الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الرهان» تقدم رؤى إبداعية زاهية و «سفر موت» تخيب الآمال

«الرهان» تقدم رؤى إبداعية زاهية و «سفر موت» تخيب الآمال
23 مارس 2011 00:12
كسبت مسرحية “الرهان” التي عرضت مساء أمس الأول على خشبة مسرح قصر الثقافة بالشارقة رهانها مع عروض مسابقة الدورة الحادية والعشرين من أيام الشارقة المسرحية، ومرد هذا الحكم الحاسم هو كونها جعلت متابعي الأيام يتنفسون مسرحيا حقيقيا ومتعافيا من الهنّات والأخطاء والنواقص الكثيرة التي صاحبت العروض الأخرى، السبب الآخر هو أن المسرحية توفرت كذلك على عدّة كاملة ومكتنزة من الرؤى والمعالجات الإبداعية التي وضعتها في منطقة زاهية وبعيدة عن المنافسين الآخرين، مقارنة ــ على الأقل ــ بما شاهدناه حتى الآن. مسرحية “الرهان” قدمتها فرقة حتا للثقافة والفنون والتراث، وهي من تأليف وإخراج وسينوغرافيا جمال علي، وساهم في ترجمة مضامينها وغاياتها على الخشبة وبإتقان كبير الممثلون: محمود أبو العباس في دور (قاسم)، ومحمد إسماعيل في دور (إسماعيل)، وعبدالحميد البلوشي في دور (الرجل الغريب). ومنذ إطلالة المتفرج الأولي على فضاء العرض يشعر أن ثمة وعد زاه وفاتن يخزنه المخرج للتفاصيل المشهدية والحوارات والمعالجات الأدائية المقبلة، حيث اشتملت السينوغرافيا على غلالة من القماش ممتدة في عمق الخشبة، بينما تتدلى أغصان الشجر على الجوانب العلوية من الخشبة، بما يوحي أن الحدث يدور في مكان ناء وبعيد عن المدينة. يبدأ الدخول الحقيقي في أجواء العرض من خلال موسيقا موظفة جيدا ومتناغمة مع الانطباع الأول والمثقل بشاعريته ورهافته، ومن خلال نقلة معاكسة ومفاجئة نبدأ في الاستماع لأصوات طلقات نارية مدوية مع تسلل غيوم من الغبار والدخان إلى كامل مساحة الخشبة، ويتضافر هذا الصخب السمعي والمرئي مع حركة الدخول القوية واللاهثة للأخوين قاسم وإسماعيل، اللذين يجران عربة خشبية كبيرة في محاولة للنجاة بجسديهما وبأملاكهما الثمينة من جحيم الحرب الدائرة في المنطقة بين الأعداء وبين المقاومين، ومن خلال لغة الحوار العالية والمتدفقة بجمالياتها وعمقها وبلاغتها يبدأ الأخوان في سرد حكايتهما واسترجاع محطات مضيئة وأخرى حزينة من ذكرياتهما المشتركة التي تتداخل فيها أطياف الطفولة والعائلة وحنان الأم الراحلة وقوة شخصية الأب الذي لم يعد موجودا ولكنه ترك بصمته وشجاعته في شخصية قاسم، بينما نرى في شخصية إسماعيل الطيبة والمحبة اللتان ورثهما من أمه، نكتشف من خلال هذه الحوارات المتخمة بالشعر وبالسرد الذاتي الفائض والساحر، أن الأخوين وضعا رهانا ملزما قبل شروعهما في الهجرة ومغادرة البلدة المبتلية بكل صور الجحيم والموت والألم. وهذا الرهان يتمثل في عدم تخلي أحدهما عن الآخر مهما حدث، ومع دخول شخص غريب بملابس عسكرية يدعي أنها ملابس للتمويه لا أكثر، ينقلب التناغم بين الأخوين إلى شجار ومشاحنات وصراعات تعيدهما إلى مسببات موت الأب وموت الأم حيث نكتشف أن ثمة أسرار داكنة ومروعة تكمن وراء موتهما أو مقتلهما بالتحديد، ومع سرد هذه الذكريات السوداء يستغل المخرج تقنية خيال الظل بتمكن وبحرفية عالية، ساهمت في تأكيدها وإثرائها مرجعية المخرج علي جمال السينمائية وخبرته في التعامل مع الكادر البصري، والذي بان تأثيره الجمالي الكبير على العرض. يستغل الرجل الغريب حالة التنافر والكراهية التي تبزغ فجأة بين الأخوين، فينتزع بندقية كانت مخبأة في عربة الأخوين ويكتشف أن قاسم يعيد التاريخ النضالي لوالده ويزود الثوار بالسلاح سرا، ولذلك فهو لا يخطط للهجرة كما ادعى لأخيه، يكشف الغريب عن هويته ونعرف أنه منتم لمعسكر الأعداء، ويجبر إسماعيل على التخلي عن أخيه رغم الرهان الذي اتفقا على تنفيذه، بينما يجهز الغريب على قاسم بطلقة قاتلة يختتم العرض على وقعها المأساوي، وتتحول الإضاءة في النهاية إلى مقولة صامتة تشيع هالة من الجلال والهيبة على جسد الميت الذي بات الآن حيا في ذاكرة العاشقين لأرضهم، وذاكرة المناضلين والشهداء في كل مكان وزمان. «سفر موت» أما في العرض الثاني الذي قدمته فرقة مسرح رأس الخيمة الوطني بعنوان”سفر موت” والذي عرض على خشبة معهد الشارقة المسرحي، كانت كلمة رئيس مجلس إدارة مسرح رأس الخيمة ومؤلف العرض إبراهيم بوخليف هي الكلمة التي مهدت لعمل حمل مسوغاته ومبرراته المخيبة للآمال منذ البداية. يقول بوخليف” برغم المصاعب والمتاعب التي تواجهنا، نتشرف بالمشاركة في هذا المهرجان المسرحي الكبير آملين أن نحقق الأهداف المرجوة” ولكن الأهداف المرجوة لا يمكن لها أن تتحقق مع نقص الاستعدادات، والأصعب من ذلك عدم وجود أرضية تضمن تحقيق النجاح للعرض، وهذه الأرضية لا تتشكل إلا من خلال الوعي بقيمة وأهمية المشاركة، ثم ما يتبع هذا الوعي من نص قوي ومتماسك، ومن أداء مشوق يجذب المتفرج ويجبره على المتابعة بالتوازي مع الرؤية الإخراجية الواضحة والتقنيات والسينوغرافيا التي يمكن أن تقدم عرضا متكاملا أو على الأقل محاطا بجهد وحماس قد يقلل أحيانا من أثر الظروف الصعبة المحيطة بالإنتاج. وللأسف لم تتحقق هذه الشروط والمواصفات فجاء العمل مفككا وفقيرا، رغم الرغبة الواضحة من المخرج والممثلين في تقديم أقصى طاقاتهم حتى لا تتضاعف أزمة التعامل مع هذا العمل والذي يبدو أن مشكلته بدأت أساسا من الورق أو من النص المكتوب. مسرحية “سفر موت” من إخراج محمد حاجي وتمثيل عدد من الممثلين المعروفين والجدد نذكر منهم : سالم العيان، ومايد الصوري، والفنانة نورة، وعبدالرحمن الكاس، ومبارك خميس. تناول العرض فكرة الطمع وغلبة الجشع الإنساني على صفات إنسانية فطرية مثل العطف على الضعفاء واحتضان اليتيم الذي يشعر أنه متروك لوحده في مهب الخوف والعزلة وتخلي الآخرين عنه، ويتطرق العرض أيضا لانتشار ظاهرة المشعوذين الذين يستغلون جهل المرضى وحاجتهم الماسة للعلاج كي يفرضوا شروطهم المادية القاسية على ضحاياهم، بينما تكمن مشكلة بعض هؤلاء الضحايا في أمراض نفسية وأمراض اجتماعية يمكن حلها ومعالجتها. يعرض اليوم تعرض في السابعة من مساء اليوم على خشبة مسرح قصر الثقافة بالشارقة مسرحية “السلوقي” تأليف اسماعيل عبدالله وإخراج حسن رجب، والعرض داخل المسابقة الرسمية.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©