سودانير والخصخصة

منذ 15 عاماً أو نحو ذلك بدأ السودان يتجه نحو الخصخصة، أي نقل ملكية بعض المشاريع الإنتاجية أو الخدمية من ملكية الدولة أو القطاع العام إلى القطاع الخاص، ويرى بعض علماء الاقتصاد، أن الاتجاه القوي نحو الخصخصة الذي تشجعه وتدعو له مؤسسات المال العالمية، من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف الدور الاقتصادي للدولة، ثم أنه ليس وليد حاجة البلدان النامية، وأن هدفه هو تسهيل عملية دمج اقتصاديات بلدان العالم الثالث في النظام الرأسمالي العالمي· وفي السودان فإن عمليات الخصخصة التي تمت لم تكن كلها مبرأة من الأخطاء، بل إن بعضها عكس قدراً من الشبهة في أن فساداً ما قد مورس، وأن بعض المشاريع التي بيعت للقطاع الخاص تم بيعها بأثمان دون ما تستحق، ورغم أن الصحافة المحلية أثارت عدداً من الاتهامات حول بعض عمليات الخصخصة، إلاّ أن الدولة لم تلتفت لهذا الأمر ولم يجر تحقيق أو مراجعة لما تمّ· إن عدداً كبيراً من المشاريع التي كانت تابعة للقطاع العام نقلت ملكيتها بصورة كاملة أو بصورة جزئية للقطاع الخاص، وعلى رأس هذه المشاريع مؤسسة الخطوط الجوية السودانية (سودانير) ومؤسسة السكك الحديدية السودانية، ولأن مهام ودور هاتين المؤسستين مرتبط بصورة مباشرة بمصالح الجمهور العام، فإن ما أصابهما من تدهور بعد الخصخصة أصبح واضحاً لا يحتاج إلى دليل· لقد تركزت الأنظار والتفت الناس أكثر إلى مستوى التراجع في خدمات الخطوط الجوية السودانية بعد الحادث المريع الذي حدث منذ فترة، عندما احترقت إحدى طائرات هذه المؤسسة من طراز ''إيرباص'' 310 بعد هبوطها في مطار الخرطوم، مما أدى إلى مقتل أكثر من نصف الركاب الذين كانوا على متنها· لقد ظلت الخطوط الجوية السودانية التي تعمل منذ أكثر من نصف قرن تتمتع بسمعة عالية وانضباط تام عندما كانت تدار بوصفها مملوكة للدولة، ولكن تعددت الشكاوى من أدائها بعد أن بدأ العمل على تخصيصها جزئياً وتغيير إدارتها وإبعاد أهل الخبرة والمعرفة· وفي هذا الأسبوع ولأول مرة في تاريخ حركة الطيران في السودان أصدرت هيئة الطيران المدني قراراً بوقف كل عمليات الخطوط الجوية السودانية في داخل السودان وخارجه لمدة أسبوعين ولا شك أن هذا القرار سيؤثر سلباً على نشاط هذه المؤسسة ويضعف قدرتها التنافسية لفترة يمكن أن تطول· ورغم أن هيئة الطيران المدني تقول إن قرارها هذا لإصلاح أخطاء إدارية في ''سودانير'' إلاّ أن المراقبين يربطون بين هذا القرار ومجموعة الهيئات التي عرفتها ''سودانير'' مؤخراً، ومنها احتراق الطائرة الضخمة في مطار الخرطوم، وهنا يدعي البعض أن التعاقد على شراء هذه الطائرة لم تسبقه دراسة دقيقة لأحوالها الفنية، وبعد وقوع الحادث قالت الخطوط الجوية الاريترية إنها رفضت استئجار ذات الطائرة بسبب مشاكلها الفنية· إن ما حدث لـ''سودانير'' وكذلك التدهور الذي تعاني منه السكك الحديدية كل هذا لن يوقف قطار الخصخصة، ولكن المأمول أن تتم الخصخصة بصورة تحافظ على مستوى المؤسسات المخصخصة وتراعي مصالح جمهور المنتفعين· محجوب عثمان