السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسجد فاطمة خاتون ينثر وقفياته في ربوع فلسطين

مسجد فاطمة خاتون ينثر وقفياته في ربوع فلسطين
26 أغسطس 2009 00:13
يعتبر مسجد فاطمة خاتون أهم المعالم التاريخية لمدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة، بل هو من أبرز المعالم التاريخية في الحضارة الإسلامية في فلسطين. وتم بناء المسجد في أواخر عهد السلطان العثماني المرحوم سليمان القانوني في حوالي سنة 974هـ الموافق 1566ميلادية، أي قبل حوالي خمسمائة عام تقريباً. وقد بنته فاطمة خاتون وخاتون أي السيدة الشريفة، وهي كلمة تركية مغولية الأصل، وهي بنت محمد الأشرف بن قانصوه الغوري، سلطان المماليك الذي انتصر عليه السلطان سليم الأول العثماني، في معركة مرج دابق الشهيرة في شمال حلب السورية في 23/8/1516 ميلادية. وفاطمة خاتون هي زوجة القائد البوسنيّ الأصل (لالا مصطفى باشا)، وكلمة (لالا) بالتركي تعني المربي، وكان المسلمون فتحوا إقليم البوسنة سنة 1463 للميلاد. قصة بناء المسجد مرت فاطمة خاتون من بلدة جنين في رحلتها التاريخية من لبنان وسوريا مروراً بفلسطين، ولما وصلت بلدة جنين أعجبها موقعها، حيث البساتين العامرة، والمياه المتدفقة ومن حولها مرج بن عامر الشهير بتاريخه وخصب أراضيه، حيث كانت قد أوقفت الكثير من الأراضي التي مرت بها، قررت حينما وصلت إلى موقع المسجد الحالي، ورأت أنه ليس مكاناً للعبادة فحسب، بل هو ملتقى المسافرين بين الشمال والجنوب من فلسطين إلى سوريا ولبنان، فقررت أن تنشئ مسجداً، هو المسجد الحالي ليكون منارة للعلم والإيمان، ومأوىً لابن السبيل، و يجد فيه الفقير والمسكين طعامه ومأواه، فأنشأته على مدى عامين في مكان موقع مسجد إسلامي صغير بني غداة الفتح الإسلامي للمدينة سنة 15هـ الموافق 636 للميلاد. وحتى يبقى المسجد عامراً بالمصلين، مؤدياً رسالته على الوجه الأكمل، جعلت له جزءاً من وقفيتها الشهيرة، التي تعتبر من أوسع وأشهر الوقفيات في التاريخ الإسلامي، وقد شملت وقفيتها الكثير من الأراضي في كل من لبنان، وسوريا، وفلسطين، يرصد ريعها للفقراء، والمعوزين، وأبناء السبيل، وحفظة القرآن، وعمار بيوت الله عز وجل، إلى الكثير من أبواب الخير المتفرقة، ونسخة الوقفية هذه محفوظة كمخطوطة بديوان دائرة الأوقاف الإسلامية بدمشق المحروسة، ومصدقة من محكمة التمييز السورية في 28محرم الحرام سنة 1342هـ الموافق العاشر من أيلول سنة 1923 ميلادية. وفيما يلي النص الحرفي لما أوصت به السيدة الفاضلة (فاطمة خاتون) في وقفيتها الشهيرة من الأمور المتعلقة بالمسجد الذي أنشأته، ليبقى مؤدياً رسالتهُ على الوجه الأكمل. وفي مستهل عام 1297 هـ الموافق 1880 للميلاد، تم استبدال المنبر الخشبي القديم، بتركيب المنبر الحجري الحالي، تمشياً مع توجه الحكومة العثمانية، ضمن إصلاحاتها العمرانية والإدارية، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني . وتزيد مساحة الجامع المذكور حالياً عن ثلاثة دونمات وربع، وهي تمتد الى القبلة جنوبا الى ما يعرف بـ»الحوش» عند مفترق شارعيّ أبي بكر وفيصل حالياً، مقابل باب «السيباط» ومن الجهة الغربية: يحده القناة التي كانت تأتي من أعالي مدينة جنين من الجهة الجنوبية التي هي معروفة بـ»عين نيني»، وقد أصبحت الآن تحده حسبة الخضار المركزية في وسط المدينة بعد أن جفت قناة الماء المذكورة. أما من الجهة الشرقية: فيحده الشارع المتجه من وسط مدينة جنين الى مدينة الناصرة مروراً بمدينة العفولة من أرض فلسطين السليبة منذ سنة 1948، ويقابله من الجهة الشرقية مباشرةً على حافة الشارع المتجه شمالاً مدرسة فاطمة خاتون للبنات والتي كانت مقراً لدار السرايا الحكومية ويحده من الجهة الشمالية الآن: شارع آخر يتفرع من شارع الناصرة ليلتقي غرباً بالشارع المتجه الى مدينة حيفا من ارض فلسطين المحتلة. أما مساحة أصل المسجد القديم القائم تحت قُبَّة الجامع الكبيرة، والتي تشبه الى حد كبير قبة مسجد الجزار في عكا، و قبة المسجد الكبير في مدينة الرملة، وهو ما يميز هذه القِباب بتاريخها العريق، وحضارتها الإسلامية، فتبلغ مساحتة مائة وخمسين متراً مربعاً. أما عرض الجدار: الذي ترتفع فوقه القبة فيبلغ مترين. التكية الخاتون أقامت فاطمة خاتون تكيةً معتبرة، بعد إطلاعها على السوق التجاري والخان، اللذين أقيما في القرن الرابع عشر الميلادي، في العهد المملوكي، فأنشأت الحمام العام الذي كان ملاصقاً للجامع الصغير والذي يبعد عن المسجد الكبير حواليّ مائة وخمسين متراً تقريباً جنوباً، واستمرت فعاليات الحمام العام في المدينة، لغاية سنة 1929 ميلادية، وذلك لتأثرهُ بالزلزال الذي ضرب المدينة عام 1929. وكانت فاطمة خاتون وجدت الحاجة ماسة لتغطية متطلبات المسافرين، وأبناء السبيل المارين عبر هذه البلدة (أي جنين) والمتجهين جنوباً الى بيت المقدس للزيارة والتجارة، وشمالاً باتجاه سوريا ولبنان للاستجمام والتجارة، فأنشأت في الجهة الشرقية الأمامية الملاصقة للجدار من المسجد تكية (أي غرفة واسعة يأوي إليها الفقراء، وأبناء السبيل المنقطعين الذين لم يجدوا لهم مأوى)، تقع على الشارع الرئيسي المتجه جنوباً الى بيت المقدس، وشمالاً الى مدينة الناصرة من أرض فلسطين المحتلة عام 1948، وهي المعروفة الآن عند أهل جنين بـ«ماجستك» وهو محل تجاري كان يبيع الحصر أولاً ثم أصبح يبيع الملبوسات الجاهزة- بعد تأجيرها في الخمسينات من القرن العشرين من قِبَل دائرة أوقاف جنين مع شديد الأسف، يوم أن استلم إدارة الأوقاف من لم يكن يحسن إدارتها. كما أنشأت فرناً خاصاً بالتكية، لمصلحة هؤلاء الفقراء المعوزين والمنقطعين، شأن الكثير من التكايا التي كانت منتشرة على طول الطرق التي يمر بها المسافرين في الدولة الإسلامية العتيدة، مترامية الأطراف، والتي لم تكن تخلو منها مدينة من المدن الإسلامية الشهيرة، أمثال بيت المقدس، ودمشق وغيرها، وهذه البنايات (أي التكايا) كان يتسابق إليها بناءً، وعنايةً، وخدمةً للفقراء، السلاطين، والأغنياء، طلباً للأجر والثواب، ولتبقى لهم صدقات جارية، كما أن في ذلك تكافلاً ورعايةً بين أفراد المجتمع المسلم. كما أن المرحومة فاطمة خاتون قد حبست (أي أوقفت) لصالح المسجد، والحمام والتكية، في جنين ريع أوقاف كثيرة وفي مناطق عديدة. أما التكية فقد جعلت لها بعض المخصصات لقاء تقديم وجبة طعام شعبية دسمة، مجانية للفقراء، والغرباء وأبناء السبيل، وقد استمرت هذه التكية في نشاطها حتى عهد قريب في أوائل القرن العشرين، وقد أدركه المسنون من أبناء المدينة، ثم أخذ عطاؤها يتناقص تدريجياً بالتناسب مع تزايد بلاء الانتداب الإنجليزي، حتى اقتصرت عقب الثورة في الثلاثينات على تقديم الخبز الطازج فقط، وإيواء المقطوعين لاحتباس أرزاقها التي نضبت بعد نكبة عام 1948ميلادية، حيث جرى فيما بعد تحويلها لاستيداع المفروشات من السجاد، و الحصر والقباقيب، والأباريق، وتبرعات الأهالي العينية، وإقامة الدراويش المقطوعين، إلى أن آلت الأمور لتكريسها للتأجير بثمن بخس، وحرمان المارين بالمدينة من الفقراء والمعوزين، وممن يسكنونها منهم كذلك من هذا العطاء، ومن التعدي على الوقف بطريقةٍ لا تليق بما جعل لأجلهِ، وينتظر هذا المسجد من يحافظ على وصية السيدة المحسنة التي قامت ببنائه.
المصدر: فلسطين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©