السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسة الصين الخالية من الشروط

25 أغسطس 2009 15:25
بعد الانطلاق خارج مدارها الآسيوي سياسة الصين الخالية من الشروط نجحت في جذب النخب الأفريقية أحمد السعداوي في كتابه "الصين في أفريقيا شريك أم منافس" الصادر عن مشروع كلمة يسعى كريس ألدن إلى تحليل العلاقات الصينية الأفريقية وتناولها من عدة منظورات، محاولاً فك رموز تلك العلاقات الناشئة بين الصين وأفريقيا لتحديد ما إذا كانت هذه العلاقة ستكون علاقة شريك في التنمية أم منافس اقتصادي، أم نوع جديد من الهيمنة. تآكل الموارد في بداية الكتاب يتحدث ألدن عن سياسة الصين الجديدة تجاه أفريقيا التي بدأت تأخذ منحنى جديداً مع بدايات القرن الواحد والعشرين مشيراً إلى الطفرة الهائلة في التجارة البيئية بين القارة والصين والتي تحولت من مليار دولار أميركي عام 2000 إلى 5 مليار دولار مع نهاية 2006. وهو ما يجعل الصين التي كانت قابعة في مدارها الآسيوي، تصبح ثالث أكبر شريك تجاري مع أفريقيا في ظرف تلك السنوات القلائل. وفي ذات الوقت ما من دليل يرمز إلى أهمية أفريقيا للاقتصاد الصيني، أكثر من تحول أنجولا إلى أكبر مصدر للنفط إلى الصين، متفوقة بذلك على المملكة العربية السعودية عام 2006. كما أن سياسة الصين الخارجية تجاه أفريقيا تطورت بشكل لافت، استناداً إلى رؤية الزعيم الصيني دنج شياوبينج التي مفادها "لاحظ بهدوء وأمّن موقعنا. لا تكشف قدراتنا وانتظر فرصتنا. كُن ماهراً في التصرّف دون لفت الانتباه ولا تدّعي الزعامة أبداً". وبناءً على هذه السياسة سعت الصين وبنجاح إلى الحصول على مصادر جديدة للطاقة والموارد الطبيعية في أفريقيا، بعد ما بدأت مواردها الطبيعية في التآكل تحت ضغط تزايد حاجات الصين، وكذا بعض أوجه القصور التكنولوجي وسوء الإدارة في عقود ماضية. عقود الإذلال كما يتحدث المؤلف أيضاً عن استحضار الماضي الذي يؤطر العلاقات الأفريقية الصينية، فكل من طرفي العلاقة يسعى إلى توظيف التاريخ بما يؤدى لتعزيز تلك العلاقات، فزعماء الصين يرون في أفريقيا أنها كانت الحلبة الأهم في الصراع الإيديولوجي إبان الحرب الباردة، واعترافهم بدور الأهمية العددية للدول الأفريقية داخل الجمعية العامة في لحظات تاريخية بالنسبة للصين، والقدرة على التعامل معه جيداً ما أدى في النهاية إلى إزالة جمهورية الصين (الاسم السابق لتايوان) من مركزها الرسمي كعضو يحتل مقعد دائم في مجلس الأمن عام 1971، وفي ذات الوقت فإن النخبة الأفريقية لا تجد وراء الوجود الصيني في قاراتهم أي مخاوف، مثل تلك التي تركتها عقود الإذلال على يد القوى الاستعمارية والولايات المتحدة. ويلفت إلى أن الصين اعتمدت في سياستها الخارجية تجاه أفريقياعلى ما يعرف بالمساعدة الإنمائية التي من خلالها نجحت الصين إلى حد كبير في تأمين موارد جديدة لها وكسب حلفاء دبلوماسيين، ومن ذلك ما قدمه مصرف الصين للتصدير والاستيراد EXIM لدعم المشروعات الأفريقية عام 2005 والذي بلغ 15 مليار دولار أي أكبر بثلاثين مرة من أقرب منافس لها في دعم مشروعات ماثلة. مبيعات السلاح كذلك يدلف الكاتب إلى التعاون العسكري ونمو مبيعات الأسلحة باعتبارهما جانبين هامين من العلاقات مع بعض الحكومات الأفريقية، لاسيما تلك التي تعيش في ظل التهديدات بسبب الحرب الأهلية أو التمرد أو المعارضة المحلية ولكنها مُنعت من الحصول على أسلحة من مصادر غربية تقليدية، فلم يكن لها سوى الصين التي سارعت بإمداد تلك الدول بأسلحة أثبتت أهميتها الكبيرة في بعض أكثر الصراعات دموية في أفريقيا، لاسيما في القرن الأفريقي، حيث وفرت الحرب الأهلية المتواصلة منذ عقود في السودان وأثيوبيا سوقاً ترحب بتجار الأسلحة الأجانب. ومن أوجه التعاون المميزة في هذا الصدد ما يعرف بمبادرات ما دون الدولة، ولامركزية اتخاذ قرار الاقتصاد الخارجي التي انتهجتها الصين مع نهاية سبعينيات القرن الماضي، وأتاحت حصول سلطات المقاطعات والسلطات البلدية في الصين على امتيازات خاصة واسعة داخل أفريقيا نتيجة اتفاقيات أبرمتها تلك المقاطعات والبلديات مع مؤسسات ومدن عديدة كثيرة في أفريقيا. أعاجيب الصين ويرى الكاتب أن ردة الفعل الايجابي من قبل الحكومات الأفريقية على توسع التواجد الصيني في هذه القارة، لهو شهادة على فعالية هذا النهج الجديد في السياسة الخارجية الصينية، كما أن اعجاب الزعماء الأفارقة والمسئولون الحكوميون ومدراء الشركات والصحفيون بأعاجيب الصين الجديدة بعد القفزة التكنولوجية والاقتصادية التي حققتها في السنوات الأخيرة، والتي كانت بمثابة مفاجأة غير متوقعة و"مريحة"، بالنسبة لهم وهو ما ترك انطباعا بأن احتكار الغرب للتنمية قد كُسر إلى حد ما. ومن المنظور الصيني، فإن تلك العلاقات الناشئة مع أفريقيا هي علاقات مثلى بما وفرته من تكاملات اقتصادية بين وفرة الموارد والانفتاح النسبي للأسواق على سلعها ومناخاً مساعداً على الاستثمار بشكل مدهش. ثم يستعرض كريس ألدن الكيفية التي وُجدت بها الشركات الصينية الكبرى منها والصغرى في السوق الأفريقية، وسياستها الاقتصادية في تلك الدول وآثارها سواء على الشركات ذاتها أو في محيط عملها الأفريقي، موضحاً أن من هذه الشركات من صار يضطلع بمسؤولية اجتماعية وصار ينتهج سياسات تراعي وباهتمام الصحة والسلامة والبيئة، ومنها "وهو كثير" مؤسسات صينية صغيرة ومتوسطة يتعمد بعضها الاستهزاء بمعايير العمل والبيئة فضلاً عن الأنظمة المحلية في سعيها وراء الربح. مخاوف غربية وهنا يعتبر الكثير من النقاد الأفارقة الحكومة الصينية ملومة أو على الأقل مسؤولة عن تصرفات هذه الشركات، برغم من أن هذه الشركات في الأصل هي نتاج مبادرات تابعة لمقاطعات أو مبادرات فردية، وهي تعكس المصالح والممارسة المستمدة من البيئة المحلية في الصين التي تشهد عديد من مثل هذه التصرفات اللا مسؤولة من قبل هذا النوع من الشركات بحيث تقف الحكومة الصينية عاجزة عن الوقوف في كثير من الأحيان ضد هذه السلوكيات. ولكن ونظراً لأن تصرفات هذه الشركات أفرزت طائفة متنوعة من ردود الفعل المحلية التي قد تدفع الصين بشكل أو بآخر إلى التخلي عن مبدأ الصين الرسمي وعدم التدخل، ويتم جر بكين سواء أرادت ذلك أو لا إلى داخل السياسات الأفريقية للحفاظ على مصالحها الوليدة. ويعرج بنا الكاتب إلى الحديث عن المخاوف الغربية من هذا التواجد الصيني الجديد في القارة السمراء فالغرب يسعى دائماً لربط هيمنته التجارية السائدة بجدول أعمال طموح لأحداث تغيير هيكلي للقارة. وعلى النقيض من ذلك دخلت الصين أفريقيا ببساطة لتغذية نهم الجوع الذي يشعر به اقتصاد السوق حديث النشأة لديها، وليس لها اهتمام يذكر بمشاكل أفريقيا الداخلية أو سياساتها. فكانت النتيجة تهافتاً جديداً على الموارد الأفريقية، بدت فيه مصالح القوى العظمى تتخذ لوناً أيديولوجياً وتضع رؤيتين لشراكة أجنبية مع أفريقيا وجهاً لوجه. فكان هذا بالنسبة إلى القادة الأفارقة بمثابة نعمة غير متوقعة ترمي بشريان حياة لاقتصادات السوق المتعثرة والطغاة المتمردين على حد سواء وتعرض لهم فرصاً جديدة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتعزيز نظام الأمن. أجندة تحويلية وفي خضم هذه المداولات حول وضع أفريقيا بالنسبة لكل من الغرب والصين، أعلن توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وذلك عام 2005 عبارته التي لا تنسى من أن "أفريقيا ندبة على ضمير العالم"، وذلك قبيل انعقاد قمة الدول الثماني الاقتصادية الكبرى في العالم، وأعلن إلى جانب مستشار خزانته آنذاك جوردون براون (رئيس الوزراء البريطاني حالياً)، أنهم ملتزمين بالأجندة التحويلية للقارة من تقديم دعم حافل لها وعملاً على ضمان إسهام القادة الغربيين والمنظمات غير الحكومية والشركات في تشكيل برنامج التغيير من خلال عملية مشاورات واسعة النطاق. وأسفرت هذه الجهود عن التزام الجهات المانحة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية برفع مستويات مساعدتها الخارجية حتى تبلغ الضعف بحلول عام 2010، ولكن هذه الشراكة الجديدة التي عمد الغرب على تأسيسها مع أفريقيا. قوبلت بعدم رغبة القادة الأفارقة في دعم تلك العملية بإجراءات ملموسة، خاصة وأن آلية العقاب للمخالفين غير واضحة، وكان من المثير هنا أن هناك بلدان كثيرة لم تسارع للانضمام إلى هذه الآلية رغم أنها بلدان تتسم بنظم ديمقراطية واقتصادات مزدهرة مثل بوتسوانا. جذب النخب وهذا التجاهل من قبل الدول الأفريقية لمبادرة مجموعة الدول الثمانية يعتبره المؤلف عقبة كبيرة أمام تحقيق طموحات تلك الدول في أفريقيا، وهو ما جعل التغلغل الصيني في أفريقيا مصدر قلق عميق لدى الغرب، لأن الدور الذي تلعبه الصين يستند على اعتبارها مصدراً بديلاً للاستثمار الأجنبي والدعم الدبلوماسي للحكومات الأفريقية التي سئمت كل أشكال التدخل الغربي، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الصيني تشوو نتشونج بصراحة عام 2004 "أنتم الغرب حاولتم فرض اقتصاد السوق والديمقراطية متعددة الأحزاب على هذه البلدان التي لم تكن مهيئة لذلك، ونحن أيضاً ضد الخطر الذي حاولتم استخدامه ضدنا" ويشدد ألدن على إن الطابع المثير للقلق في سياسة الصين الخالية من الشروط هو أنها نجحت في جذب النخب الأفريقية بسهولة بغض النظر عن افتقارهم إلى الطابع الديمقراطي، وهذه الحالة أدت إلى وجود شكل واضح من التحدي الصيني للغرب في أفريقيا. وفي نهاية الكتاب يحدثنا المؤلف عن توطيد العلاقات الصينية الأفريقية، موضحاً أن جهود الصين في هذا الاتجاه، سواء كانت محفزة للتنمية في ربوع إفريقيا، أو تقولبت، لتكون ممثلة لقوة خارجية تسعى لتحقيق مصالح ذاتية ضيقة، فهي مسألة تكشفها الأيام، وعلى أي حال، وعلى خلاف ما حدث في الماضي، الأفارقة هم من سيحدد طبيعة وعمق تغلغل الصين في الشؤون الإفريقية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©