الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هايتي... واحتواء تحديات الصحة العامة

12 مايو 2010 21:10
لم يكن السرب الكبير من الذباب الذي يحلق فوق مكب القاذورات في العاصمة الهايتية، "بورت أو برانس"، مجرد حشرات عادية تجمعت على القاذورات كما هو الأمر في الحالات المشابهة، بل كان خليطاً كبيراً ومتنوعاً من الحشرات التي تجمعت في مكان ما زال يعاني من تداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد مخلفاً الآلاف من الضحايا. وهذا الواقع الصعب هو ما ينذر بتفشي الأوبئة والأمراض التي تنشرها الحشرات والقوارض، ولعل ذلك هو مع دفع بعض الهيئات العلمية التي تدرس تأثير الحشرات على سلامة البشر وتسعى لتقديم المساعدة ووضع الحلول للأزمة للتوافد على هايتي بعد عجز السلطات العمومية عن تقديم خدمات جمع القاذورات ومعالجتها. ومن بين هؤلاء، روبرت يونج، من الإدارة الوطنية الأميركية لمراقبة الأمراض الناتجة عن الحشرات، حيث حل ضيفاً على مخيمات اللاجئين الموزعة في محيط العاصمة الهايتية لدراسة مدى انتشار الحشرات في المنطقة وتأثيرها على صحة اللاجئين في مخيمات الإيواء، ولاسيما في ظل الواقع المتردي الذي تتراكم فيه القاذورات في الشارع وتنعـدم فيـه البنية التحتية المساعدة على معالجة مياه الصرف الصحي. وعلى رغم قلة الإمكانات يمكن رؤية أعضاء وفود المنظمات العالمية التي تُعنى بمراقبة الحشرات وهم يجوبون مكبات القاذورات ويجمعون العينات، متنقلين بين المياه الآسنة وقنوات الصرف الصحي المفتوحة لرصد احتمالات انتشار الأوبئة والسبل الكفيلة بالحد من انتقالها إلى السكان. وفي هذا السياق يقول "روب ليدرمان"، المدير التنفيذي للإدارة الوطنية لمراقبة الأمراض الناتجة عن الحشرات: "إن مهمتنا هي الإنصات إلى السكان ومراقبة التغيرات التي قد تحدث بسبب تفشي القمامة غير المعالجة واحتمال ظهور الأمراض المرتبطة بذلك في بيئة تشجع الحشرات والقوارض على التكاثر ونقل الأوبئة، ونحن نريد أيضاً التعرف على الأخطار الصحية التي تواجه الشعب الهايتي في حال عدم معالجة القاذورات المتراكمة في الشوارع والأماكن العامة". والحقيقة أن هذا الاهتمام الدولي بتداعيات الزلزال المدمر على السكان يأتي خوفاً من العوامل المساعدة على انتشار الأمراض وفي مقدمتها القاذورات والصرف الصحي غير المعالج لأنها تشكل البيئة المناسبة لتكاثر الحشرات والجرذان التي بدورها تنقل الأمراض. وفي حالات معينة يخشى الأطباء والمسؤولون عن الصحة العامة من عودة الطاعون للظهور بين السكان. ويكفي هنا أن نعلم أن العاصمة "بورت أو برانس" التي يقطنها حوالي مليوني نسمة وحدها تنتج ما لا يقل عن ألفي طن من القمامة يوميّاً أغلبها يبقى مرمياً في الأماكن العامة وعلى جنبات الطرقات متراكماً يوماً بعد يوم في ما يشبه أكواماً ضخمة من القاذورات. ومن بين 70 شاحنة توفرها البلدية في المدينة لا يعمل سوى 40 شاحنة فقط بسبب انعدام قطع الغيار والصيانة، بالإضافة إلى مشاكل أخرى تفاقم مشكلة القاذورات في العاصمة التي تحتاج إلى موارد مالية مهمة تفوق الميزانية الحالية التي لا تتجاوز أربعة ملايين دولار. وعن هذا الموضوع يقول "هاري توسو"، مدير وكالة معالجة المخلفات في هايتي: "في الحالات المثالية يُفترض أن نذهب لجمع القاذورات ونلف على البيوت جميعاً، ولكن مع ارتفاع عدد المشردين في الشوارع بسبب الزلزال أصبح من الصعب مواكبة القاذورات المتراكمة التي تفوق بكثير قدراتنا المتواضعة". يُذكر أن زلزال 12 يناير الماضي خلـف أكوامـاً هائلـة من الركام تغطي مساحـة واسعة من هايتي، وبانتشـار الخيام في كل مكان وانعدام أماكن خاصة لقضـاء الحاجة بدأ المسؤولون الصحيون في دق ناقوس الخطر والتحذير من التداعيات الخطيرة لذلك على الصحة العامة، وخاصة أن الناس يلجـأون إلى طرق بدائية للتخلص من الفضلات وفي ظروف تفتقر لوسائل النظافـة القادرة على قتل الجراثيم الناقلة للأمراض، هـذا بالإضافة إلى كون هذه البيئة تعتبر عادة مرتعاً خصباً لتكاثر الحشرات والقوارض. ولكن على رغم قلة الإمكانات تحاول الوفود التابعة للمنظمات الدولية والمسؤولون الصحيون اقتراح بعض الحلول على السكان ومساعدتهم على تنظيف البيئة المحيطة بهم مثل اللجوء إلى رمي القاذورات في حفر كبيرة بعيدة عن الأماكن الآهلة بالسكان، فضلا عن رش القاذورات بالمبيدات وبعض المواد الكيمياوية التي تحد من تكاثر الجراثيم من جهة وتبعد الحشرات والقوارض من جهة أخرى. ولكن مهما كان الحل فإن "فرانك ميك"، أحد المراقبين للوضع الصحي في هايتي، يرى أنه "لا بد من تغيير السلوكيات وطرق التعامل مع القاذورات والتخلص منها بطريقة سليمة، وهو ما يستدعي تثقيف الناس وتوعيتهم بالمخاطر التي تنتظرهم في حال إهمال مسألة الصرف الصحي وما يرتبط بها من سلوكيات". وعلى رغم التحذيرات ذات النبرة المتشائمة التي يطلقها البعض حافظ "فرانك ميك" على تفاؤله، معتبراً أن الوضع في هايتي لم يدخل بعد مرحلة الخطر وبأن التوقعات في البداية بالغت في التنبؤ بالأسوأ، لكن بعد الفحص والمراقبة تبين أن الأمراض المرتبطة بالقاذورات ظلت في نطاق محدود، ولم تنتشر الحشرات بالكثافة التي تخوف منها المراقبون، وإلى حد الآن لم يسجل وباء يهدد الصحة العامة. كاثي كلاريتش - هايتي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©