مفصل على ذائقته، ولو لم يكن الكاتب على يقين بأنه سيضيف شيئاً مختلفاً ولو بعض الشيء عن بقية الأعمال المنشورة لما أقدم على خطوة النشر ولاحتفظ بما يكتب لنفسه. فربما يبدأ هدفك برغبة في الكتابة لمتعة الكتابة لاغير، لينتقل بعد ذلك إلى التعبير عن الشخصيات التي كتبتها وتعايشت معها وتعلقت وآمنت بها. ومن ثم تأتي خيالات النشر والنجاح وإعجاب المتلقي والمردود المعنوي والمادي لإيصال أفكاره ومشاعره وآرائه. أما خيار الكتابة بالنسبة إلى المرأة فهو خيار صعب في مجتمعاتنا الشرقية، لكن الأصعب المضي في هذا الخيار الذي يحتاج الى قوة الاحتمال والصبر والإيمان بما تكتبه، فالظروف الاجتماعية هي التي تحكم أمر الكتابة بالنسبة للمرأة فإما أن تجعلها تستمر، أو أن تحكم عليها بالإعدام والتوقف ونسيان فعل الكتابة نهائياً واعتبار ذلك شيئاً من الماضي. والكتابة في رأي فاطمة المرزوعي ليست خلاصاً دائماً، قد تكون الكتابة خلاصاً في بعض الأحيان من بعض المشكلات التي تشغل صاحبها ولكن ليس دائماً، فهناك مشكلات تعجز الكتابة بكافة أشكالها عن حلها، وتبقى عالقة على مر الزمن. وحول كون الكتابة فعلاً خارقاً للمألوف المجتمعي ومسائل للساكن في الذاكرة الجمعية تؤكد فاطمة المزروعي أن اختراق الممنوع في المجتمع الشرقي هو بمثابة خرق للقواعد التي تربى عليها الفرد في مجتمعه.. والكاتب في طرحه الجريء لتلك المواضيع إنما يعتبر في نظر المجتمع شخصاً متمرداً ومتهماً بالعصيان خاصة المرأة التي عندما تكتب ينظر إليها أنها خرقت الممنوع وبالتالي حكم عليها بالنبذ من مجتمعها وأحياناً من أسرتها، وهذا الأمر يتطلب الكثير من التضحيات. ما بين الظهور المؤقت والهامش والتقاعس والاختفاء الأديبة اليمنية خارج «مجالس القات»! علي المقري بالرغم من كل التحولات الحديثة في واقع الثقافة في اليمن، تبدو المرأة وكأنّها تحتل موقع الهامش في الحركة الأدبية، وإذا ما برزت في بعض الأحايين فإن ذلك غالباً ما يكون مؤقتاً، إذ سرعان ما تختفي معظم الأصوات بعد صدور الكتاب الأول، وأحياناً قبل ذلك. طرحت الإشكالية على عدد من الأديبات اليمنيات، بقصد استكشاف أسباب غيابهن: هل هو عائد لظروف خاصة بالمجتمع وسيطرة الذكورية على الهيئات والمؤسسات الذكورية، أم أنه ناتج عن قصور ذاتي وضمور في القدرة على الاستمرار والاستجابة لمتطلبات العملية الإبداعية؟ وهنا إجابات تضيء على تلك التساؤلات: تقول القاصة سماء علي الصباحي: “قد يعتقد البعض إن الظهور الثقافي شيء بسيط لا يحتاج إلا لقليل من الاندفاع والجرأة ناسين أن الكاتبة/ الكاتب يبدأ مبدعاً ليصبح بعد ظهوره ملتزماُ ومسؤولاً أمام قرائه ومتابعيه، والمحيط الثقافي بنشاطاته وفعالياته هو ما يساعد الكاتب على ذلك ويلزمه بعقد الاستمرار. وهذا ما يفتقره واقعنا الثقافي للأسف، فالظهور المتكرر والمتكتل أو ما نسميه بالشللية يحجب الكثير من الأصوات ويقلل من ظهورها على المسرح الثقافي وبالتالي اختفائها، خاصة إذا تحدثنا عن مجتمع يبني أكثر نشاطاته الأدبية في جلساته التخزينية (أثناء تناول القات) المحتكرة على الرجال! وتهميش الصوت الآخر (المرأة)”. وتعتقد سماء أن ما يؤخذ بسهولة، يذهب بسهولة “فالتملق الكاذب لبعض الأصوات يجعلها أيضا سريعة الاختفاء فور انتهاء التصفيق الزائف لها.. والاختفاء في حالات كهذه ظاهرة صحية ـ ومن رأيي ـ عدم الاعتراض عليها”. وتلاحظ أيضا “تقاعس المرأة في استقصاء مصادرها الثقافية وحالة الفقر الثقافي المتفشية في الوسط النسائي، فالتجمعات النسائية يغلب عليها الطابع الترويحي وتبعد كل البعد عن ما هو ثقافي وأدبي”. مع هذا تقول سماء “لابد أن نذكر أن المرأة تعاني من ضغوطات داخل وخارج البيت من عدم تشجيع من حولها خاصة إذا كانت عاملة ومسؤولة عن بيت وأطفال ما يجعل الوقت الذي تخصصه للقراءة والإبداع من آخر أولوياتها ـ هذا إن بقي لها وقت أصلاً”. بالنسبة لتجربتها الشخصية “لا أنكر تقاعسي في عملية الكتابة الأدبية وأرجع ذلك لعدم الموازنة بين دراستي وعملي الأكاديمي وبين التزام الكتابة رغم التشجيع الذي ألاقيه من حولي”. إشكالية الرجل لا توافق القاصة محاسن الحواتي على أن المرأة المبدعة في الهامش فهي كما تقول: “حاضرة رغم ضبابية الرؤية بالنسبة للآخر، وهو عادة رجل، فهي نبض الحركة الأدبية في كل العالم وفى اليمن أيضا حيث يلاحظ أن عدد الأديبات في تزايد مستمر وقد تكاثرت أعمالهن وتنوع إنتاجهن فالبعض وصل إلى الإصدار الخامس مابين رواية وقصة وشعر. هناك حضور لامع لا يخفى وإن كان هناك من اختفت من الساحة لظروف خاصة فهذا لا يعنى أن المرأة لا تؤمن بإبداعها، فهي تعي دورها وما اختارت أن تكون ضمن المشهد العام إلاّ وهي تعرف تبعات العطاء والإبداع وخصوصية أن تختلف عن الآخرين”. ولا تعتقد محاسن بوجود إشكالية لحضور المرأة عربياً ويمنياً في هذا الجانب “وإلاّ لما قرأنا لنوال السعداوى وغادة السمان ومن اليمن نبيلة الزبير وأروى عبده عثمان ود. ابتسام المتوكل الخ.. الإشكالية هي أن بعض الرجال ما إن يرتبط بالمرأة إلا ويشترط عليها ترك أعمالها وعدم نشر إنتاجها والخ.. لكن المرأة الواعية والمثقفة هي التي تجر الزوج إلى عالمها المعطاء وجعله شريكا فاعلا في الإبداع من خلال تذوقه وتشجيعه ونقده ومشاركته لها”. وتخلص محاسن إلى أن “الهامش لا يسكنه أحد فالمرأة المبدعة دوما في متون الفعل الأدبي والثقافي لأنها العنوان الرئيس”. الشللية والقات الروائية والقاصة هند هيثم لها قراءتها الخاصة للإشكالية “لا أعتقدُ بفكرة المتن والهامش في الحركة الأدبية، فيما يختص بعملية إنتاج الأدب ذاتها، ذلك أن الأدبَ المتنُ في الحركة الأدبية، والهامش ما يصحبه من ندواتٍ ومهرجاناتٍ وتجمعاتٍ أدبية، حسب تصوري الشخصي. ومكانة المرأة، بوصفها منتجة للأدب، معقولة جداً في المشهد الثقافي. هناكَ مُنتجٌ أدبي لا بأس به صدرَ عن أديباتٍ يمنيات. وهُناك نوعُ من التوازن بين التجارب الأدبية في الساحة اليمنية، وهذا أمرٌ حميد. البروز المؤقت مشكلة عامة لكل أديب، خصوصاً إذا كان ناشئاً، فالصحافة الثقافية تحتاج إلى مادة تستهلكها، ثم تدور الدورة الاستهلاكية، فيختفي الاسم وصاحبته، ولا يبقى منه شيء إن لم يستغل مرحلة الاهتمام في صقل ما يُمكن أن نسميه صنعة الكتابة عنده. العمل الأول سهلٌ، نسبياً، لأنه، آخر الأمر، إعلانُ وجود. الإشكالية تبدأ مع الكتاب الثاني: لقد أعلنتُ وجودي، فماذا بعد؟ لذلك، أعتقد أن الصمتَ خيارٌ لا بأس به، وحبذا لو كان يُتخّذ أكثر. الصمتُ بين الأعمال الأدبية لفتراتٍ طويلة يُبلور رؤية أجد، وينقل الأديبَ من مكانٍ إلى مكانٍ مختلفٍ، مما يعني مشروعاً أدبياً ناجحاً، وصوتاً خاصاً. العالم أكبر من بلاغتنا، وصمتنا الدوري يوفر لنا فُرصةَ لإقامة علاقاتٍ أفضلَ مع اللغة، مفتاح الوجود”. وبالنسبة للأديبات خاصة ترى أن هناك “عوامل أُخرى أكثر خصوصية في مسألة الاختفاء. الرقابة الشديدة التي يُمارسها المشهد الأدبي عليهن ورقابة المجتمع: هُناك مسائل مثل الملبس، الاختلاط، مواعيد الخروج والعودة. الإبداع يجعل الأعصاب محترقة، وإضافة ضغطٌ هائل من قبيل النميمة والمواعظ والانتقادات الهدّامة والاعتراضات اللافنية يُتلف الأعصاب. من الصعب أن تكون المرأة امرأة، على خلاف التصور السائد، وهذا الضغط الاجتماعي الهائل من كُلِ مكان لا يفعل غير أن يُحطم: هناك شياطين الكتابة، شياطين رحلة التحول إلى امرأة، ومن ثم شياطين المجتمع، ومن ضمنه المجتمع الأدبي؛ بحيث يصير السؤال: لماذا لا تتوقف الأديبات اليمنيات؟”. وتضيف هند “لنُفَرِق بين الصمت واعتزال الكتابة. هُناكَ من اعتزلن وهذا حقيقي، لأسبابٍ عديدةً حاولتَ أن أقدِمَ تصوري عنها، ولأسبابٍ أخرى كثيرة لا نستطيعُ الإلمام بها جميعاً، بعضها شديد الذاتية. الصمتُ يختلف، لأنه مساحة تأمل. ينبغي أن نصمت لنصغي إلى من نكون حقاً، لننضج بين عملٍ وعمل. ليكون عندنا ما نقوله، ونرتادَ أماكن جديدة. لنحاول أن ننأى، ما استطعنا، عن الضجيج، ونقول ما يستحِقُ أن يُسمَع، أو ما نعتقد أنه يستحق أن يُسمَع”. وتلاحظ هند مسألة أخرى ضمن المشهد الثقافي العام، وهي “الشللية التي تشل المشهد الثقافي بكامله، وتُحكم قبضتها بحيث يصعُب أن يُفلت منها من لم يكن فرداً في قطيع، أو كان لا يعرف قطيعاً يضمه. خصوصاً، بالنسبة للأديبات غير القادرات على المشاركة في (مقايل القات) والتجمعات الشبيهة. هذا إذا كان المرء مستعداً للدخول في قطيع، أما لو أراد أن ينشر لأن لديه ما يقوله، ورأياً خاصاً، وصوتاً متفرداً، فهذا أمرٌ غايةٌ في الصعوبة، ويكاد يدخل في عداد المستحيلات”. وتعتقد أن “كُل الهيئات والمؤسسات الثقافية الرسمية وغير الحكومية تخلت عن مسؤولياتها تجاه الكُتابِ الجُدد، وجعلت نشر الكتاب آخر همها. هُناك مؤسسات ثقافية كثيرة، لكن الانضمام إليها صعب إن لم يكن المرء قد نال رضا القائمين عليها؛ مؤسساتٌ تحتكر تعريفات الإبداع، وتُصادر التفرد، وترفض الاعتراف باستقلالية الفكر. صحيحٌ أن المؤسسات الثقافية كثيرة في اليمن، لكنها ليست مؤسسات لدعم الأدباء بقدر ما هي مؤسسات لدعم الأصدقاء والمعارف، ولتكريس بيع الكلام. بهذه الطريقة، يجد الكُتاب الشباب أنفسهم ضائعين غير قادرين على إيجاد منفذِ لكتاباتهم، ورغم أنهم قد ينشرون في الصحف، وقد يحضرون الندوات، وقد يظهر أن الأبواب مشرعة لهم، إلا أنه حين نأتي إلى مسألة النشر، فإن الدُنيا ـ المليئة بالمؤسسات الثقافية ومنظمات (تمكين) الشباب تضيق عليهم بما رحبت”. سيطرة ذكورية الشاعرة ميسون الإرياني تؤكد أن “ليس كل أديبات اليمن يقطن الهامش، حقيقي أن الوسط الأدبي اليمني صعب التأقلم خاصة مع البيئة المحافظة جدا في اليمن فهناك الكثير ممن يمتلكن مواهب كبيرة وقادرات في حال الاستمرار، أن يصنعن لأنفسهن وللبلد أصواتاً جميلة وفعالة سواء كان في عالم الشعر أم الرواية لكن ما يفرضه الوسط الأدبي من وجوب المشاركات الفعالة والاختلاط في ظل صعوبة تقبل المجتمع المحافظ كما أسلفت يولد صعوبات إضافية على الأديبة أي أنهن يواجهن النص من جهة والمجتمع وضغوطه من جهة أخرى. أول الطريق يبدو مفروشا بالورد لكنه لاحقا يتحول إلى حالة من الصراع الشديد مجتمعيا من جهة وتقبل الوسط الأدبي للأديبة الأنثى الغلبانة غالبا من جهة أخرى خاصة مع سيادة السيطرة الذكورية على الأجواء الأدبية ككل”. اختفاء وأعباء من جانبها تقول الشاعرة سماح الشغدري “نحن في مجتمع لا تزال العادات والتقاليد تكبله وتجبره برمته على الخضوع لها وهذا ينعكس على كل طموحات المرأة اليمنية بمختلف مستوياتها والمثقفة واحدة منها فقد ظهرت في العقد المنصرم (التسعينيات) أصوات قوية إلا أنها اختفت مع مرور الوقت وهذه ظاهرة لا تقتصر على كاتبات ذلك العقد فقط، فهناك أصوات رائدة لو استمرت لكانت قد شكلت محورا ونقلة هامة في حياة البلاد الثقافية لكن أسباباً كثيرة، أهمها المجتمع الذي لا يرى إلاّ بعين واحدة ولا يعترف بوجود المرأة، حدت من استمرارية هذه الأصوات، أضف إلى الأعباء الاقتصادية والمسؤولية المعيشية التي تتحملها المرأة خاصة إذا كانت عاملة فهي من تتحمل الأعباء في الداخل والخارج وكذا عدم توفر البيئة الثقافية الملائمة اعني التي تساعد على تحفيز وصقل الموهبة الإبداعية لدى المرأة اليمنية ومنها عدم وجود أماكن مختلطة يمكن أن تشارك من خلاله الأديبة وتتواجد كمنتج وحي فهي مقتصرة على مجالس القات التي لا يحضرها في الغالب إلا الرجال”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©